تتحول النحافة في اليمن إلى وصمة اجتماعية تلاحق الفتيات منذ طفولتهن، وتشكّل ضغوطًا نفسية وجسدية تنعكس على حياتهن وصحتهن.
وصمة غير مبررة
منذ ولادة الطفل، تتعرض الأمهات لسيل من التعليقات القاسية المرتبطة بوزن أطفالهن، ما يزرع القلق في قلوبهن مبكرًا. ومع مرور الوقت، تمتد هذه الضغوط إلى الفتيات الصغيرات، ليتحوّل الجسد إلى معيار للحكم على الجمال والقبول الاجتماعي.
وهذا الواقع المجتمعي المؤلم لا يبقى حبيس التعليقات العابرة، بل يتحول إلى معاناة يومية تثقل كاهل فتيات مثل "شهد".
كانت شهد تقف أمام المرآة، تهرب بعينيها من جسدها وتتشبث بملامح وجهها التي تحبها. لكن تلك اللحظات القصيرة من التصالح مع الذات كانت تتلاشى سريعًا أمام كلمات الناس التي تطاردها في كل مناسبة: “ليش نحفتي؟”، “ما تأكلين؟”، “شكلك مريض!”… عبارات ظاهريًا بسيطة، لكنها بالنسبة لفتاة تبلغ من العمر 22 ربيعًا، أشبه بسهام لا تخطئ الهدف.
منذ طفولتها، بدأت تُعامَل شهد على أنّ نحافتها مشكلة، لا سمة جسدية طبيعية. ومع مرور الوقت، كبرت ليكبر معها شعور مؤلم بأنها غير مكتملة، وبأن جسدها لا يلائم قالب المجتمع الذي يحدد معايير القبول وفق الوزن والشكل. تقول شهد: "كنت أحب وجهي، لكن جسمي كان يخوفني. الناس علموني أرى نفسي بطريقة ليست حقيقتي"
ومع تزايد الضغوط، انسحبت شهد تدريجيًا من المناسبات العائلية، وأصبحت الوحدة هي ملاذها، قبل أن تجد نفسها تدفع ثمنًا صحيًا باهظًا لمحاولة الهروب من سخرية الآخرين. لم تكن حينها تعلم أن ما تتعرض له، لهُ اسم: تنمر. لكنها بالتأكيد عرفت أثره: قلق، توتر، وشعور دائم بأنها ليست كافية.
تحت ضغط المجتمع، بدأت نظرات القلق تزداد في عيني والدتها. كانت تخشى أن تكبر ابنتها وهي تحمل وصمة النحافة التي يربطها البعض في اليمن بضعف الصحة أو عدم العناية. وفي إحدى الليالي، اقتربت الأم من شهد وقالت لها بصوت يحمل لهفة وقلقًا: "يا بنتي، بنأخذ لك خلطة بتسمنك". لم تسأل شهد، ولم ترفض. كانت ترغب في الهروب من دائرة الأحكام التي طاردتها كل عمرها. أرادت أن تصمت الأسئلة، ولو مرة واحدة.
في اليوم التالي، ذهبت الأم إلى سوق الأعشاب، حيث تُعرض خلطات التسمين وكأنها حلول سحرية. البائع—أحمد—لم يكن يجهل حجم الإقبال. يقول: "في طلب كبير على الخلطات من البنات تحديدًا، وأغلبهن يكن في عمر المراهقة، ويأخذن خلطات سواء الطبيعية منها أو المصنعة، نحن نبيع لهم الخلطات ونكتب التحذيرات، لكن قليل من يهتم."
وسرعان ما بدأت هذه الأساليب التي في ظاهرها تبدو كحلول، تظهر ثمنها الصحي الباهظ، حيث تحول حلم التسمين إلى كابوس صحي.
فشل كلوي
تحت الضغط النفسي الذي كانت تمر به شهد لم تنتبه لنفسها، حيث انها اهتمت لندوبها الخارجية لاهية عن ندوبها الداخلية من آلام نفسية وآلام عضوية داخلية، والتي نتجت عن اهمالها بنفسها.
تروي شهد أنها بدأت تشعر بآلام في جانبها الأيمن، ما دفعها لزيارة الطبيب. هناك تبيّن أنها تعاني من أعراض مبكرة لفشل كلوي نتيجة خلطات التسمين.
ويقول الدكتور علي الدويدي: "فحصنا عدة خلطات تستخدمها الفتيات، وتبيّن أن بعضها يحتوي على كورتيزون ومواد هرمونية تُخلط بشكل غير آمن. وشهد وصلت في الوقت المناسب، وتمكّنا من منع تفاقم حالتها".
قصة شهد مع الفشل الكلوي ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من المعاناة التي تدفع ثمنها فتيات اليمن يوميا. جرس إنذار تكشف أثر التنمر الجسدي في اليمن، ودفعه للفتيات نحو مخاطر صحية.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.