اليمن-حزب المؤتمر الشعبي في ذكرى تأسيسة: ازمة وجودية وفوضى تنظيمية وورثة متربصون
يمن فيوتشر - (العرب-صالح البيضاني): الثلاثاء, 24 أغسطس, 2021 - 06:35 مساءً
اليمن-حزب المؤتمر الشعبي في ذكرى تأسيسة: ازمة وجودية وفوضى تنظيمية وورثة متربصون

 يصادف الرابع والعشرون من أغسطس من كل عام ذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام الذي أنشأه الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح عام 1982، وتحول بعد إعلان الوحدة اليمنية إلى مظلة سياسية لصالح وعدد من القيادات السياسية والاجتماعية في اليمن.
وتمر ذكرى تأسيس الحزب التاسعة والثلاثون هذا العام في ظل تحولات سياسية متسارعة تعصف بالمشهد اليمني، وحالة تشظي وانقسام غير مسبوقة بين قيادات الحزب تفاقمت بعد مقتل مؤسسه علي عبدالله صالح وأمينه العام عارف الزوكا في ديسمبر من العام 2017 إثر مواجهات خاطفة مع الجماعة الحوثية في صنعاء.
ويؤكد مراقبون أن انقسام المواقف إزاء الجماعة الحوثية والحرب وقيادة الحزب، بالإضافة إلى تغليب عدد من قيادات المؤتمر لمصالحهم الشخصية على حساب وحدة الحزب، كلها قضايا وعوامل تهدد مستقبل أكبر حزب سياسي يمني يتمتع بقاعدة شعبية عريضة.
ويعاني حزب المؤتمر من حمى الانقسامات التي تفاقمت بعد مقتل مؤسسه وغياب أي شخصيات قيادية قادرة على ملء الفراغ الذي خلفه علي عبدالله صالح.

•موجات النزوح
تعرض حزب المؤتمر الشعبي منذ العام 2011 لموجات متلاحقة من الانشقاقات والانقسامات، حيث شهد الحزب أول موجة نزوح خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد وطالبت بإسقاط النظام.
وترافقت احتجاجات 2011 مع إعلان عدد من قيادات الحزب وكوادره الاستقالة، وهي الظاهرة التي وصفها رئيس الحزب آنذاك بأنها صحية لتطهير المؤتمر من القيادات والعناصر التي كان ينظر إليها كأحصنة طروادة تابعة لأحزاب أيديولوجية أخرى ولم يجمعها مع المؤتمر سوى كونه حزب السلطة في تلك الفترة.
وعانى الحزب من هزة أخرى داخلية بعد تخلي الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عن السلطة بموجب المبادرة الخليجية التي نصت على نقل السلطة إلى نائبه.
وشهدت تلك الفترة بوادر صراع بين صالح والرئيس عبدربه منصور هادي على زعامة حزب المؤتمر، غير أن الأمر لم يستمر طويلا مع تسارع الأحداث وتداعياتها وصولا إلى اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 واندلاع الحرب بعد ذلك في مارس 2015.
وشهد حزب المؤتمر الشعبي العام في تلك المرحلة حالة انقسام كبيرة على خلفية الموقف من التحالف مع الحوثيين وعملية “عاصفة الحزم”، التي تلتها مغادرة عدد متزايد من قيادات الصف الأول في الحزب نحو العاصمة السعودية الرياض.

