في ظلّ الأوضاع المعقّدة في جنوب اليمن والشرق، والتي أوجدها تمدد المجلس الانتقالي الجنوبي وسيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، ثم رفض المجلس التجاوب مع الجهود السعودية لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها والانسحاب من المحافظتين، يسود غموض حول مستقبل الأوضاع في الجنوب اليمني، فيما تشير معلومات متقاطعة حصلت عليها "العربي الجديد" إلى أن "الانتقالي" قد يصعّد الأوضاع أكثر، بالتوجه نحو خطوة إعلان حكومة موازية لتولي تسيير الأمور في المناطق التي يسيطر عليها، في ظل مغادرة الحكومة الشرعية برئاسة سالم بن بريك عدن، متزامنة مع مغادرة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، احتجاجاً على تصعيد "الانتقالي" الأخير.
خطوة إعلان الحكومة، وفق المصادر، سيتخذها "الانتقالي" في حال لم تعد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً لإدارة الأوضاع في جنوب اليمن خلال فترة بين أسبوعين وشهر، وبالتالي فإن تهديداته بإدارة كل مناطق الجنوب منفرداً، تبدو في هذه المرحلة في سياق الضغوط على السلطة الشرعية.
علماً أن المتحدث الرسمي باسم "الانتقالي" أنور التميمي، لم ينف وجود توجّه في هذا السياق، قائلاً إن ذلك مرتبط بما إذا تطلب الأمر حصوله.
•حكومة مصغرة
وتقاطعت معلومات حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر متعددة، بعضها من "الانتقالي" وبعضها من السلطة الشرعية، حول أن "الانتقالي" يفكّر جدياً في تسريع تشكيل حكومة مصغرة مؤقتة، تقوم بإدارة الأوضاع في محافظات الجنوب، طالما أن حكومة سالم بن بريك لم تعد إلى عدن لممارسة مهامها. ويعتبر "الانتقالي" أن عدم عودة الحكومة إلى عدن، هو نوع من العقاب ضد المجلس، وأن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي والحكومة، يعلنان الحرب ضده، ويدفعانه إلى اتخاذ قرار بالإسراع في الخطوة التالية في طريق خطوات بناء دولة الجنوب العربي، والمتمثلة أولاً في تشكيل الحكومة لإدارة المؤسسات في الجنوب، وربما الاشتراك في تشكيلها مع طرف آخر مثل المقاومة الوطنية في المخاء، وتكون مهمتها إدارة "المناطق المحررة".
ولم تستبعد المصادر توجه "الانتقالي" لتشكيل حكومة لإدارة جنوب اليمن منفرداً، بعدما هيّأ نفسه لذلك وأصبح فعلياً هو من يدير مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن وجميع المحافظات الجنوبية الثماني، الواقعة تحت سيطرة قوته العسكرية والأمنية بما فيها المحافظات الشرقية الغنية بالثروة النفطية والمعدنية.
وبحسب المصادر، فإن الرباعية الدولية (تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات)، وفي مقدمتها السعودية، تضغط على "الانتقالي" لعدم التصعيد أو اتخاذ أي خطوات متقدمة، بما فيها أي توجه أو تسرع في اتخاذ مثل هذه الخطوة، لكن "الانتقالي" وفق مقربين منه أعطى مهلة بين أسبوعين وشهر، لعودة الحكومة إلى عدن، للقيام بدورها ومهامها، وإلا فإنه سيسرّع من خطواته الرامية إلى إدارة كل مناطق جنوب اليمن منفرداً، وتطبيع الأوضاع في مختلف المجالات.
وذكرت مصادر في السلطة اليمنية المعترف بها دولياً لـ"العربي الجديد"، أنه حتى اللحظة لا توجد معطيات حول عودة سريعة لحكومة بن بريك إلى الجنوب، خصوصاً أن رشاد العليمي لا يزال ينتظر ردة فعل الرباعية والدول الراعية للملف اليمني على خطوات "الانتقالي" في السيطرة على حضرموت الغنية بالثروة النفطية والمعدنية، إلى جانب السيطرة على المهرة في أقصى الشرق على الحدود مع سلطنة عمان.
