تحليل: الصين تنتقل من مراقب مجاني إلى مُمكّن لعدم الاستقرار في البحر الأحمر
يمن فيوتشر - STIMESON- ترجمة خاصة الأحد, 21 سبتمبر, 2025 - 08:30 صباحاً
تحليل: الصين تنتقل من مراقب مجاني إلى مُمكّن لعدم الاستقرار في البحر الأحمر

في يوليو/تموز، أفادت التقارير بأن سفينة حربية صينية أطلقت شعاع ليزر عسكرياً على طائرة استطلاع ألمانية متعددة المستشعرات كانت تعمل فوق البحر الأحمر ضمن مهمة الأمن البحري التي يقودها الاتحاد الأوروبي والمعروفة باسم عملية “أسبيدس” (Operation Aspides). وقد أجبر الحادث الطائرة على الانسحاب حفاظاً على سلامتها، مما أثار احتجاجاً شديداً من برلين وأثار القلق في أوساط الحلفاء الغربيين.

وبينما قللت بكين من أهمية الحادث، إلا أن الواقعة –مقترنةً بتنامي التعاون الدفاعي الصيني مع الحوثيين وإيران– حملت رسالة واضحة: لم تعد الصين تكتفي بدور المتفرج في معادلة أمن البحر الأحمر.

وفي الثاني من يوليو/تموز 2025، يُعتقد أن فرقاطة تابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني (PLAN) وجَّهت سلاح ليزر نحو طائرة دورية بحرية ألمانية كانت تحلِّق قبالة السواحل اليمنية. وبعد الحادث، عادت الطائرة بسلام إلى مطار جيبوتي ـ أمبولي، حيث كانت متمركزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024 لتنفيذ مهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع لصالح عملية “أسبيدس”.

واللافت أن الطائرة المستهدَفة لم تكن تابعة مباشرة للقوات المسلحة الألمانية، بل كانت طائرة مُشغَّلة بواسطة متعاقد، ويقودها طاقم مدني ـ عسكري مشترك. وبينما ما تزال تفاصيل الأضرار التي لحقت بالطائرة وطاقمها مصنفة كـ “سرية”، أكدت السلطات الألمانية أن الطائرة استأنفت مهامها الروتينية في الدوريات.

وقد رفضت الصين الاتهامات، نافيةً استخدام أسلحة ليزر عسكرية لمضايقة الطائرة الألمانية. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتدخل فيها بكين في عمليات طائرات غربية فوق خليج عدن، إلا أن آخر حادثة سُجِّلت قبل سنوات. ففي عام 2018، أدان البنتاغون الاستهداف المتكرر لطائرات النقل الأمريكية C-130 في معسكر ليمونيي، القاعدة العسكرية الأمريكية في جيبوتي.

ويأتي هذا السلوك في إطار تكتيكات الحرب غير المتماثلة التي تعتمدها القوات المسلحة الصينية، لاسيما في المناطق المتنازع عليها. فلدى بكين سجل طويل من الحوادث المشتبه بأنها هجمات بأسلحة ليزر عسكرية استهدفت طائرات دورية أمريكية وأسترالية في جنوب شرق آسيا.

وتتدرج أسلحة الطاقة الموجَّهة من أجهزة الليزر منخفضة القدرة، التي يمكنها إبهار الأنظمة البصرية أو أعين البشر بشكل مؤقت، إلى أنظمة أقوى تُثبَّت على السفن وتستطيع تعطيل أجهزة استشعار معقدة بل وتدمير أهداف محددة. وبما أن طائرة الدورية الألمانية استأنفت مهامها بعد وقتٍ قصير من الحادث، فمن المعقول الاستنتاج أن الفرقاطة الصينية استخدمت نظام ليزر غير فتاك.

وهذه التدابير غير الحركية الناشئة لها تطبيقاتٍ واسعة، وتوظفها الصين لأغراض رئيسية ثلاثة: الردع، وتعطيل العمليات، وإنكار المسؤولية.

أولاً، من خلال استخدام الليزر، تستطيع بكين التعبير عن استيائها من رحلات الاستطلاع الأجنبية من دون اللجوء إلى إطلاق نار مباشر أو إجراءات قسرية صريحة قد تؤدي إلى إشعال مواجهة عسكرية مباشرة. وهذا الأسلوب يُمكّن الصين من تحدي عمليات الخصوم في المناطق المتنازع عليها، مع ضمان السيطرة على مسار التصعيد.

ثانياً، يمكن لليزر عالي القدرة أن يُعطِّل مهام الاستطلاع عبر إبهار أجهزة الاستشعار البصرية والكاميرات ومعدات الرؤية الليلية على متن الطائرات بشكل مؤقت، إضافة إلى المخاطر الصحية المحتملة على أفراد الطاقم. ومن خلال تقليص القدرات الاستطلاعية من دون استخدام قوة قاتلة، تكسب بكين وسيلة مواجهة منخفضة الكلفة وفعّالة ضد المراقبة الأجنبية.

