[ AP اسامة عبدالرحمن ]
منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شهدت المنطقة فترات من الهدوء وأخرى من التصعيد بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، والحوثيين —الذين يسيطرون على معظم مناطق اليمن بما فيها العاصمة صنعاء— من جهة أخرى. ويواصل قادة الحوثيين، الذين يواجهون ضغطًا عسكريًا محدودًا داخل اليمن منذ وقف إطلاق النار مع القوات الحكومية مطلع عام 2022، رفضهم القاطع لـ”فصل” هجماتهم على إسرائيل عن الحرب الدائرة في غزة. وخلال فترات وقف إطلاق النار القصيرة بين إسرائيل وحماس، أوقف الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر وعلى إسرائيل.
غير أن حملة الحوثيين بالصواريخ والطائرات المُسيّرة والزوارق المفخخة ضد الملاحة في الممر المائي تسببت حتى الآن في إلحاق أضرار أو إغراق سفن عديدة، بما يتجاوز تلك المرتبطة بإسرائيل، التي يعلن الحوثيون أنها هدفهم الوحيد. فمن نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2024، نفذ الحوثيون أكثر من 100 هجوم على سفن، ما أدى إلى إغراق أربعٍ منها ومقتل ما لا يقل عن ثمانية بحّارة. وقد اضطرت أكثر من نصف حركة الشحن التجاري الدولي إلى تغيير مسارها لتجنّب المرور عبر البحر الأحمر.
أما الجولة الأخيرة من التصعيد فقد بدأت يوم الثلاثاء 16 سبتمبر/أيلول، حين استهدفت إسرائيل مواقع يُزعم ارتباطها بالحوثيين في ميناء الحديدة، وهو ميناء استراتيجي على الساحل الغربي لليمن. وأفادت قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين بأن إسرائيل نفذت 12 غارة، ردًّا على ما وصفته باستخدام الحوثيين للميناء لتلقي شحنات أسلحة من إيران. وفي أعقاب هذه الضربات، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأن الحوثيين “سيواصلون تلقي الضربات” إذا هاجموا إسرائيل. وبعد الغارات مباشرة، أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن محاولات استهداف داخل تل أبيب ومدينة إيلات، مؤكدين أن إسرائيل اعترضت بالفعل صاروخًا حوثيًا في وقتٍ سابق من اليوم نفسه.
وفي يوليو/تموز، استأنف الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر بعد وقفٍ لإطلاق النار جرى التوصل إليه في مايو/أيار مع الولايات المتحدة، ألزم الحوثيين بوقف استهداف السفن غير المرتبطة بإسرائيل أو التي لا تتعامل تجاريًا معها. وقد فسّر فريق ترامب الاتفاق بأنه يشمل جميع السفن الغربية غير المرتبطة بإسرائيل، بينما فسّره الحوثيون بشكل أضيق ليقتصر على السفن الأميركية فقط. ومع انهيار المفاوضات بشأن هدنة جديدة في غزة، ومع تدهور الأوضاع الإنسانية نتيجة القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات، استأنف الحوثيون ضرباتهم البحرية.
وفي أغسطس/آب، تجاوزت كل من إسرائيل والحوثيين الخطوط الحمراء للطرف الآخر، مما مهد الطريق لتوسيع دائرة الصراع بينهما. فبينما كانت إسرائيل تستعد لشن هجوم يهدف إلى السيطرة الكاملة على مدينة غزة من حركة حماس، صعّد الحوثيون هجماتهم باستخدام صواريخ مزودة بذخائر عنقودية. هذه الصواريخ تنفتح في الجو لتطلق شحنات متفجرة أصغر يُفترض أنها أصعب على أنظمة الدفاع الإسرائيلية اعتراضها. ومع ذلك، تمكنت إسرائيل من اعتراض معظم هذه الهجمات قبل أن تصل إلى أهدافها، ولم تُحدث أضرارًا كبيرة تتجاوز ما تسببه الرؤوس التقليدية للحوثيين.
وكما كان متوقعًا من الخبراء، ردّت إسرائيل بقوة على استخدام الحوثيين الذخائر العنقودية، في محاولة لردعهم عن المضي في هذا المسار. فإلى جانب سلسلة الغارات الإسرائيلية على الحديدة يوم 16 سبتمبر/أيلول، صادق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 31 أغسطس/آب، على ضربة جوية كبرى استهدفت قادة حوثيين كانوا مجتمعين في صنعاء لمتابعة خطاب زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي. وأسفرت الضربة عن مقتل 12 من أصل 16 وزيرًا في حكومة الحوثيين الموازية، بينهم “رئيس الوزراء” أحمد غالب الرهوي.
ورغم الطابع الدراماتيكي للعملية، رأى خبراء أنها لم تمثل ضربة حاسمة للحركة الحوثية. فقد تم الإعلان عن بدلاء للرهوي وآخرين قُتلوا خلال أيام. واعتبر أندرياس كريغ، المحاضر في “كينغز كوليدج لندن”، أن العملية لم تشكل “نقطة تحول حاسمة في الحرب”، مشيرًا إلى أنها لم تؤثر على القدرات العسكرية للحوثيين، بما في ذلك وحدات الصواريخ والطائرات المُسيّرة أو شبكات التهريب وروابطهم مع طهران.
