الصراع الإيراني – الإسرائيلي: إيران استنفدت خياراتها الفعّالة
يمن فيوتشر - تشاتام هاوس- ترجمة خاصة السبت, 21 يونيو, 2025 - 05:14 صباحاً
الصراع الإيراني – الإسرائيلي: إيران استنفدت خياراتها الفعّالة

تواجه إيران وإسرائيل اليوم مواجهةً تعيد تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط.
لطالما كان يُنظر، وعلى مدى سنوات، إلى العلاقة بين الطرفين على أنها توازن هش للرعب؛ إذ كانت الأفضلية العسكرية التقليدية لإسرائيل تقابلها الأصول غير التقليدية لإيران، ولا سيما برامجها الصاروخية والطائرات المُسيّرة، إضافة إلى دعمها لفواعل غير حكومية عنيفة منتشرة في أنحاء المنطقة.
وقد شكّل الافتراض القائم بأن أي صراع مباشر سيؤدي إلى معاناة كبيرة للطرفين –إن لم يكن تدميرًا متبادلاً مؤكدًا– عامل ردع لكليهما. ونتيجة لذلك، بقيت المواجهة بينهما محصورة إلى حد كبير في إطار الحروب الهجينة أو ما يُعرف بحروب "المناطق الرمادية"، وهو ما خدم إيران، إذ أتاح لها استثمار قدراتها غير المتكافئة، بينما حال في الوقت ذاته دون استفادة إسرائيل من تفوقها العسكري التقليدي.
غير أن موجة العنف التي أعقبت هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 قلبت هذه المعادلة رأسًا على عقب. فقد تعرّضت إيران، وشبكتها الإقليمية المعروفة بـ"محور المقاومة"، لانتكاسة شديدة. فرغم أن حماس وحزب الله لم يُهزما بالكامل، ألا أن قدرتهما على ضرب إسرائيل باتت محدودة للغاية. أما النظام السوري، الحليف الحكومي الوحيد لإيران ونقطة الارتكاز الأساسية لنفوذها في المشرق، فقد انهار في ديسمبر/ كانون الأول 2024. و الاستثناء الوحيد كان جماعة الحوثيين في اليمن، الذين برزوا كقوة إقليمية مؤثرة.
و تجلّت حالة الضعف المتزايد التي تعاني منها إيران بأوضح صورها خلال المواجهتين المباشرتين مع إسرائيل في أبريل/ نيسان وأكتوبر/ تشرين الأول 2024. ففي كلتا الحالتين –لا سيما في أكتوبر– نجحت إسرائيل في توجيه ضربات موجعة لإيران، استهدفت مواقع صاروخية ونووية بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي، في حين أخفقت إيران في إلحاق أكثر من أضرار هامشية بإسرائيل، رغم إطلاقها مئات الطائرات المُسيّرة وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية.
وكان لافتًا في الحالتين أن إيران هي من بادرت بخطوات التهدئة، لا بدافع من رغبة حقيقية في السلام، بل نتيجة لضعفها الميداني.
وتؤكد الجولة الحالية من العنف هذا الاتجاه وتعززه، إذ تُلحق إسرائيل أضرارًا جسيمة ببرنامج إيران النووي، وقدراتها العسكرية، وبدرجة أقل حتى الآن، ببُناها التحتية في قطاع الطاقة، بينما لا تزال إيران عاجزة عن إلحاق أكثر من أضرار محدودة داخل إسرائيل.
وبعد أن حققت تفوقًا جويًا جزئيًا فوق الأراضي الإيرانية، بات بإمكان سلاح الجو الإسرائيلي التحرك بحرية نسبية في الأجواء، وتوجيه ضربات دقيقة تستهدف منشآت نووية وعسكرية واقتصادية وحكومية، تقريبًا دون عوائق.
و خيارات إيران أصبحت شديدة التقييد. فطهران تدرك أن الدعوة إلى وقف إطلاق النار في هذا التوقيت قد يُنظر إليها كعلامة ضعف، ليس فقط من قِبل خصومها، بل –وهو الأهم– من قِبل شعبها. وفي لحظة تتسم بهشاشة بالغة، تخشى قيادة الجمهورية الإسلامية بشدة من هذا التصوّر الداخلي.
لكن ذلك لا يعني أنهم يتصرفون بلا عقلانية؛ فهم يدركون تمامًا أن إسرائيل تمتلك الأفضلية في سُلّم التصعيد، وأن أي انزلاق إضافي في الصراع سيُرجّح كفة تل أبيب أكثر فأكثر.

 

