[ تعبيرية ]
عند بدء تفشي فيروس كوفيد 19 في اليمن، كانت علياء 30 (عامًا) على وشك وضع مولودها الأول الذي ظلت تنتظره لسنوات، لكن فرحتها في احتضان جنينها سرعان ما تبددت عقب ولادته مباشرة بسبب انعدام خدمات الرعاية الصحية اللازمة، وهو ما أدى إلى فقدانها له أواخر رمضان الماضي، مايو/أيار 2020.
“منذ بداية الحمل خضعتُ لمراقبة الطبيبة المختصة بشكل دوري، قبل مجيء كوفيد-19 الذي هدم كل شيء”، موضحة قصة حرمانها من الخدمات مع تسجيل أول خمس حالات إصابة مؤكدة بالفيروس التاجي قبل نحو سبعة أشهر في المدينة الجنوبية عدن.
وأقرت السلطات في عدن وصنعاء، حزمة من الإجراءات الوقائية للحد من تفشي الفيروس، لكنها تخلت عن الالتزام بباقي التدابير ومنها الحجز المنزلي كخيارات مفتوحة أمام المواطنين.
تقول علياء، وهذا اسمها المستعار: “مضاعفات شديدة تعرضت لها أثناء جائحة كورونا، كنت في الشهر الأخير من الحمل، ولم أتمكن من مراجعة الطبيبة التي كانت تتابع حالتي من بدايتها”، لتفقد طفلها البكر بعد مخاض عسير استمر لساعات في منزلها، بفعل إغلاق المستشفيات المتخصصة بالأمومة والطفولة.
تضيف والحزن ضافٍ على صوتها: “أسوء شعور أن طفلي الذي انتظرته طوال فترة الحمل يموت أمامي، وأني عاجزة عن إنقاذه”، لكنها حملت السلطات الصحية الهشة في الأساس المسؤولية “شهدت دول العالم خططًا وإجراءات وقائية لمثل حالتي، بينما في اليمن أمرت السلطات بإغلاق الحياة وتركتنا نواجه الموت نحن وأولادنا وأهالينا”.
•كان من الممكن إنقاذه
ولا يختلف وضع عفراء محمد 19 عامًا، حيث ظلت تنزف 8 ساعات، وهي تتنقل بين مستشفيات وعيادات خاصة في العاصمة صنعاء، أملًا في حصولها على الرعاية الصحية التي فقدتها منذ بدء تفشي جائحة كورونا المستجد.
عفراء، وهذا اسم مستعار أيضًا، قالت “كان ذلك قبل يومين من عيد الفطر، ذهبت إلى جميع المستشفيات لكنهم رفضوا استقبالي، بسبب تخوفهم من كورونا، وتتابع “لاحقًا بادرت إحدى قريباتي بالتواصل مع قابلات في مستشفى السبعين الذي قبِل الحالة عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل”.
وفقدت عفراء هي الأخرى طفلها نتيجة تلك المضاعفات، بعد أن خضعت لعملية قيصرية. وفيما ظلت عديد مستشفيات تتحجج بعدم استطاعتها تقديم الرعاية الطبية للفتاة العشرينية، طلب منها مرفق صحي خاص مبلغًا باهظًا من المال مقابل إجراء العملية.
•الاثنان رحلا معًا
ودرب صندوق الأمم المتحدة للسكان 300 قابلة على طريقة التعامل مع النساء الحوامل أثناء كورونا، وشمل هذا التدريب جميع القابلات في المرافق الصحية العامة والخاصة، بالإضافة إلى القابلات المجتمعية في المناطق الريفية، إلا أن المستشفيات استمرت في رفض استقبال عشرات النساء الحوامل اللواتي يذهبن لطلب إي شكل من الخدمات الطبية الطارئة.
ولم يحالف الحظ فاطمة، 39 عامًا، في المتابعة الدورية للطبيبة كما هو حال علياء وعفراء أثناء فترة الحمل بفعل تنقلها كنازحة بين تعز والحديدة وعدن، جنوبي وغربي البلاد، حيث استقرت لاحقًا قبل أن يخطف الفيروس روح زوجها الذي ترك لها إرثًا كبيرًا من المعاناة بدأت فصولها بخروجها للشارع وهي حامل في شهرها السادس للبحث عما يسد رمقها وأولادها السبعة، دون تقديرها للكارثة التي ستحل عليها نتيجة أعباء الحياة المعيشية الصعبة التي تعيشها آلاف الأسر اليمنية، لتفارق الحياة هي الأخرى بعيد ثلاثة أشهر جراء عملية قيصرية.