•فوضى تنظيمية عارمة
 على الرغم من خطورة حالة الانقسام والتشظي البطيئة التي عانى منها حزب المؤتمر الشعبي العام بين الفترة من 2011 وحتى 2015، إلا أن علي عبدالله صالح ظل الشخصية المحورية التي تلتف حولها قواعد المؤتمر والقسم الأكبر من قياداته التنظيمية إلى حين مقتله على أيدي الحوثيين.
وترك مقتل رئيس المؤتمر وأمينه العام فراغا هائلا في هرم الحزب، حيث فاقم الأمر من حالة الانقسام وعمق من التمايز بين عدد من أجنحته التي ظهرت في القاهرة والرياض وأبوظبي وصنعاء، وسط غياب أي شخصية سياسية قادرة على جمع شتات الحزب.
وعلى أنقاض معركة “الثنية” التي قتل فيها صالح والزوكا، عملت الجماعة الحوثية على استئناف المؤتمر لنشاطه في صنعاء، لكن كتابع وليس شريكا من خلال دعم إعلان قيادة جديدة للمؤتمر موالية لها وتتبنى مواقفها في القضايا الرئيسية مع هامش ضئيل للتمايز.
وفي الرياض فشلت جهود التحالف العربي في لملمة قيادات الحزب المتناثرة المناهضة للحوثيين، نتيجة لاختلافات وتباينات سياسية يعود بعضها إلى العام 2011، في ظل وجود مخاوف متزايدة من سيطرة جماعة الإخوان على قرار المؤتمر وعودة شخصيات منشقة إلى الواجهة تحت غطاء الشرعية.
ويؤكد مراقبون سياسيون يمنيون أن جيوب المؤتمر التي نشأت في عواصم عربية أخرى عانت من غياب أي رؤية سياسية لإعادة المؤتمر إلى واجهة العمل السياسي، حيث اكتفت بعض القيادات المنفصلة في الغالب عن قواعد الحزب بالمتاجرة بالمواقف السياسية بهدف الحصول على مكاسب شخصية، من خلال الاصطفاف مع أطراف إقليمية على خلفية التجاذبات حول الملف اليمني.
ويرى هؤلاء أن ظاهرة استغلال حالة الفراغين التنظيمي والسياسي برزت بشكل واضح من خلال محاولة شخصيات هامشية في الحزب لعب دور يفوق تاريخها السياسي والحزبي، واختطاف صفات تنظيمية ليست حقيقية أو مستحقة.

•تحديات داخلية وخارجية
عن الصورة التي يبدو عليها حزب المؤتمر الشعبي العام في الذكرى الـ39 لتأسيسه، يؤكد عبدالحفيظ النهاري، نائب رئيس الدائرة الإعلامية لحزب المؤتمر، في تصريح لـ”العرب” أن “الحزب تعرض لتحديات كبيرة داخلية وخارجية، حيث كان التكالب عليه كيديا وخاطئا بفعل تحريض غير موضوعي من بعض القوى المتطرفة والأيديولوجية يمينا ويسارا، والتي لم تستسغ وسطية المؤتمر الشعبي العام واعتدال نهجه، ونظرا لسياسته الشعبية الوطنية التنموية”.
ويقول النهاري إن “عجز المعارضة السياسية والقوى التقليدية عن مجاراة المؤتمر ديمقراطيا وتنمويا وشعبيا قد شكل عقدة سياسية وشعورا بالعجز تحول إلى حقد سياسي على المؤتمر وقيادته التاريخية، لا ينسجم بأي حال مع التمشي الديمقراطي ولا مع الشراكة ولا مع شعبية المؤتمر واتزان مواقفه على المستوى الوطني والإقليمي والدولي”.
ويضيف أنه “نظرا لضعف صلة تلك الأحزاب الأيديولوجية انتخابيا وشعبيا راهنت على الأجندات الخارجية، الأمر الذي جعل المؤتمر يواجه صعوبات كبيرة، في ظروف سادتها الفوضى على مستوى الوطن العربي، وتفكيك الأنظمة وتفتيت البنى الاجتماعية”.
ويتابع أن المؤتمر الشعبي العام يتعرض منذ عام 2011 إلى “هجمة شرسة ظالمة وغير موضوعية من الداخل والخارج”، والمؤتمر رغم ذلك “لم تثنه تلك الهجمات عن دوره الوطني، ولم تدفعه إلى التخلي عن مسؤوليته الوطنية، بل وقف في أحلك الظروف إلى جانب الشعب اليمني ومعاناته ووقفت قيادته التاريخية إلى جانب الدفاع عن مكتسبات الشعب اليمني في الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية والاستقرار والتنمية والدفاع عن السيادة واستقلال القرار الوطني”.
وحول إمكانية لعب حزب المؤتمر الشعبي العام دورا سياسيا في المرحلة المقبلة كحزب موحد، يقول النهاري إنه “بعد عشر سنوات من الحرب والدمار والآلام والتمزيق الذي تعرض له الوطن من قبل الانقلابيين الإماميين، أو من قبل الجماعات المتطرفة الأخرى، يراهن الشعب اليمني اليوم على دور المؤتمر الشعبي العام وينتظر منه أن يساهم بخبرته وتجربته الوطنية في إخراجه من الوضع الراهن الذي يتعرض فيه الوطن لأكبر محنة في تاريخه الحديث”.
ويضيف أن حزب المؤتمر “استطاع أن يحتفظ، بالرغم من كل ما حدث، بتوازنه ووحدته التنظيمية، وهو اليوم يستعيد عافيته ودوره بفعل عوامل عدة، منها مرجعية الشعب وثقته في المؤتمر وفي صوابية رؤيته، واستعادة ثقة المجتمع الدولي والإقليمي، الذي أصبح أكثر فهما من أي وقت مضى لمنظومة التطرف التي ضللته وعرّضت اليمن لكل المخاطر التي يواجهها اليوم”.
ويشير النهاري إلى أن المؤتمر “قادر اليوم على ترتيب أوراقه من جديد واستعادة عافيته التنظيمية والسياسية استعدادا للعب دور وطني وإقليمي فاعل لوقف الحرب، واستعادة السلام والاستقرار، وتبني دور مسؤول في الحفاظ على الأمن الوطني والإقليمي والدولي، ويطوي صفحة الصراع الحالي”.
ويوضح أن هذا الأمر “يستلزم تعزيز وحدة الصف الجمهوري والقوى التقدمية والحداثية وإنقاذ الوطن من براثن التعصب الطائفي والمذهبي والسلالي والمناطقي والفئوي، وانتصارا للمرجعية الدستورية والقانونية التي تكفل للجميع المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، والشراكة السياسية، والعدالة الاجتماعية، والتمثيل الديمقراطي للشعب، والتعبير الشرعي عن إرادته وخياراته، من خلال استعادة الشرعية المؤسسية والمؤسسات الدستورية”.