فماذا بوسع إيران أن تفعل؟
هناك عدة خيارات أمامها، لكن أياً منها لا يبدو قادراً على قلب الخسائر المتسارعة التي تتكبدها. و الخيار الأكثر وضوحًا عادةً هو دفع شركائها من الفاعلين غير الحكوميين للرد نيابةً عنها. إلا أن حركة حماس باتت منهكة بشدة، وحزب الله رغم احتفاظه بقدرات محدودة على ضرب إسرائيل، إلا أنه مصاب ويركّز حاليًا على الداخل. حتى الحوثيين، الذين أصبحوا اليوم "الجوهرة" الأبرز في محور المقاومة، يواجهون قيودًا جغرافية تحدّ من قدرتهم على الضغط على إسرائيل. كما أن صواريخهم وطائراتهم المُسيّرة لا تزال بدائية مقارنة بمنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية المتقدمة. في الوقت ذاته، تتراجع قدرة إيران نفسها على الرد تدريجيًا، مع اقتراب مخزونها من الصواريخ من النفاد.
وقد تفكر إيران في الرد المباشر على الأصول الأمريكية في المنطقة، لا سيما القواعد العسكرية في الخليج. غير أن هذه الخطوة ستدفع على الأرجح الولايات المتحدة إلى الانضمام رسميًا لإسرائيل في ضرب إيران، وربما تستهدف منشآت شديدة التحصين مثل موقع التخصيب في "فوردو". ورغم أن واشنطن قد تتخذ قرار الضرب في كل الأحوال، إلا أن طهران على الأرجح تسعى لتجنّب إثارة هذا السيناريو بنفسها، نظرًا لما ينطوي عليه من تعقيد خطير لوضعها الحرج أصلًا.
و خيار آخر قد تلجأ إليه إيران هو محاولة إغلاق مضيق هرمز، الذي يمرّ عبره حوالي 20% من الإنتاج النفطي العالمي يوميًا. لكن هذا الخيار ينطوي أيضًا على مخاطر جسيمة، إذ سيستدعي على الأرجح ردًا أمريكيًا مباشرًا، كما سيثير استياء دول الخليج –بعضها انتقد إسرائيل، وإن بشكل خفيف حتى الآن– وقد يتسبب كذلك بتوتر مع الصين التي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط من الخليج. والأسوأ من ذلك، أن هذا الخيار سيؤدي إلى خنق صادرات النفط الإيرانية نفسها، مما سيفاقم تدهور الاقتصاد الإيراني المنهك أصلًا.
لذلك، يُعد هذا الخيار ملاذًا أخيرًا قد تلجأ إليه طهران فقط إذا لم يبقَ أمامها أي بديل آخر.
و خيار آخر يتمثل في شنّ هجمات سيبرانية، لكن هذا أيضًا يحمل مخاطر كبيرة بالنسبة لإيران، وقد تفوق كلفته الفوائد المتوقعة منه. صحيح أن إيران برزت كقوة سيبرانية فاعلة، وتمتلك القدرة على إلحاق أضرار جسيمة، خاصةً إذا استهدفت البنى التحتية الحيوية، مثل أنظمة المياه، إلا أن القيام بذلك، في سياق يصعب فيه الحفاظ على الإنكار المقبول (Plausible Deniability)، قد يؤدي إلى ردود انتقامية قاسية، سواء في الفضاء السيبراني أو حتى على أرض الواقع. وببساطة، يبقى هذا الخيار ضمن دائرة "اللّا فوز" بالنسبة لإيران.
وأخيرًا، يطرح البعض سيناريو شائعًا مفاده أن إيران قد تُسارع إلى امتلاك سلاح نووي. فمنذ سنوات، انتهجت إيران استراتيجية التدرّج والمواربة، عبر تطوير قدرات تقنية ومعرفية واسعة تمكّنها من إنتاج سلاح نووي، لكنها توقفت دون الإقدام الفعلي على ذلك. واليوم، قد تستنتج القيادة الإيرانية أن امتلاك قنبلة نووية هو الوسيلة الوحيدة لردع الهجمات المستقبلية.


إلا أن هذا السيناريو يواجه تحديين رئيسيين:
أولًا، إسرائيل لا تزال تنجح في توجيه ضربات مهمة لبرنامج إيران النووي، ما يعني أن أي اندفاعة نحو السلاح النووي –مهما بلغت وتيرتها– ستستغرق وقتًا أطول مما قد تتصوره طهران.
ثانيًا، من المؤكد أن إسرائيل ستشنّ ضربة جديدة –وقاسية– إذا شعرت بأن إيران تمضي فعليًا نحو امتلاك القنبلة.

و تُظهر التطورات الراهنة –مرةً أخرى– عزلة الجمهورية الإسلامية الإستراتيجية، إذ تواجه إيران إسرائيل المتفوّقة عسكريًا، والمدعومة من الولايات المتحدة وبعض حلفائها، فضلًا عن دعمٍ ضمني من عدة قوى عربية، وهي تخوض هذه المواجهة بمفردها تمامًا. فمحور المقاومة لن يتمكن من إنقاذ إيران هذه المرة، كما أنه من غير المرجّح أن يأتي الدعم من جهات أخرى.
فـالصين تسعى لتجنّب التورط في حروب الشرق الأوسط، وتحرص على تعزيز علاقاتها المتنامية مع خصوم إيران، وفي مقدمتهم السعودية والإمارات. أما روسيا، فرغم أنها قلقة –ربما أكثر من الصين– من احتمال إضعاف إيران، إلا أنها لن تغامر بعلاقاتها مع إدارة ترامب، أو مع إسرائيل ودول الخليج، من أجل تقديم ما يتجاوز دعمًا رمزيًا لطهران.
ومع استمرار الأعمال العدائية، تتآكل فرضية "توازن الرعب" بين إيران وإسرائيل، ويبدو أنها في طريقها إلى الزوال. فـقواعد جديدة للّعبة الإقليمية آخذة بالتشكّل تدريجيًا، وهي تصب بوضوح في مصلحة إسرائيل. والواقع الجديد يُرسّخ ميزان قوى أكثر اختلالًا، تكون فيه إيران الضعيفة عاجزة عن الدفاع عن نفوذها المتقلّص، بينما تتمتع إسرائيل بهامش أوسع بكثير للمناورة والتحرّك.
ويبقى السؤال الأهم الآن: ماذا ستقرر الولايات المتحدة أن تفعل؟

الرابط ادناه لقراءة المادة من موقعها الأصلي: 

 


كلمات مفتاحية:

إيران إسرائيل
التعليقات