في المقابل، قال المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، أنور التميمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تركيز المجلس ينصب حالياً "على البعد الأمني ومواجهة الجماعات الارهابية، وعصابات التهريب الدولي". وعما إذا كان ذلك يعني ألا صحة للمعلومات حول توجه المجلس لإعلان حكومة، ردّ التميمي بأنه "إذا تطلب أمر تأمين الجنوب وحمايته من مخاطر الإرهاب إجراء إدارياً أو سياسياً ما، فلن نتردد في ذلك". وتابع: "تشكيل الحكومة مرتبط بالتقديرات الأمنية، بمعنى أنه إذا تطلبت إدارة المعركة الأمنية والعسكرية تشكيل حكومة، فلن نتردد في ذلك".
وبرز هجوم رئيس "المجلس الانتقالي"، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي على السلطة الشرعية، إذ قال خلال لقائه اليوم الأربعاء في عدن محافظ ذمار اللواء محمد علي القوسي، إن قيادة الشرعية "تنصّلت مراراً من المهام الوطنية المنوطة بها لتحرير المناطق التي ترزح تحت وطأة الظلم والاضطهاد الحوثي في الشمال"، مشيراً إلى أن "ثمة جهوداً مخلصة بُذلت من قبل القوى الوطنية المنضوية في إطار مجلس القيادة للتحضير لمعركة الخلاص، إلا أن تلك الجهود اصطدمت بقيادة عديمة المسؤولية تنصّلت من واجبها الوطني في تخليص مواطنيها من ظلم المليشيات، وتركت مهمة تحرير الأرض، واتجهت إلى اختلاق الأزمات وزرع الخلافات في الجنوب المحرر". ودعا "القوى الوطنية المخلصة في الشمال إلى توحيد صفوفها والاستعداد لخوض المعركة الفاصلة لتحرير الشمال من قبضة المليشيات"، مؤكدا "جاهزية القوات المسلحة الجنوبية للإسهام بفاعلية في المعركة المنتظرة".
•مشهد أكثر تعقيداً في اليمن
وعن ذلك، رأى الباحث الأكاديمي اليمني معين العود، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن خيار تشكيل حكومة مصغرة سيكون خطوة متقدمة لـ"المجلس الانتقالي" إذا ما وجد نفسه أمام حالة من الاستنزاف والحصار الاقتصادي والفوضى، تفرضها الحرب غير المعلنة عليه من قبل السعودية والسلطة الشرعية اليمنية، من خلال شلّ مؤسسات الدولة والخدمات، ما قد يدفع "الانتقالي" إلى البحث عن شرعية خاصة فيه فرضتها سياسة الأمر الواقع بعد سيطرته على باقي مناطق الجنوب. واعتبر العود أن هذه الخطوة من المحتمل أن تغلق كل المنافذ الدبلوماسية الخارجية وحتى المحلية أمام "المجلس الانتقالي"، وقد تعقّد المشهد السياسي والاجتماعي والعسكري وحتى الاقتصادي، وهي خطوة لا يمكن العودة فيها إلى الوراء، خصوصاً إذا فشلت الإمارات والسعودية في الوصول إلى تفاهمات تنهي هذا التصعيد، بما يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.
يأتي هذا فيما يواصل "الانتقالي" تعزيز نفوذه وسيطرته على الأرض من خلال وضع يده على جميع المؤسسات والدوائر والمرافق والمكاتب الحكومية في الجنوب، بما فيها الوزارات. وأصدر "الانتقالي" توجيهات بنصب صور رئيس المجلس، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي، في كل المكاتب والمرافق الحكومية، وإزالة أي صور لرشاد العليمي أو علم دولة اليمن، وهي خطوة تصعيدية جديدة، نحو تمكين "الانتقالي" من مشروعه والمتمثل في بناء مؤسسات "دولة الجنوب العربي" التي تحدث عنها الزبيدي بعد سيطرة المجلس على محافظات حضرموت والمهرة شرق البلاد.