•حرمان ومضاعفات
هناك حوالي 400 امرأة حامل حرمت من حقها في الرعاية الصحية أثناء إغلاق المركز الصحي للأمومة والطفولة وسط العاصمة صنعاء خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران 2020، في ذروة تفشي كوفيد-19، كإجراء اختياري وفقًا للدكتورة جميلة أبو أصبع رئيسة المركز.
وتؤكد، أن النساء كُنّ يرتدن بشكل دوري المركز قبيل الإغلاق، ونتيجة لتخوفهن من الذهاب للمستشفى جراء العدوى، تعرضت بعضهن لعملية الإجهاض، فيما تعرضن أخريات لولادات غير آمنة أنتجت عديد مضاعفات كالنزيف الرحمي أو التهابات الجهازين التناسلي والبولي.
وتلقت أبو أصبع خلال مدة إغلاق المركز اتصالات من بعض النساء الحوامل اللائي أجهضن وولدن بشكل غير آمن، فيما أصبن عديد نساء بالفيروس التاجي ممن كن ذهبن لإجراء عملية قيصرية، وهو ما قلل من فرص الحماية الصحية داخل هذه المرافق التي أصبحت بؤرة للفيروس.
وتمثلت معاناة النساء الحوامل أثناء جائحة كوفيد-19 في صعوبة المتابعة الدورية للحمل والمشاكل المصاحبة، وخوفًا من انتقال العدوى لهن، فضلت الكثير منهن عدم الذهاب للمرافق الصحية “ما أدخلهن في مضاعفات تؤدي غالبًا إلى الوفاة”، حسب الدكتورة أفراح الأديمي مسؤولة الصحة الإنجابية بصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن.
وتقول: “الظروف الاقتصادية تسببت أثناء الحجر الصحي للمرأة الحامل بسوء التغذية وفقر الدم وغيرها من الأمراض التي من الممكن أن تودي بحياتها”، فضلًا عن “العنف الأسري الذي قد ينتج بسبب بقاء الأزواج في المنزل”.
وعلى الرغم من وجود 230 ألف امرأة حامل تقريبًا – بحسب الأديمي- إلا أنه حتى الآن ليس هناك أي مسوحات وتقارير رسمية حول عدد النساء المعنفات أثناء الحمل في اليمن.
ووفقًا للدكتورة إشراق السباعي المتحدثة باسم اللجنة الوطنية العليا لمواجهة كورونا، سجلت 600 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا بين النساء، ما يشكل حوالي 30% من إجمالي حالات الإصابة المعلنة رسميًا البالغة 2083 حالة منذ شهر إبريل/نيسان الماضي.
السباعي، وتشغل أيضًا منصب وكيل وزارة الصحة العامة المساعد لقطاع السكان، قالت أنه من خلال متابعتها للخط الساخن “هناك امرأة حامل بالشهر الرابع توفيت، بعد إصابتها بفيروس كوفيد 19″، مشيرة إلى أن وزارة الصحة تدخلت بدعم قابلات المجتمع، بعيادات منزلية مزودة بالأدوية، وأدوات التعقيم لمدة ثلاثة أشهر، كما فتحت خطًا ساخنًا لتقديم المشورة للنساء على مستوى المحافظات.
•أرقام صادمة
وسجلت نحو 147 حالة وفاة أثناء الولادة في المحافظات الجنوبية، منذ مطلع العام 2020 حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفق بيانات رسمية حصلنا عليها.
وبحسب إحصائيات حديثة لصندوق الأمم المتحدة للسكان فإن امرأة تموت كل ساعتين في اليمن أثناء الولادة، مقابل معاناة 20 امرأة أخرى من إصابات أو عدوى أو إعاقات يمكن الوقاية منها، فيما تتم 6 ولادات من أصل 10 بدون قابلة ماهرة.
وتعاني أكثر من مليون امرأة حامل ومرضعة حاليًا من سوء التغذية، فيما من المحتمل وفاة امرأة بنسبة 1 من 60 أثناء الحمل أو الولادة، وفق المعلومات الأممية، بينما هناك 4 نساء من كل 10 لا يتلقين رعاية ما قبل الولادة من مقدم رعاية ماهر.
وجاء فيروس كورونا المستجد في وقت لا تعمل 45 بالمائة من المرافق الصحية في اليمن سوى بنصف طاقتها الاستيعابية؛ بسبب شحة المستلزمات الطبية وتضرر نحو 275 مرفقًا صحيًا جراء النزاع، ما حرم حوالي 16.4 مليون شخص من خدمات الرعاية الصحية الأساسية.
تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA