تحليل: من مواجهة الحوثيين إلى حسابات بكين: قراءة في اختبارات الدفاع البحري الأمريكي
يمن فيوتشر - بزنس إنسايدر- ترجمة خاصة الأحد, 08 يونيو, 2025 - 11:31 مساءً
تحليل: من مواجهة الحوثيين إلى حسابات بكين: قراءة في اختبارات الدفاع البحري الأمريكي

وفّر الاشتباك المُنهِك الذي تخوضه البحرية الأمريكية ضد الحوثيين المدعومين من إيران رؤية أوضح للمخططين العسكريين الأمريكيين حول تعقيدات عمليات الدفاع الجوي عالية الوتيرة.

فالصراع الدائر في البحر الأحمر – الذي دخل الآن شهره الثاني من وقف إطلاق النار – شكّل ضغطًا هائلًا على البحرية الأمريكية، منهكًا أطقم السفن الحربية، ومستنزفًا كميات كبيرة من الذخائر الحيوية. وعلى الرغم من أن هذه المواجهة شكّلت تحديًا حقيقيًا، إلا أن قادة في سلاح البحرية يرون أنها لا تمثل سوى لمحة أولية عمّا قد تبدو عليه حرب مستقبلية مع الصين، التي تمتلك ترسانة صاروخية أكثر تطورًا وتعقيدًا بكثير من تلك التي يملكها المتمردون اليمنيون.

ولا تقتصر المسألة على الصواريخ فحسب؛ بل إن هناك مجموعة من العوامل التي من شأنها أن تجعل أي مواجهة محتملة مع الصين أكثر صعوبة بكثير. ومع ذلك، تستخلص البحرية الأمريكية دروسًا مهمة من تجربة البحر الأحمر، قد تُشكّل أساسًا يُبنى عليه في صراع مقبل أكثر تعقيدًا.

وقال القائد كاميرون إنغرام، قائد المدمرة الأمريكية “يو إس إس توماس هادنر” (من طراز “أرلي بيرك”)، خلال حديثه لموقع “بزنس إنسايدر” على متن السفينة أثناء مرورها مؤخرًا عبر القنال الإنجليزي: “من نواحٍ كثيرة، يُشبه الصراع في البحر الأحمر معركة بالسكاكين داخل كشك هاتف.”

وأضاف موضحًا: "الطبيعة الجغرافية هناك ضيقة للغاية، والتعامل مع تضاريس مماثلة بالقرب من أراضٍ تسيطر عليها الصين سيكون بالغ الصعوبة.”

وتابع: “ستكون مواجهة طويلة المدى إلى حدّ كبير، كما أن قدراتهم في الرصد والتعقّب بعيدة المدى أكثر تقدمًا بكثير. كذلك، فإن مجتمعهم الاستخباراتي متطوّر إلى حدّ كبير، وهناك تعقيدات وتحديات إضافية تجعل من أي مواجهة محتملة مع الصين أمرًا بالغ التعقيد.”

فمنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنّ الحوثيون مئات الهجمات باستخدام الصواريخ والطائرات المُسيّرة ضد إسرائيل، وضد طرق الشحن البحري الدولية قبالة سواحل اليمن، لا سيما في البحر الأحمر وخليج عدن.

وقد قامت السفن الحربية والطائرات الأمريكية العاملة في تلك المنطقة بإسقاط العديد من هذه التهديدات الحوثية — من الطائرات المُسيّرة إلى الصواريخ المضادة للسفن — ضمن عمليات دفاعية لحماية نفسها، والدفاع عن إسرائيل والسفن التجارية. وتُعدّ “توماس هادنر” من بين السفن الأمريكية التي حققت إصابات مؤكدة في تلك الاشتباكات.

لكن هذه العمليات الاعتراضية، التي غالبًا ما تستدعي استخدام صواريخ تبلغ قيمتها ملايين الدولارات لإسقاط طائرات مُسيّرة لا تتجاوز قيمتها بضعة آلاف، تسببت في استنزاف مخزون الولايات المتحدة من الذخائر، وأثارت قلقًا متزايدًا بشأن جاهزية القوات الأمريكية لخوض نزاعات محتملة في المستقبل.

وفيما يتعلق بالصين، التي تُوصف على نطاق واسع بأنها “الخصم الاستراتيجي المتسارع للولايات المتحدة”، فإن قدرات الدفاع الجوي البحري تُعد أولوية قصوى، إذ يُرجّح أن أي نزاع محتمل معها سيجري في المقام الأول ضمن نطاق بحري واسع.

تحتفظ الصين بترسانة قوية من الأسلحة المضادة للسفن، تشمل صواريخ باليستية وصواريخ كروز، تتفوق بدرجات كبيرة على ما يستخدمه الحوثيون في البحر الأحمر. وهو ما يجعل من الضروري أن تمتلك البحرية الأمريكية مخزونًا كافيًا من صواريخ الاعتراض الدفاعي. ومع ذلك، فقد استُهلكت بالفعل مئات الصواريخ في مواجهة الجماعة المتمردة.

وأوضح القائد إنغرام أن أي حرب محتملة مع الصين ستكون بالغة الصعوبة والتعقيد بالنسبة للبحرية الأمريكية، نظرًا لتفوّق بكين في مجال التسليح المتقدم، والرصد والتعقّب بعيد المدى، إضافة إلى إمكاناتها الاستخباراتية المتطورة.

