تقرير: تحقيق السلام والاستقرار المستدامين في اليمن يتطلب تحوّلًا استراتيجيًا
يمن فيوتشر - ترجمة خاصة- Just Security الأحد, 15 يونيو, 2025 - 01:15 مساءً
تقرير: تحقيق السلام والاستقرار المستدامين في اليمن يتطلب تحوّلًا استراتيجيًا

في 16 مارس/آذار، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن القوات المسلحة الأميركية ستشنّ حملة جوية جديدة وأكثر شدة ضد جماعة الحوثي في اليمن. وقد أوضح الرئيس أن الهدف المعلن من هذه الحملة هو استعادة “حرية الملاحة” في البحر الأحمر وحماية السفن الأميركية. وبعد 52 يومًا، وتحديدًا في 6 مايو/أيار، أعلن ترامب النصر، مؤكدًا أن الغارات ستتوقف.

الآن، وبعد أن انقشع غبار المعركة، يبقى التساؤل: كيف يمكننا تقييم تدخل عسكري تجاوزت كلفته مليار دولار، وتضمّن أكثر من 200 غارة جوية، وأسفر عن مقتل المئات من اليمنيين، بينما لم يُلحِق ضررًا يُذكر بالحوثيين؟

قال ترامب إنه حصل على تعهّد من الحوثيين بوقف هجماتهم على السفن الأميركية. ومع ذلك، ورغم الخطاب المتشدد الذي تحدّث عن “إبادة” الحوثيين، لا يبدو أن الجماعة قد تراجعت، بل أعلنت نيتها فرض “حصار بحري” على ميناء حيفا في إسرائيل.

وقد شهد المراقبون للشأن اليمني هذا المشهد من قبل؛ فعلى مدار العشرين عامًا الماضية، تبنّت الولايات المتحدة نهجًا عسكريًا في التعامل مع الملف اليمني، لكنها فشلت في تحقيق نتائج طويلة الأمد أو في معالجة الأسباب الجذرية للصراع. وقد آن الأوان لتغيير هذا النهج.

هناك حاجة إلى استراتيجية مختلفة تستأنف المسار الدبلوماسي، وتوظّف النفوذ الأميركي لإنهاء القتال، وتستثمر التحوّلات الإقليمية للدفع نحو وقف إطلاق النار. وينبغي لهذا التحوّل الاستراتيجي أن يؤسّس لخطة سلام إقليمية شاملة تُشرك الأطراف المتأثرة والمجتمعات المحلية.

ورغم أن الولايات المتحدة لا تستطيع حلّ الأزمة اليمنية بمفردها، إلا أنها قادرة على لعب دور مهم في دعم جهود السلام التي يقودها اليمنيون أنفسهم.

 

عقدان من الحلول العسكرية

على مدى أكثر من ثلاثة عقود – في ظل إدارات جمهورية وديمقراطية على حدّ سواء – ظلّ استقرار اليمن وخلوّه من الجماعات المسلحة التي تستخدم أساليب الإرهاب ضد الولايات المتحدة وحلفائها ضمن أولويات السياسة الأميركية ومصالحها القومية المُعلَنة. ورغم تعهّد واشنطن بـ”تسخير الجهود والموارد لمساعدة اليمنيين على بناء يمن أكثر سلمًا وازدهارًا وديمقراطية”، فإن المقاربة الأميركية ركّزت بشكل أساسي على الحلول العسكرية.

ففي الفترة من عام 2000 إلى 2011، قدّمت الولايات المتحدة لحكومة الرئيس اليمني آنذاك علي عبدالله صالح أكثر من 430 مليون دولار كمساعدات لدعم القطاع الأمني وتعزيز قدرته على قيادة عمليات مكافحة الإرهاب. وفي عهد الرئيس باراك أوباما، تبنّت الحكومة الأميركية نهجًا قائمًا على دعم عمليات مكافحة الإرهاب بقيادة يمنية. إلا أن واشنطن أخفقت في إدراك أن هذا النهج قد أسهم في تعميق العوامل البنيوية المغذية للصراع في اليمن، بما في ذلك الحكم القائم على الاستخلاص والفساد، وهي عوامل أدّت لاحقًا إلى سقوط نظام صالح ومهّدت الطريق أمام الحوثيين للتقدّم جنوبًا من صعدة والسيطرة على العاصمة صنعاء في عام 2015.

