القدس: حماس وإسرائيل تقتربان من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، غير أن ما يُخفى وراء الكواليس قد يُفشل الاتفاق
يمن فيوتشر - The Conversation- ترجمة خاصة: الأحد, 05 أكتوبر, 2025 - 03:16 مساءً
القدس: حماس وإسرائيل تقتربان من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، غير أن ما يُخفى وراء الكواليس قد يُفشل الاتفاق

أعلنت حركة حماس أنها قبلت عدّة بنود من خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) ورئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، والهادفة إلى وضع حد نهائي للحرب الإسرائيلية على غزة.
ووفقًا لما جاء في الخطة، وافقت حماس على إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين المتبقّين لديها، وأبدت استعدادها لتسليم إدارة قطاع غزة إلى لجنة تكنوقراطية مقترحة ضمن الخطة.

ومع ذلك، لم تُعلن الحركة عن نيتها نزع سلاحها، كما لم توافق على الانسحاب الكامل من المشهد السياسي الفلسطيني. وبدلاً من ذلك، شدّدت على أن مستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة يجب أن تُحدَّد بناءً على موقف وطني جماعي، ووفقًا للقوانين والقرارات الدولية ذات الصلة.
ومع استئناف محادثات وقف إطلاق النار في مصر يوم الاثنين، قال نتنياهو إنه يتوقّع الإفراج عن الرهائن قريبًا، بينما صرّح ترامب بأنه يعتقد أن حماس “جاهزة لسلامٍ دائم”.
لكن رغم هذه التصريحات، ثمّة أسباب عديدة تدفع حماس إلى التحفّظ في دعم خطةٍ تتّسم بالغموض وتحرم الفلسطينيين من حقّهم في تقرير مصيرهم السياسي.

 

•خطة حكمٍ مستقبلي تُهمِّش الفلسطينيين
لماذا تبدو حركة حماس متحفظة؟
أولاً، تنصّ الخطة على استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة إلى أن يتمكّن من نقل المسؤولية إلى “قوة استقرار دولية” في مرحلة لاحقة غير محددة زمنياً.
ثم تأتي هيكلية الحكم المقترحة في إطار هذه الخطة، إذ سيُدار قطاع غزة خلال فترة انتقالية من قِبل “لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية”، تتولّى تقديم الخدمات الأساسية لملايين السكان الذين يعانون الجوع والصدمة والتشرّد والبطالة.
إلا أن اللجنة ستضمّ أيضًا خبراء دوليين، ما من شأنه تقليص الصوت الفلسطيني والتأثير على قدرة الفلسطينيين في تقرير مصير سكان غزة.
وما زالت تفاصيل كثيرة غامضة، من بينها من سيشارك في اللجنة، ومتى ستُشكَّل، وكم سيكون عدد أعضائها الفلسطينيين.
كما تنصّ الخطة على تشكيل هيئة انتقالية دولية جديدة تُسمّى “مجلس السلام”، يرأسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويُفترض أن تضمّ رئيس الوزراء البريطاني الأسبق (توني بلير) ضمن أعضائها. ومن اللافت أنّ الخطة لا تذكر صراحةً إشراك أيّ فلسطينيين في هذا المجلس.
وسيُناط بالمجلس مهمة الإشراف والرقابة على عمل اللجنة الفلسطينية، إضافةً إلى الإشراف على عملية إعادة إعمار قطاع غزة، وذلك إلى حين خضوع السلطة الفلسطينية –التي يهيمن عليها حالياً حزب فتح– لإصلاحات داخلية تؤهلها لاستعادة السيطرة على القطاع.
وما زالت هناك أسئلة كثيرة بلا إجابات واضحة، من بينها:
• الجدول الزمني لإجراء انتخابات جديدة للسلطة الفلسطينية.
• ما إذا كان سكان غزة سيُسمح لهم بالمشاركة في تلك الانتخابات.
• أيّ الفصائل السياسية سيُسمح لها بترشيح قوائم انتخابية.
• ما إذا كانت هذه الترشيحات ستخضع لمراجعة من مجلس السلام.
•من الذي سيُقرّر ما إذا كانت السلطة الفلسطينية قد أتمّت إصلاحاتها بالقدر الكافي.
كل ذلك يُبقي العملية السياسية مفتوحة على احتمالاتٍ متعددة وتفسيراتٍ متباينة، وهو ما قد تخشى حماس أنه ينزع القرار السياسي من أيدي الفلسطينيين.
وبعد صدور بيان الحركة، رفض مسؤول كبير في حماس بشكلٍ قاطع فكرة “مجلس السلام”، قائلاً:
“لن نقبل أبدًا أن يتحكّم في الفلسطينيين أيّ طرفٍ غير فلسطيني.”
كما تنصّ الخطة على أن حماس “وفصائل أخرى” (لم تُحدَّد بالاسم، ما يفتح الباب للتأويل) لن يكون لها أيّ دور في إدارة قطاع غزة مستقبلاً، وتُلزم بأن يكون القطاع منزوع السلاح بالكامل، إلا أنّ آلية تنفيذ ذلك والجهة التي ستتولّاه ما تزالان مجهولتين.