وأخيراً، يمنح الليزر الصين إمكانية الإنكار المعقول؛ فحوادث الليزر يصعب نسبها بشكلٍ قاطع لجهة محددة، نظراً إلى أن أشعته غير مرئية وآثاره غالباً مؤقتة. وهذه الضبابية تجعل من الليزر أداة فعّالة في مواقع “المنطقة الرمادية”؛ إذ يُحدث قدراً من الإرباك لعمليات الغرب، لكنه في الوقت ذاته يصعب إثباته في المحافل الدبلوماسية أو التصدي له ميدانياً.

 

الدعم للحوثيين

في السادس من أغسطس/آب 2025، أحبطت قوات الحزام الأمني، وهي تشكيلات شبه عسكرية مرتبطة بـ المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، محاولة لتهريب رافعات جاهزة الصنع من منشأ صيني عبر أحد الطرق المعروفة للتهريب إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين. ويُرجَّح أن هذه الرافعات كانت مخصصة لتعويض البنية التحتية اللوجستية التي تضررت جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على ميناء الحديدة، ثاني أكبر موانئ اليمن وشرياناً حيوياً لمخازن أسلحة الحوثيين.

وقبل ثلاثة أيام من ذلك، اعترضت وحدة مكافحة الإرهاب في ميناء عدن شحنة موجهة إلى الحوثيين على متن سفينة تجارية قادمة من الصين.

وقد تم تحويل مسار السفينة إلى عدن بعد أن ظلت عمليات ميناء الحديدة متضررة، وتضمنت الشحنة معدات أساسية لإنشاء منشأة لتصنيع الطائرات المسيّرة، مثل أنظمة الطاقة والتوجيه والمراقبة، إلى جانب قطع مختلفة للتجميع.

وفي أغسطس/آب 2024، أي قبل عام من ذلك، صادرت قوات المقاومة الوطنية، وهي تحالف يقوده العميد (طارق صالح) ويعمل تحت سلطة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، سفينة شراعية في البحر الأحمر كانت تحمل مساعدات عسكرية متجهة إلى الحوثيين. وقد شملت المضبوطات أسطوانات غاز هيدروجين صينية الصنع ومكونات مخصصة لاستبدال مصادر الطاقة التقليدية المستخدمة في الأنظمة غير المأهولة –مثل محركات الاحتراق أو بطاريات الليثيوم– بخلايا وقود هيدروجيني أكثر كفاءة. وقد أبرزت عملية الضبط هذه مسعى جماعة الحوثي إلى رفع مستوى تعقيد ترسانتها عبر التجريب بتقنيات دفع متقدمة.

وتشير هذه العمليات الاعتراضية، في مجملها، إلى نمطين واضحين:
أولاً، ومع استمرار تضرر ميناء الحديدة بشكل كبير، يسعى الحوثيون بشكل متزايد إلى إيجاد ممرات بديلة للتهريب، حتى وإن تطلب ذلك إعادة توجيه الشحنات عبر منافذ أكثر خضوعاً للرقابة مثل ميناء عدن.
ثانياً، في حين تبقى إيران الراعي العسكري الرئيسي للجماعة المسلحة في اليمن، فإن المواد والمعدات ذات المنشأ الصيني باتت تؤدي دوراً متنامياً في دعم مجهودها الحربي وتعزيز بنيتها التحتية اللوجستية الحيوية.

ولا تزال الأدلة المباشرة على تورط بكين في شبكة التهريب المنظَّمة التي تزود الحوثيين بأنظمة تسليح متقدمة ومكونات استراتيجية غير متوافرة. غير أن وتيرة اعتراض الشحنات المصنَّعة في الصين أو القادمة من منشأ صيني تثير تساؤلات جدية حول ما إذا كانت شركات مرتبطة بالدولة تسهّل عن علم –أو عن إهمال– نقل مواد مزدوجة الاستخدام ومعدات عسكرية الطابع.

وفي 11 سبتمبر/أيلول، فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على مجموعة من الأفراد والكيانات، من بينها عدة شركات مقرها الصين، اتهمتها بنقل مكونات عسكرية إلى الحوثيين.

وتجسد اتهامات وزارة الخارجية الأمريكية في أبريل/نيسان 2025 ضد شركة تشانغ غوانغ للتكنولوجيا الفضائية –وهي شركة أقمار صناعية تجارية ذات صلات موثقة بجيش التحرير الشعبي الصيني (PLA)– الدينامية ذاتها. إذ زعمت واشنطن أن الشركة وفّرت معلومات استخباراتية جغرافية لدعم حملة الحوثيين ضد الملاحة في البحر الأحمر. ورغم أن الشركة رفضت هذه الاتهامات، إلا أن التوقيت والنمط يعززان الشكوك حيال أن الصين تعمل بهدوء على تعميق بصمتها في الصراع، ولو بشكل غير مباشر.