وقد دفع هذا التطوّر المملكة العربية السعودية إلى تشكيل تحالف من عشر دول في مارس/آذار 2015 بهدف إخراج الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها. ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2022، نفّذ التحالف بقيادة السعودية أكثر من 25 ألف غارة جوية، أسفرت بشكل مباشر عن مقتل أو إصابة ما يقرب من 20 ألف مدني يمني.

وفي الوقت ذاته، أطلقت الأمم المتحدة جهودًا دبلوماسية مكثفة بين الأطراف المتحاربة في اليمن، أدّت إلى توقيع اتفاق ستوكهولم في ديسمبر/كانون الأول 2018. وتبع ذلك عملية تبادل أسرى كبرى بوساطة أممية في عام 2020، سعت إلى إحياء المحادثات بشأن عملية سلام شاملة. وفي أبريل/نيسان 2022، تمكّن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن من التوصل إلى هدنة شاملة على مستوى البلاد، لا تزال صامدة إلى حدّ كبير، وأسهمت في خفض حدّة الصراع المسلح بين الحوثيين وخصومهم في الجنوب.

ورغم هذه الجهود، واصلت الولايات المتحدة الاعتماد على نهج عسكري مفرط. وبحلول نهاية عام 2021، قدّرت الأمم المتحدة أن الحرب قد تسببت في مقتل نحو 377 ألف يمني بين قتلى بأسباب مباشرة وغير مباشرة. وكان الدعم الأميركي للجهد العسكري الذي تقوده السعودية بالغ الأهمية إلى درجة دفعت منظمات حقوقية إلى اتهام الحكومة الأميركية بالتواطؤ في ارتكاب جرائم حرب في اليمن.

وفي يناير/كانون الثاني 2024، أمرت إدارة بايدن بتنفيذ ضربات جوية ضد الحوثيين ردًا على هجماتهم المتكررة على حركة الملاحة في البحر الأحمر، بهدف “تقويض” قدراتهم العسكرية.

وفي خطوة تصعيدية، عززت إدارة ترامب لاحقًا حملة بايدن الجوية، فوسّعتها وكثّفتها من خلال إطلاق عملية جديدة في منتصف مارس/آذار حملت الاسم الرمزي “عملية الفارس الخشن” (Operation Rough Rider). وخلال هذه الحملة، استهدفت الضربات الجوية التي أمرت بها إدارة ترامب أكثر من ألف موقع، من بينها بنى تحتية مدنية حيوية، مثل منشآت نفطية في ميناء رأس عيسى.

 

حلّ انعدام الأمن في البحر الأحمر يتطلب مقاربة غير عسكرية

على الرغم من المليارات التي أُنفقت وتكرار جولات الضربات الجوية، فإن عشرين عامًا من النهج الأميركي القائم على أولوية الحلول العسكرية في اليمن لم تنجح في تحقيق نتائج مستدامة من شأنها تعزيز الاستقرار، أو تقليص التهديدات الأمنية، أو دعم منظمات المجتمع المدني اليمني، أو إحلال السلام في البلاد. وبينما لم يعد الحوثيون – في وقت كتابة هذا التقرير – يهاجمون السفن الأميركية، إلا أنهم لا يزالون يُشكّلون تهديدًا على نطاق أوسع في منطقة البحر الأحمر، وعلى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك من خلال إطلاق صواريخ باليستية على إسرائيل. في المقابل، لا تزال الأوضاع داخل اليمن تتسم بالتوتر الشديد والهشاشة الأمنية.

وبدلًا من الاستمرار في استخدام القوة لمعالجة هذه الأزمة المستمرة، ينبغي على إدارة ترامب أن تدعم الجهود اليمنية لتحقيق السلام ومعالجة جذور انعدام الأمن والنزاع المسلح. ويعني هذا التحوّل في الاستراتيجية اعتماد مقاربة سلمية قائمة على الوسائل الدبلوماسية، وتوظيف النفوذ الأميركي للوصول إلى وقف لإطلاق النار، واستثمار التغيّرات الإقليمية لدفع العملية السياسية، ودعم اليمنيين في الانتقال من الهدنة إلى اتفاق سلام شامل وتشاركي، إلى جانب الاستثمار في المجتمع المدني اليمني وتعزيز الحكم الرشيد القائم على الشفافية والمساءلة والشمولية.