•ما الذي يريده الفلسطينيون
إنّ هذه الشروط لا تجرّد الفلسطينيين من قدرتهم على اتخاذ القرار فحسب، بل تتجاهل أيضًا واقع السياسة الفلسطينية، والشرعية التي يمنحها الفلسطينيون لحقّهم في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ولرفضهم هدف حكومة نتنياهو المُعلن بحرمانهم من إقامة دولتهم المستقلة.
وهذا ما يُبرز التحدّي الأكبر أمام “مجلس السلام”، إذ إنّ السلطة الفلسطينية المُعاد إصلاحها والخاضعة لسيطرة حركة فتح ستواجه صعوبة في اكتساب الشرعية الشعبية بين الفلسطينيين.
ففي استطلاعٍ للرأي شمل 1,270 مشاركًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال شهر مايو الماضي، حصلت حركة فتح على 21% فقط من التأييد الشعبي، مقارنةً بـ32% لحركة حماس، و12% للأحزاب الأخرى.
وعندما سُئل المشاركون عمّا يجب أن تفعله السلطة الفلسطينية، اختار معظمهم تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ جميع الفصائل الفلسطينية، لتتولّى التفاوض مع إسرائيل والمجتمع الدولي بشأن إعادة إعمار قطاع غزة.
وعندما طُرح على المشاركين سؤالٌ حول خطط نزع سلاح حركة حماس، عبّر 77% من المستطلَعين في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة عن رفضهم لهذه الخطوة، فيما أبدى 65% معارضتهم لفكرة طرد قادة حماس من غزة.
وفي دلالةٍ لافتة، رأى 80% من إجمالي المشاركين أن إسرائيل لن تنهي الحرب أو تنسحب من غزة حتى لو قامت حماس بنزع سلاحها.
والواقع أن جزءًا من الفلسطينيين لا يزال يرغب في أن تكون حماس جزءًا من أي حكومة فلسطينية مستقبلية، وأن تظل قادرة على حماية سكان غزة من الاعتداءات الإسرائيلية.
والفجوة بين طموحات الخطة والواقع السياسي القائم على الأرض تُشير إلى أن فرص نجاحها تبدو محدودة للغاية، حتى لو وافقت حماس عليها في نهاية المطاف.
كما لا يزال من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو يدعم فعلياً تولّي السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة مستقبلاً، كما تنصّ عليه الخطة. فتصريحاته الأخيرة إلى جانب ترامب الأسبوع الماضي تتعارض مع ما جاء في الخطة، إذ قال:
“خُطّتكم تتوافق مع المبادئ الخمسة التي وضعتها حكومتي لإنهاء الحرب وما بعدها، وسيكون لقطاع غزة إدارة مدنية سلمية لا تخضع لا لحركة حماس ولا للسلطة الفلسطينية.”
وهذا يُشير إلى أن الهدف الأساسي لنتنياهو هو تفكيك القدرات العسكرية لحماس وإنهاء حكمها السياسي، مع الإبقاء على الانقسام القائم حالياً بين غزة من جهة، والضفة الغربية والقدس الشرقية من جهة أخرى.
غير أن هذه المقاربة تحرم الفلسطينيين من الفصيل الوحيد الذي يرى فيه كثيرون القدرة على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ومواجهة مساعي تل أبيب الرامية إلى القضاء على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
إضافةً إلى ذلك، فإن إنشاء جهازٍ إداري وعسكري جديد لتسهيل المرحلة الانتقالية في غزة سيستغرق فترةً غير محدّدة، وسيظل رهناً بالأهواء السياسية للزعماء الغربيين المتقلّبين.
وهذا من شأنه أن يُبقي الجيش الإسرائيلي في موقع المحتلّ لقطاع غزة إلى أجلٍ غير معلوم، ما يعني غياب أيّ حماية لملايين السكان هناك من هجماتٍ جديدة قد تُشنّ من قبل جيشٍ تُوجَّه إليه أصلاً اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.


التعليقات