تقرير: الحوثيون يدخلون مرحلة غير مسبوقة من العزلة والارتباك بفعل تراجع الدعم الإيراني
يمن فيوتشر - غوكهان إرلي – Daily Sabah- ترجمة خاصة: الاربعاء, 26 نوفمبر, 2025 - 07:46 مساءً
تقرير: الحوثيون يدخلون مرحلة غير مسبوقة من العزلة والارتباك بفعل تراجع الدعم الإيراني

يتجه الشرق الأوسط نحو عاصفة جديدة، أكثر غموضًا مما شهده في الذاكرة الحديثة. فما بدأ باشتباكات محدودة بين إسرائيل وإيران تحوّل اليوم إلى عامل يُعيد تشكيل ميزان القوى الإقليمي. وفي هذا المناخ المتوتر، يجد الحوثيون في اليمن أنفسهم منجرفين نحو مرحلة خطرة. فالضربة الإسرائيلية التي أطاحت بمعظم أعضاء حكومتهم لم تقتل القادة فحسب، بل هشّمت أيضًا هالتهم التي بدت لسنوات غير قابلة للمساس، وكشفت إلى أي حد كانوا يعتمدون على قوة إيرانية تزداد ضعفًا.
وعلى مدى سنوات، قدّم الحوثيون أنفسهم باعتبارهم طليعة “المقاومة” وحماة العقيدة والسيادة في مواجهة التهديدات الخارجية. لكن تلك الصورة انهارت منذ الضربة. فقد تحوّل تحدّيهم للخارج إلى صراع داخلي، وحلّت الريبة والرغبة في الانتقام محل الثقة. وبات قادتهم، المهووسون بالسيطرة، يطهرون صفوفهم، ويطاردون “الخونة” المتخيَّلين، ويقمعون أي صوت معارض. وهكذا، ما كان يُقدَّم على أنه حركة تحرر أصبح نظامًا منغلقًا على ذاته، يتغذّى على الخوف.


•من المقاومة إلى التآكل
في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أصبح الخوف هو مصدر السلطة الحقيقي. ففي الأسابيع الأخيرة، جرى استبدال القضاة المستقلين بآخرين موالين، ما حوّل القضاء إلى أداة للهيمنة السياسية. كما حذّرت منظمة سام للحقوق والحريات من أن الجماعة تخطّط لمحاكمات جديدة لإسكات ما تبقى من أصوات معارضة. وبينما يهاجم الحوثيون إسرائيل والولايات المتحدة بوصفهما “أعداء”، فإنهم يصفون منتقديهم المحليين بأنهم “جواسيس للخارج”، ليحوّلوا الاختلاف إلى جريمة.
وتُظهر الاعتقالات في ذمار مدى ما وصلت إليه حالة الهوس الأمني. إذ يُنتزع أعضاء سابقون في حزب الإصلاح وشخصيات اجتماعية وصحفيون من منازلهم على يد مسلحين، ثم يُختفون في أماكن احتجاز سرية. والرسالة الصادرة من صنعاء واضحة: الطاعة شرط للبقاء. فالحركة التي كانت تحظى بإعجاب لجرأتها في مواجهة القوى الخارجية، باتت تحكم اليوم بالأساليب نفسها التي طالما أدانتها.
وهذه الموجة من القمع تكشف ما هو أبعد من الخوف؛ إنها تفضح انهيارًا أعمق: حركة تائهة، وقيادة بلا شرعية، وأيديولوجيا فقدت معناها. لم يعد بإمكان الحوثيين القيادة بالإقناع أو الحكم بالكفاءة، وأصبح تماسكهم يعتمد على الترهيب وحملات لا تنتهي ضد “أعداء” متخيَّلين.
وسرَّعت الضربة الإسرائيلية التي قضت على معظم أعضاء حكومة الحوثيين من وتيرة الانهيار الداخلي للجماعة. وقد كشف التأخر في تأكيد مقتل قائدهم الأعلى عن حالة فوضى في قمة هرم القيادة. وأصبح القادة المحليون يتصرفون كأمراء حرب، يديرون شبكات التهريب ويفرضون الضرائب على مناطق نفوذهم. فالحركة التي بدت يومًا منضبطة ومنظمة، باتت اليوم تُدار وفق منطق المصلحة الذاتية والبقاء.
وتفاقم الأوضاع في إيران ساعد في هذا التدهور. فالاتفاق النووي أصبح في حكم المنتهي، والعقوبات عادت، فيما تستعد إسرائيل لشن ضربات جديدة في ظل تعهّد طهران بالانتقام. والاقتصاد الإيراني يترنّح، والاحتجاجات تتصاعد، ونفوذ طهران في سوريا يتراجع. وبالنسبة للحوثيين، يعني ذلك أموالًا أقل، أسلحة أقل، وتوجيهًا محدودًا. فالداعم ما يزال موجودًا، لكن مظلته باتت أضعف بكثير.