ولا يمكن اعتبار هذا التحوّل علامة ضعف أو تراجع، بل هو اعتراف واقعي بأن تكرار أخطاء العقدين الماضيين لن يفضي إلى نتائج مختلفة. فرغم التفوّق التكنولوجي الأميركي وتخصيص موارد ضخمة، واصل الحوثيون هجماتهم على السفن الأميركية. وقد وصفت البحرية الأميركية نيران الحوثيين بأنها “أطول مواجهة قتالية يخوضها بحّارتها منذ الحرب العالمية الثانية”.

وبدلًا من ردعهم، بدا أن الحوثيين “يستمتعون” بتلك الضربات الجوية، والتي استخدموها كأداة دعائية لتجنيد وتدريب أكثر من 200 ألف مقاتل جديد. وتُظهر قدرتهم على مواصلة القتال رغم القصف المكثف أنه إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى إلحاق ضرر بالغ كفيل بإضعافهم فعليًا، فإن الأضرار الجانبية ستكون هائلة، وربما غير مقبولة أخلاقيًا، إن لم تكن قانونيًا.

والتحوّل في الاستراتيجية من شأنه أن يتجنّب هذه الإشكالية، ولن يكون هذا التغيير غريبًا أو غير مألوف بالنسبة للمسؤولين والمحللين الأميركيين. فعلى مدار سنوات، شدّدت الوثائق الاستراتيجية الرسمية على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للهشاشة وانعدام الأمن، والعمل على بناء أسس الحوكمة القادرة على الصمود، وذلك من خلال تعزيز المساءلة ودعم الممارسات الديمقراطية.

وما تحتاج إليه الحكومة الأميركية الحالية هو تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع، بالتوازي مع تقديم دعم أكبر للجهود السلمية التي يقودها اليمنيون أنفسهم.

 

تحقيق الاستقرار في اليمن يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي

رغم أن مصالح الولايات المتحدة في اليمن قد تبدو بعيدة جغرافيًا وغير مباشرة، فإن استمرار الصراع هناك يفاقم حالة عدم الاستقرار في منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة. فالتوترات التي تؤجج الحرب في اليمن – من التنافس الإقليمي إلى التدخلات الخارجية – تساهم في زيادة هشاشة المنطقة وتعرّض المصالح الأميركية للخطر.

وفي حال أدى النهج الحالي إلى تصعيد جديد مع الحوثيين، فإن من المرجّح أن تتسع رقعة العنف داخل اليمن وتتفاقم الأزمة الإنسانية، مما يُضعف احتمالات التوصّل إلى تسوية سلمية ويزيد من تعقيد جهود مكافحة الإرهاب. وعلى المدى الطويل، فإن استثمارًا أكثر استراتيجية في مسار السلام في اليمن سيُسهم في تقليص التهديدات العابرة للحدود، مثل القرصنة، وتهريب الأسلحة، والاتجار بالبشر، والتهديدات التي تستهدف حركة الملاحة العالمية.

وبدلًا من مواصلة المقاربة العسكرية المكلِفة وغير المجدية، على إدارة ترامب أن تُعيد توجيه جهودها نحو دعم تسوية شاملة بقيادة يمنية، بإشراك جميع الأطراف الفاعلة، وتوفير الموارد المطلوبة لتعزيز قدرات المجتمع المدني، وبناء مؤسسات شرعية، وتشجيع المساءلة والشفافية. كما يجب على واشنطن أن تعمل مع الشركاء الإقليميين، مثل سلطنة عُمان والسعودية، لدفع العملية السياسية وتحقيق نتائج ملموسة.

وبينما لا يمكن إنكار التحديات التي تنطوي عليها مثل هذه المقاربة، فإن التحوّل من التركيز على القوة العسكرية إلى دعم بناء السلام هو الخيار الوحيد الواقعي والمستدام. وقد آن الأوان للولايات المتحدة أن تتعلّم من دروس الماضي، وتعيد صياغة دورها في اليمن بما ينسجم مع مبادئها المُعلَنة ومصالحها القومية طويلة الأمد.

 


التعليقات