•مركز الثقل السياسي
يرى الباحث السياسي ووكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية نجيب غلاب في تصريح لـ”العرب” أن حزب المؤتمر يستمد قوته وأسباب صموده من كونه “مركز الثقل الأساسي للعمل السياسي قبل الوحدة وبعدها”.
ويقول غلاب إن “التعددية السياسية لم تؤثر على حزب المؤتمر، بل زادته قوة ونضج دوره أكثر في تنظيم المصالح وتجميعها، وهذا ما يفسر انتشاره وتوسعه وثقة الناس فيه”.
ويوضح أنه “على الرغم من الأخطاء والمشاكل التي واجهتها الدولة فقد شكل حزب المؤتمر الضامن الأول للتوازنات التي تحمي الدولة من الانهيار، ومركز مواجهة لقوى الفوضى والتخريب وعامل ضبط لمشاريع التفكيك والشتات الناتجة عن تراكم الصراعات وطموحات الإسلامويات الانقلابية ودعاة التثوير”.
ولفت الباحث اليمني إلى أن حزب المؤتمر تمكن من تجاوز الكثير من صراعاته الداخلية ومخططات تفكيكه والسعي إلى إلغائه، وقدم الكثير من التنازلات للمعارضين عبر عمليات توافقية مركزيتها حماية الدولة وتنمية العمل السياسي وحفظ الهوية الوطنية.
ويشير إلى أنه على الرغم من الخسائر التي لحقت به بعد أحداث عام 2011، إلا أن حزب المؤتمر ظل متماسكا وقويا واتسعت دائرة تأييده الشعبي بعد فشل ما سمي بالربيع العربي.
وعن التحديات التي واجهت حزب المؤتمر، يرى نجيب غلاب أن “القوى الثورية وصلت إلى فكرة أن استمرار قوة المؤتمر يشكل القوة الشعبية والسياسية التي ستفشل طموحاتهم السياسية، لذلك ركزوا جميعا رغم تناقضاتهم على هدم هذا البنيان السياسي، الذي مثل أفضل خيارات تكتيل المصالح خارج كافة دعوات التطييف والتفكيك ودعوات العصبيات المذهبية والمناطقية، وظل أكثر العوامل صدا لتمكن الإسلام السياسي”.
ويقول إن حزب المؤتمر “تلقى ضربات قاصمة ومخططا لها، وما زالت هناك مخططات لإضعافه ومحاصرته وربما إلغاء وجوده قائمة وتشتغل على قدم وساق”.
وعن رؤيته إلى مستقبل الحزب في ظل التحولات السياسية التي يشهدها الملف اليمني، قال غلاب “الملاحظ أن اليمن عمليا انتهى بأيدي الأصوليات كقوة وسلطة وثروة ونفوذ، وهي المتحكم الأساس بمسارات التحول حتى اللحظة، وهذا الأمر يمثل صدمة لليمنيين وأيضا للخارج، ولا توجد قوة توازن فعلية بإمكانها تعديل هذا التحول الكارثي كالمؤتمر، إذا وضعت قياداته وقواعده ومؤيدوه أمام مسؤولية وطنية وحمل ثقيل للعمل ليكونوا في قلب الإنقاذ”.
وتابع أن “المؤتمر عاش تجربة مرة وكذلك الشعب، وهو أكثر الأحزاب قربا منه وأكثرهم انعكاسا لإرادته وأكثرهم واقعية في تحديد خيارات المستقبل التي تعكس حاجات اليمن ومتطلباته، وإذا اعتقد بأن التحولات ستدفع بالمؤتمر إلى المقدمة ومخاضات الصراع ستجعله رهان المراهنين على اليمن أولا وأخيرا”.