وقالت المحللة اليمنية فاطمة أبو الأسرار إن “إسرائيل أزالت جزءًا كبيرًا من طبقة الحكم الظاهرة، لكنها لم تمس العمود الفقري للقيادة.” أما إليزابيث كندال، الخبيرة في الشأن اليمني بجامعة كامبريدج، فرأت أن الرهوي كان “في الغالب شخصية رمزية”، مؤكدة أن “مراكز القوة الحقيقية” تكمن بيد عبد الملك الحوثي ومجلس الجهاد التابع للجماعة.
في المقابل، أشار خبراء آخرون إلى أن الضربة تعكس تقدمًا إسرائيليًا في تطوير قدراته الاستخباراتية لاستهداف شخصيات حوثية بارزة. وأوضح توماس جونو، أستاذ بجامعة أوتاوا، أن إسرائيل لم تصل بعد إلى “مستوى الدقة الذي أظهرته في إيران ولبنان”، لكن مقتل الرهوي قد يشير إلى “تنامي الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي داخل اليمن.” وذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” أن القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) تعمل جنبًا إلى جنب مع الإسرائيليين لتطوير معلومات عن قادة حوثيين بارزين، وهو ما قد يعكس دورًا أميركيًا أكبر في قرارات إسرائيل العسكرية مما كان يُعتقد سابقًا.
كما كان متوقعًا، أدت الضربة الإسرائيلية إلى إطلاق دورة جديدة من الهجمات الانتقامية. فقد تعهّد عبد الملك الحوثي على الفور بتصعيد الهجمات ضد إسرائيل، وبعد ساعات فقط من العملية احتجزت الجماعة ما لا يقل عن 11 موظفًا من الأمم المتحدة، بحسب ما أفادت به المنظمة الدولية. وقال مصدر أمني يمني إن العشرات اعتُقلوا بتهمة “التعاون مع إسرائيل”، لكن الحوثيين لم يقدموا أي دليل، فيما طالبت الأمم المتحدة بإطلاق سراحهم فورًا.
وفي اليوم التالي، أطلق الحوثيون صاروخًا باتجاه ناقلة النفط “سكارليت راي” المملوكة لإسرائيل والمسجلة في ليبيريا، على بُعد 40 ميلًا من مدينة ينبع السعودية على البحر الأحمر، لكنه لم يصب هدفه. وتُعد ينبع مركزًا مهمًا لتصدير النفط والبتروكيماويات لشركة أرامكو، ما يثير مخاوف سعودية من عودة التهديد الحوثي.
وقد كانت السعودية والإمارات قد انسحبتا إلى حدٍّ كبير من معركتهما ضد الحوثيين، وتوقفت الهجمات الحوثية المتكررة على السعودية. غير أن أي استئناف لهذه الهجمات أو تهديد مباشر لصناعات الطاقة قد يدفع إلى مشاورات أميركية–سعودية بشأن خيارات جديدة، ربما تشمل استئناف العمليات البرية، وهو ما سيحتاج على الأرجح إلى دعم أميركي مباشر يتجاوز تزويد الذخائر.
وقبل التصعيد الأخير، كان الحوثيون قد وسّعوا بالفعل نطاق هجماتهم مطلع سبتمبر/أيلول، في محاولة لفرض كلفة أكبر على إسرائيل وحلفائها. ففي الأسبوع الماضي أطلق الحوثيون صاروخين على إسرائيل جرى اعتراضهما، واستهدفوا سفينة تجارية قبالة الحديدة. وقالت شركة الأمن البحري “أمبري” إن السفينة المستهدفة مملوكة علنًا لشركة إسرائيلية، بينما رأت شركة “EOS Risk Group” أن “وتيرة الهجمات الحوثية الحالية تعكس تصعيدًا واضحًا، إذ انتقلت من عمليات متفرقة إلى محاولات متعددة يوميًا.”
ورفض الحوثيون خفض التصعيد، فأطلقوا طائرة مُسيّرة أصابت صالة الوصول في مطار رامون بجنوب إسرائيل الأسبوع الماضي، بحسب هيئة المطارات الإسرائيلية. وقال المسؤولون إن المُسيّرة رُصدت لكنها لم تُعترض. وفي اليوم نفسه، أشارت مصادر إلى أن الحوثيين ربما كانوا وراء قطع كابل بحري أدى إلى تعطّل الإنترنت في أجزاء من آسيا والشرق الأوسط، لكن لم يُثبت ذلك، ونفت الجماعة سابقًا استهدافها للكابلات.
حتى الآن، لم تُبدِ إدارة ترامب أي نية لاستئناف حملة الضربات الجوية “رف رايدر” أو شن عمليات عسكرية جديدة ضد الحوثيين. كما لم تنصح إسرائيل بخفض ردودها العسكرية. لكن مسار التصعيد بين إسرائيل والحوثيين، إلى جانب تهديد الحوثيين للتجارة العالمية، قد يفرض على الإدارة الأميركية خيارات سياسية وعسكرية لم تكن ترغب في مواجهتها.
لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي؛