وقال إنغرام: “ذلك النوع من البيئات القتالية سيتطلّب خوض الحرب على مستوى مختلف كليًا”، مضيفًا أن المواجهة مع الصين ستجري على مسافات أبعد بكثير من تلك التي شهدتها البحرية في البحر الأحمر.


الدروس المستفادة
اكتسبت البحرية الأمريكية قدرًا كبيرًا من الخبرة في مجال الدفاع الجوي من خلال الصراع في البحر الأحمر، حيث خضعت لاختبارات غير مسبوقة في مواجهة تهديدات خطيرة، من بينها الصواريخ الباليستية المضادة للسفن.

وقد أثنى القائد إنغرام على نظام القتال “إيجيس” (Aegis Combat System)، الذي يستخدم أنظمة حوسبة ورادارات متطورة لمساعدة السفن الحربية على تتبّع الأهداف واعتراضها، مشيرًا إلى أن أداء النظام “فاق غالبية التوقعات من حيث نسب النجاح في الاشتباكات”.

كما قدّم الصراع في البحر الأحمر دروسًا مهمة للبحرية الأمريكية فيما يخص سعة الذخيرة المخزنة، وقدرات إعادة التذخير، ومستوى الجاهزية اللوجستية للمخزونات القتالية. ونتيجة لهذه التجربة، عدّلت البحرية قواعد الاشتباك المتعلقة باستخدام الذخيرة، وأعادت النظر في كمية السلاح التي ينبغي استخدامها لتحييد التهديدات المختلفة.

ومن أبرز مجالات التركيز حاليًا، تقليص الفجوة بين كلفة الهجوم وكلفة الدفاع في مهمات الدفاع الجوي. إذ إن استخدام صاروخ من طراز “ستاندرد 2” بقيمة 2.1 مليون دولار لاعتراض طائرة مُسيّرة لا تتجاوز قيمتها 20 ألف دولار، ليس حلًا اقتصاديًا على المدى الطويل. ومع ذلك، يرى إنغرام أن الأمر قد يكون مبررًا إذا كان الهدف هو حماية سفينة حربية تبلغ قيمتها ملياري دولار ومئات الأرواح على متنها. التحدي الحقيقي يكمن في استدامة هذا النهج في حال استمرار النزاعات.

وقد أظهرت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو خلال عملياتهم في البحر الأحمر قدرتهم على استخدام بدائل دفاعية أقل تكلفة لاعتراض تهديدات الحوثيين. فعلى سبيل المثال، استخدمت الطائرات الأمريكية المقاتلة صواريخ موجهة منخفضة الكلفة في عمليات الاعتراض. وأكد إنغرام أن البحرية تعمل حاليًا على تقليص الفجوة بين كلفة التهديد وكلفة صاروخ الاعتراض، “سعيًا للوصول إلى نقطة توازن أكثر إنصافًا”.

وأضاف إنغرام أن هناك اهتمامًا متزايدًا يُوجّه نحو المدافع السطحية من عيار خمس بوصات (5-inch deck guns) المثبتة على السفن الحربية، نظرًا لما تمتاز به من سعة ذخيرة أكبر بكثير مقارنةً بأنابيب إطلاق الصواريخ في المدمرات، وقد أثبتت هذه المدافع فعاليتها كوسيلة دفاع جوي في ساحة العمليات بالبحر الأحمر.

وقال: “إذا كان بوسعي أن أبقى في المعركة وقتًا أطول باستخدام قذائف العيار خمسة بوصات، خاصةً ضد الطائرات المُسيّرة، فربما يجدر بي أن أفعل ذلك، وأن أحتفظ بأنظمة الأسلحة الأعلى تكلفة والأكثر تطورًا لمواجهة تهديدات أكبر.”

وأشار إلى أن إعادة التذخير تُعدّ مسألة حاسمة. فالسفن الحربية الأمريكية تضطر للعودة إلى موانئ صديقة مزودة بالمخزون اللازم لتزويدها بالصواريخ، وهو ما يستغرق وقتًا ثمينًا ويُبقي السفن خارج مناطق العمليات لفترات طويلة — وهو أمر قد يُشكّل مشكلة كبيرة في حال اندلاع نزاع عالي الوتيرة في المحيط الهادئ. ومع ذلك، تسعى البحرية إلى سد هذه الفجوة من خلال تعزيز قدراتها على إعادة التذخير في عرض البحر، وهو مجال شهد مؤخرًا تجارب ناجحة أولى.

ووصف إنغرام تجربة البحر الأحمر بأنها “قصة نجاح واضحة في مجال الدفاع الجوي”، مشيرًا إلى أن ما تحقق قد يؤثر في حسابات الصين وتخطيطها العسكري. وعلى الصعيد الداخلي، عزز الصراع من ثقة البحرية الأمريكية بأنظمتها التسليحية، وسرّع من تطوير تكتيكاتها وأساليبها وإجراءاتها القتالية.

واختتم إنغرام حديثه قائلًا: “من الصعب التنبؤ بما سيحمله المستقبل، لكنني أعتقد أن هناك الكثير مما يجب على الجميع أخذه بعين الاعتبار بناءً على ما شهدناه في البحر الأحمر خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية وما يزيد.”

الرابط ادناه لقراءة المادة من موقعها الأصلي: 

 


التعليقات