•ورثة محتملون
تعليقا على الجهود التي كشفت عنها “العرب” في وقت سابق لإعادة تجميع قيادات المؤتمر والخروج باستراتيجية لمواجهة تحديات المرحلة القادمة في اليمن، اعتبر الباحث السياسي اليمني والمدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي في تصريح لـ”العرب” أن “أي نسق سياسي سيؤدي إلى إعادة تنشيط المؤتمر هو مطلوب باعتباره أحد الأطراف السياسية التي أدت الحرب إلى إعاقتها وتقسيمها، وهو ما أفقد الحقل السياسي اليمني فعالية كبيرة باعتبار المؤتمر أحد أهم الفاعلين السياسيين في البلد، وكان يمتلك قدرة على الاستقطاب خارج الجماعات الدينية، ما جعله أداة مهمة للحشد السياسي لجمهور كبير”.
وعن فرص إعادة توحيد المؤتمر، أضاف المذحجي أن “المؤمل ليس كثيرا، فالانقسام في المؤتمر حاد وعلى أكثر من محور، انقسام بسبب المحاور الإقليمية وانقسام بسبب تداعيات ما قبل 2015، وبالتالي هناك أكثر من مستوى من الانقسامات والحساسيات الشخصية، وهذا يجعل دوره يضعف بشكل متزايد”.
وأشار الباحث اليمني إلى وجود “ورثة محتملين للمؤتمر إذا لم يقم الحزب باستعادة دوره مرة أخرى، والورثة بعضهم متخلف وخطر مثل الحوثيين وبعضهم من ضمن عائلة صالح مثل طارق ومكتبه السياسي. وقال إن هذه “التيارات مع الوقت وإذا لم يحدث جهد حقيقي لتوحيد المؤتمر ستتمايز وتتشكل في أطر وتحالفات وأشكال سياسية بملامح منفصلة كليا، وهذا ليس لصالح المؤتمر”.
على الرغم من خطورة حالة الانقسام والتشظي البطيئة التي عانى منها حزب المؤتمر الشعبي العام بين الفترة من 2011 وحتى 2015، إلا أن علي عبدالله صالح ظل الشخصية المحورية التي تلتف حولها قواعد المؤتمر والقسم الأكبر من قياداته التنظيمية إلى حين مقتله.


التعليقات