أحيانًا يكون الوضوح أهم من الحذر. لذا، فقد حان الوقت للاتحاد الأوروبي كي يسمّي الأشياء بمسمياتها.
فبعد أن أصاب صاروخ حوثي، هذا الخريف، سفينةً ترفع العلم الهولندي في خليج عدن، ما أسفر عن مقتل بحار تجاري، حثّت هولندا بروكسل على تصنيف الجماعة المدعومة من إيران – والمعروفة رسميًا باسم «أنصار الله» – منظمةً إرهابية. وقد تأخّر هذا الإجراء أكثر مما ينبغي.
الحوثيون مُصنَّفون بالفعل منظمةً إرهابية من قبل الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا. في المقابل، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ثلاثة أعمدة في شبكة طهران المسلحة العابرة للحدود – حماس، وحزب الله، وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني – بينما تُرك الحوثيون دون أي عقوبات واضحة. وقد أصبح هذا التباين الآن يفرض كلفة حقيقية على الأمن الأوروبي، والتجارة، والمصداقية.
وسجل الجماعة لا لبس فيه. فمنذ بداية حرب غزة، أسفرت الهجمات البحرية للحوثيين عن مقتل 18 بحارًا تجاريًا. ووصف البرلمان الأوروبي هذه الهجمات بأنها «غير قانونية وغير مقبولة، وتهدد الاستقرار بشكل عميق». وعلى الرغم من توقف الحوثيين عن الهجمات خلال وقف إطلاق النار في غزة، فإنهم ما زالوا يمتلكون القدرة والنوايا لاستئناف العمليات في البحر الأحمر وخليج عدن في الوقت الذي يختارونه.
وقد بدأت الأضرار الاقتصادية تتضح بالفعل. فحتى بعد التأكيدات الحوثية الأخيرة، قال الرئيس التنفيذي لشركة «هاباغ-لويد»، رولف هابن يانسن، إنه لا يتوقع عودة المسارات البحرية في البحر الأحمر «في وقت قريب». ويتفق معه ناقلو بضائع آخرون، وكذلك شركات التأمين، التي لا تزال تصنّف هذا الممر المائي على أنه عالي المخاطر. وقبل اندلاع الحملة، كان نحو 15% من التجارة البحرية العالمية من حيث الحجم – و12% من النفط المنقول بحرًا – تمر عبر البحر الأحمر.
ويعرّف القانون الأوروبي الإرهاب بأنه يشمل الجهود الرامية إلى «إجبار» الحكومات أو المنظمات الدولية على اتخاذ إجراءات أو الامتناع عنها بطرق غير مشروعة. وينطبق هذا الوصف تمامًا على استراتيجية الحوثيين؛ إذ هدفت حملتهم في البحر الأحمر إلى تدويل حرب غزة، عبر خنق شريان بحري حيوي للضغط على إسرائيل، وإجبار شركات الشحن على مقاطعة الموانئ الإسرائيلية، ودفع القوى الخارجية إلى التدخل دبلوماسيًا.
ولم تتجاهل بروكسل المشكلة. فقد أطلقت عملية «أسبيديس» لحماية الشحن التجاري. ومع ذلك، أقرّ قائد المهمة نفسه بأن الموارد المتاحة غير كافية، كما تجنبت العواصم الأوروبية، إلى حدّ كبير، اتخاذ أي إجراء عسكري مباشر، حتى في الوقت الذي دعمت فيه بعض الدول الضربات الأمريكية–البريطانية السابقة. ومع محدودية الخيارات العسكرية، يتعين على أوروبا التوجه إلى الأدوات التي تمتلكها بفعالية: العقوبات، والضغط المالي، واللجوء إلى القانون.
ويجادل المعارضون لتصنيف الحوثيين بأن ذلك قد يعقّد العمل الإنساني والدبلوماسي في اليمن. وقد كانت هذه المخاوف سببًا رئيسيًا وطويل الأمد لتردد أوروبا. غير أن هذا الرأي يقوم على فرضية خاطئة، مفادها أن العمليات الإنسانية الفعالة يمكن أن تستمر في ظل سيطرة الحوثيين على الأراضي التي استولوا عليها بالقوة، وقيامهم بعرقلة المساعدات بشكل ممنهج.
وقد اختبرت واشنطن هذه النظرية؛ إذ رفعت إدارة بايدن في البداية تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية لأسباب إنسانية. لكن مع توسع الجماعة في هجماتها البحرية وتشديد قمعها، تحركت الولايات المتحدة لإعادة فرض العقوبات المتعلقة بالإرهاب. وأظهرت التجربة أن ما يعرقل تقديم المساعدات ليس العقوبات، بل سلوك الحوثيين نفسه.
فقد قامت الجماعة بمضايقة واعتقال وطرد موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، ما أدى عمليًا إلى توقف العمليات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها. واليوم، يحتجز الحوثيون 59 موظفًا تابعًا للأمم المتحدة. وقد وُجهت اتهامات بالتجسس لأكثر من 40 منهم، فيما سعى المدعون العامون إلى الحكم بالإعدام على 21 شخصًا، بزعم أنهم ساعدوا في تنفيذ ضربة إسرائيلية في أغسطس الماضي. وتُبرز مثل هذه الادعاءات مدى خطورة بيئة العمل، بغضّ النظر عن أي نظام عقوبات قائم.
ولم تُحلّ المساعدات الضخمة أزمة اليمن. فقد دخل البلاد نحو 30 مليار دولار خلال العقد الماضي، ومع ذلك لا تزال وكالات الأمم المتحدة تصف اليمن بأنه من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وقد وثّق مراقبون مستقلون حالات واسعة من تحويل واستغلال وابتزاز المساعدات من قبل الحوثيين، وهي انتهاكات تُقلّص فعالية جهود الإغاثة بدرجة أكبر بكثير مما قد تفعله العقوبات المستهدفة.
وسيكون للتصنيف أيضًا فوائد استراتيجية. فمواءمة إجراءات الاتحاد الأوروبي مع شركائه عبر الأطلسي من شأنها تعزيز تنفيذ العقوبات، وردع جمع الأموال، وتعطيل الشبكات المالية غير المشروعة التي تدعم الجماعة المدعومة من إيران. كما ستمكّن بروكسل من استهداف المساندين للحوثيين الذين فُرضت عليهم بالفعل عقوبات من قبل حكومات حليفة.
وقد كان للتساهلات الأوروبية عواقب ملموسة. فقد تمكن الحوثيون من ممارسة أنشطة تجارية في القارة، بما في ذلك بث قناتهم الدعائية «المسيرة» عبر قمر صناعي فرنسي. وسيجبر التصنيف الإرهابي دول الاتحاد الأوروبي على قطع هذه الروابط المالية والتجارية.
ولم يعد الخيار أمام بروكسل بين المبدأ والواقعية. فمع انهيار الوصول الفعّال للمساعدات الإنسانية تحت حكم الحوثيين، ومع الفوائد الواضحة للعقوبات المنسقة وردع الانتهاكات، يصبح مبرر التصنيف قويًا. لدى أوروبا الأساس القانوني، والسوابق، والمصلحة الاستراتيجية لتحقيق ذلك.
وحان الوقت للاتحاد الأوروبي ليصنّف الحوثيين على حقيقتهم – منظمةً إرهابية.
لقراءة المادة من موقعها الاصلي: