أفادت مصادر تجارية واقتصادية في صنعاء وعدد من مناطق سيطرة جماعة الحوثيين بأن الجماعة تعمل منذ سنوات على إدخال تغييرات واسعة في البيئة الاقتصادية، تشمل إعادة تنظيم قطاع الأعمال وتعزيز حضور فاعلين تجاريين جدد مرتبطين بها سياسياً وإدارياً، على حساب شبكة التجار التقليديين التي سادت لعقود.
وبحسب هذه المصادر، فإن الإجراءات لم تعد تقتصر على الجبايات أو القيود الأمنية، بل تحوّلت إلى سياسة اقتصادية منظمة تستهدف التأثير في حركة التجارة والاستيراد، وتعديل مسارات النشاط التجاري بما يضمن للجماعة مصادر دخل مستقرة.
وتشير المعطيات التي جمعتها «الشرق الأوسط» إلى أن جماعة الحوثيين حاولت في مراحل سابقة استقطاب كبار رجال الأعمال التقليديين، إلا أن محدودية استجابة هؤلاء دفعت إلى دعم نشوء مجموعات تجارية جديدة ومنحها امتيازات في الاستيراد والتصنيع المحلي، بالتوازي مع تشديد الإجراءات الضريبية والجمركية على المستوردين التقليديين.
ثلاثة من رجال الأعمال – فضّلوا عدم الكشف عن هوياتهم لدواعٍ أمنية – أفادوا بأن الجماعة شجّعت خلال السنوات الماضية على إنشاء ورش ومعامل صغيرة يديرها أفراد مقربون منها، لإنتاج سلع استهلاكية مثل شواحن الهواتف وبعض الأدوات الكهربائية ومستلزمات السباكة والمطابخ إضافة إلى الملابس. ومع تشغيل هذه الورش، تم اتخاذ قرارات للحد من استيراد العديد من الأصناف بحجة “دعم المنتج المحلي”، رغم أن إنتاج هذه المنشآت لا يغطي إلا جزءاً محدوداً من احتياجات السوق.
وأوضح أحد التجار أن رفع الرسوم الجمركية والضريبية على السلع المستوردة، ومنع استيراد أصناف معينة، أديا إلى فجوة واضحة في المعروض، مشيراً إلى أن السوق اليمنية تعتمد على الواردات لتغطية أكثر من 90% من احتياجاتها الأساسية.
•إطار سياسي واقتصادي
مصادر اقتصادية مستقلة ترى أن الحديث عن “صناعة محلية” لا يزال محدود الجدوى، نظراً لغياب المواد الخام ونقص القدرات الإنتاجية؛ إذ يعتمد الإنتاج المحلي الحالي على إعادة تدوير الخردة أو على مواد مستوردة بالكامل، بما في ذلك المدخلات اللازمة لصناعة الملابس والأنابيب الحديدية وغيرها.
وتذكر المصادر أن أحد القادة التابعين لجماعة الحوثيين كلّف بالإشراف على نشاط جمع الخردة وإعادة صهرها لإنتاج الحديد، وهو قطاع كان يعمل سابقاً بصورة أوسع قبل الحرب. إلا أن ندرة الخردة محلياً ورغبة التجار في تصديرها للاستفادة من فارق الأسعار أدّيا إلى تعثر هذا النشاط.
وأصدرت وزارات المالية والصناعة والاقتصاد في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً قرارات تمنع استيراد السلع التي تقول إن “الإنتاج المحلي يغطي احتياجات السوق منها بشكل كامل”. لكن تجاراً ومستهلكين يؤكدون أن هذه التغطية غير متوفرة فعلياً.
•سلع مشمولة بالمنع أو القيود
ووفقاً للمصادر التجارية، شملت قرارات المنع أو التقييد منتجات عدة مثل: الألبان السائلة، الحليب المنكّه، الشعير، الدخن، المياه المعدنية، المناديل الورقية، الإسفنج الجاهز، الأعمدة الحديدية المجلفنة، مواسير الحديد المجوّف، منتجات الهناجر، إضافة إلى الخناجر التقليدية (الجنابي) والأحزمة الخاصة بصناعتها.
كما فرضت الجهات التابعة للحوثيين قيوداً إضافية بعد رفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 100%، وتعديل التعرفة على السلع التي تقول إن لها “إنتاجاً محلياً جزئياً”. وتشمل القائمة مواد أساسية مثل: معجون الطماطم، العصائر المعلّبة، السكر المكرر، البقوليات المعلبة، الحلاوة الطحينية، العبوات البلاستيكية، أكياس التغليف، السيراميك، والحقائب النسائية.
ويؤكد تجار أن هذه الإجراءات أدت إلى نقص واسع في السلع وارتفاعات كبيرة في الأسعار، بينما تواصل الجهات التابعة لجماعة الحوثيين الترويج لأسواق محلية جديدة وورش إنتاج صغيرة باعتبارها قادرة على تلبية الطلب، رغم محدودية إنتاجها.
•ترتيبات اقتصادية طويلة الأمد
ويرى خبراء اقتصاديون أن هذه السياسات تهدف إلى تعزيز نفوذ اقتصادي طويل المدى لجماعة الحوثيين من خلال التحكم بحركة السلع وتوفير فرص سوقية للتجار الجدد المرتبطين بها. كما أنها – بحسب تقديرات هؤلاء – تتيح للجماعة بنية مالية مستقرة تساعد في تعزيز نفوذها السياسي في أي ترتيبات مستقبلية.