 

•استعداد الدول العربية
تدرك السعودية والإمارات العربية المتحدة طبيعة التحولات الجارية. فلم يكن دور سلاح الجو السعودي في مناورات ATLC-35 بقاعدة الظفرة مجرد استعراض للقوة، بل كان بمثابة تمرين على جولة صراع جديدة محتملة. فقد ركّزت التدريبات على مواجهة التهديدات الجوية والصاروخية المشابهة لتكتيكات الحوثيين باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية. ومن الواضح أن الرياض وأبوظبي تستعدان لاحتمال اشتعال الأوضاع في اليمن مجددًا إذا اتسع نطاق المواجهة بين إسرائيل وإيران.
وفي اليمن، يحاول مجلس القيادة الرئاسي تحويل هذا الاستعداد العسكري إلى نفوذ سياسي. فخلال لقائه بالسفير البريطاني، شدد الرئيس (رشاد العليمي) على أن السلام الحقيقي يتطلب أن تكون الدولة صاحبة السيطرة الكاملة على السلاح وقرارات الحرب. وقد عكس تحذيره من تقديم أي تنازلات جديدة للحوثيين حالة الإحباط المتصاعدة. ويبدو أن حكومة عدن باتت مقتنعة بأن الهدنة الهشة وصلت إلى حدودها القصوى.
وتسير الإمارات في الاتجاه ذاته. فقد أكد (أنور قرقاش) للمبعوث الأممي (هانس غروندبرغ) استمرار دعم أبوظبي للمسار الدبلوماسي، لكن تحركاتها تشير إلى نهج مزدوج. فالقوات المدعومة إماراتيًا —المجلس الانتقالي الجنوبي، ووحدات طارق صالح، وأبو زرعة المحرمي— تعيد تنظيم صفوفها بهدوء. وهكذا يعود الحوار السياسي والتخطيط العسكري للسير جنبًا إلى جنب من جديد.
وتسعى الحكومات العربية إلى تفادي حرب إقليمية جديدة، لكنها لا تثق بإيران. وتنسق كل من السعودية والإمارات ومصر والأردن مع واشنطن، في الوقت الذي تحافظ فيه على اتصالات محدودة مع طهران لتجنب التصعيد. ويتحدثون عن إحياء المحادثات النووية، رغم أن القليلين يعتقدون أنها ستنجح. والهدف الأساسي لهم هو الاستقرار، الذي سيكون سببًا في حماية التجارة والحفاظ على اقتصاداتهم وتجنب الفوضى داخليًا.
وتقع اليمن في هذه المعادلة بحذر شديد. فقد كانت يومًا شريكًا حيويًا لإيران في الجنوب، إلا أن الحوثيين أصبحوا مصدرًا للمشاكل أكثر من كونهم عونًا. فاعتقالاتهم التعسفية، وإعدامهم وتهديداتهم، تهدد بسحب طهران إلى مواجهة أوسع. وحتى داخل إيران، بات بعضهم ينظر إليهم أقل كشركاء وأكثر كمصدر عبء ومخاطرة.

 

•عدم اليقين وعاصفة تلوح في الأفق
توقفت المحادثات، ولم تعد عُمان قادرة على إحياء الحوار بين الحوثيين والسعوديين والدبلوماسيين الغربيين. وكل طرف ينتظر الآخر، في حين تتصاعد التهديدات. إذ يحذر الحوثيون من شن هجمات جديدة على مواقع النفط السعودية، بينما ترد الرياض بالحديث القانوني عن حقها في الدفاع عن نفسها. والصبر بدأ ينفد.
وعبر الخليج، يشعر القادة بأن ملف اليمن لا يمكن أن يبقى مجمّدًا. فإذا انشغلت إيران بالصراع مع إسرائيل، سيفقد الحوثيون درعهم الحامي. وتستعد القوى الإقليمية بالفعل، عبر ربط أنظمة الدفاع وإعادة تدريب القوات اليمنية لما قد تكون عليه المرحلة المقبلة.
وقد بنى الحوثيون صورتهم على المقاومة، مدّعين قيادة نضال ضد الإمبريالية والسيطرة الأجنبية. لكن تلك الصورة انهارت الآن. فالسلطة التي يمارسونها تقوم على الخوف، ويعتمدون على حلفاء ضعفاء، ويخفون إخفاقاتهم خلف لغة الثورة والشعارات.
وما تبقى في اليمن ليس تحريرًا، بل الانحلال البطيء لحركة فقدت معناها. فقد كشف الهجوم الإسرائيلي عن ضعفها، وأزال تراجع إيران درعها الحامي، فيما أغلقت التحالفات المتغيرة الخناق حولها.
وإذا استؤنف القتال، فسيكون ذلك بمثابة حساب أوسع على المستوى الإقليمي. وبعد سنوات من الحروب بالوكالة، قد تحاول القوى الإقليمية أخيرًا استعادة السيطرة. وسيعتمد مستقبل اليمن على ما إذا كان قادته قادرين على تحويل سقوط الحوثيين إلى نظام جديد وشامل قبل أن تبتلعهم العاصفة المقبلة جميعًا.


التعليقات