أما الفرقاطة الصينية التي يُشتبه في تنفيذها الهجوم بالليزر على طائرة الاستطلاع الألمانية، فمن المرجح أنها كانت جزءاً من قوة المهام البحرية رقم 47 التابعة لجيش التحرير الشعبي، وهي مبادرة أمن بحري مستقلة أطلقتها بكين عام 2008 لمكافحة القرصنة الصومالية. ومع انحسار تهديد القرصنة في منتصف العقد الثاني من الألفية، تطورت هذه القوة لتصبح الأداة الرئيسية لبكين في الحفاظ على وجود بحري متواصل بالمياه الإقليمية، وتعزيز التعاون العسكري مع إيران.

ومن الملفت أن سفناً حربية من قوة المهام رقم 47 شاركت أيضاً في مارس/آذار 2025 في مناورة حزام الأمن البحري (Security Belt)، وهي مناورات سنوية لمكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية تُجرى بشكلٍ مشترك بين إيران وروسيا والصين في خليج عُمان منذ عام 2019. وقد أبرزت تلك المشاركة كيف تحوّلت قوة المهام التابعة للبحرية الصينية من مهمة دفاعية ضيقة إلى منصة للمحاذاة الاستراتيجية مع شركاء بكين الجيوسياسيين الرئيسيين، بما يعزز نفوذها إلى ما يتجاوز بكثير التفويض الأصلي.

واحتمال أن تقوم القطع القتالية السطحية الصينية، التي تتدرب جنباً إلى جنب مع إيران وروسيا، بالتنسيق العملياتي أيضاً مع الحوثيين، يمثل تطوراً مقلقاً لكل من الأطراف الإقليمية والخارجية على حد سواء. وتتزايد هذه المخاوف مع إمكانية انضمام سفن أكثر حداثة تابعة للبحرية الصينية (PLAN) إلى دورات قوة المهام البحرية (NEFT) المستقبلية، بما في ذلك القطع المزودة بأنظمة متطورة مثل سلاح الليزر البحري (LY-1)، الذي تم الكشف عنه خلال العرض العسكري الضخم الذي أقامته بكين في سبتمبر/أيلول 2025.

 

ماذا بعد؟

تشير مجمل الأحداث –حادثة الليزر، واعتراضات التكنولوجيا الصينية مزدوجة الاستخدام الموجهة للحوثيين، وادعاءات الدعم الاستخباراتي عبر الأقمار الصناعية– إلى تحوّل في موقف الصين البحري. فقد اكتفت بكين لسنوات بالاستفادة من الدوريات الغربية التي حافظت على فتح ممرات الملاحة، بينما كانت تراقب تحركات البحرية الأمريكية والأوروبية عبر قوة المهام البحرية التابعة لها.

ومع اندلاع حملة الحوثيين ضد الملاحة البحرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لم يطرأ تغيير فوري على هذا النهج. إذ نظرت الصين إلى أزمة البحر الأحمر أساساً من منظور الأمن الاقتصادي، مع التركيز على تأمين مرور أسطولها التجاري، وذلك بحسب ما ورد عن اتفاقية توسطت فيها إيران مع الحوثيين، وتوفير غطاء دبلوماسي غير مباشر لهم.

ولكن بعد ما يقرب من عامين، يبدو أن بكين تختبر أدوات أكثر حزماً لتشكيل ساحة المعركة نفسها، من خلال الجمع بين الإنكار المعقول وتمكين عملي للمجموعات المسلحة المزعزعة للاستقرار. وما كان يُنظر إليه سابقاً على أنه إشارة رمزية بات الآن يهدد بأن يتحول إلى تمكين عملياتي لعمليات الحوثيين القتالية، مما يرفع مستوى المخاطر لكل من الأطراف الإقليمية والخارجية.

وتتسم الصين تقليديًا بالحذر وتجنب المخاطر، وهي حريصة على تفادي أي تصعيد غير مسيطر عليه. ومع ذلك، من المرجح أن تواصل بكين السير بحذر، موازنةً بين مصلحتها في تأمين طرق الملاحة البحرية وبين الإغراء باستخدام أدوات المنطقة الرمادية التي تعقّد تحديد المسؤوليات وتقلّص الوجود البحري الغربي.

غير أن هذا التوازن سيصبح أكثر صعوبة مع مرور الوقت. فدلائل الدعم الصيني المتزايد للحوثيين تعرّض بكين لتكاليف سمعة محتملة بين شركائها التجاريين في الخليج، وتقوّض ادعاءها بالحياد في النزاعات الإقليمية، وتزيد من احتمال أن تؤدي تحركاتها التكتيكية في المنطقة الرمادية إلى ردود فعل دبلوماسية أو عسكرية أكثر تعقيدًا.

 

لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي: 

 


التعليقات