تقرير: الحق في التدين والاختيار..حجر الزاوية في منظومة حقوق الإنسان
يمن فيوتشر - Eohm -لؤي العزعزي السبت, 26 أبريل, 2025 - 01:15 مساءً
تقرير: الحق في التدين والاختيار..حجر الزاوية في منظومة حقوق الإنسان

يُشكل الحق في التدين والاختيار إطارًا قانونيًا دوليًا راسخًا يضمن حرية الفكر والضمير والدين. يشمل حرية اعتناق أو تغيير الدين والمعتقد، وممارستهما فرديًا أو جماعيًا، علنًا أو سرًا.


الحق في التدين

تؤكد المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الحق في التدين كحق أساسي.. مع توضيح القيود الممكنة لحماية النظام العام والآداب وحقوق الآخرين. يعزز إعلان الأمم المتحدة لمناهضة التعصب والتمييز القائمين على الدين أو المعتقد (1981) هذه الحريات. ويضع معايير واضحة لأي قيود ضرورية.

يستند الحق في التدين والاختيار إلى صميم كرامة الإنسان وحريته الجوهرية في تكوين قناعاته الروحية والفكرية دون إكراه. يُعد هذا الحق حجر الزاوية في بناء مجتمعات تحتضن التنوع الثقافي وتعزز التسامح. فمنذ تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، سعى المجتمع الدولي بشكل متواصل لتقنين هذا الحق عبر مختلف الصكوك الدولية والإقليمية، بهدف حماية الحرية الدينية ومنع نشوب النزاعات الناجمة عن التعصب الديني.

الأُسس القانونية للحق في التدين والاختيار 
– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
تنص المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر 1948) بوضوح على أن:

“لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير دينه أو اعتقاده، وحرية إظهار دينه أو اعتقاده بالتعبد والممارسة والتعليم والنشر، بمفرده أو مع جماعة، علانية أو سرًا.”

– العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) في مادته 18 على الحق في حرية الفكر والضمير والدين، وحرية اختيار أو تغيير الدين أو المعتقد. ويضع العهد قيودًا محددة على ممارسة هذه الحقوق، حيث يجيز فرض قيود “بمقتضى القانون وتكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.” وقد أوضحت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 22 أن المادة 18 تحمي طيفًا واسعًا من المعتقدات، بما في ذلك المعتقدات التوحيدية وغير التوحيدية والإلحاد، والحق في عدم الاعتراف بأي دين.

 

صكوك دولية أخرى:
يُعد إعلان مناهضة التعصب والتمييز القائمين على الدين أو المعتقد (1981) أداة دولية مهمة أخرى تعمل على توسيع نطاق الحماية ليشمل منع الإكراه على اعتناق معتقد معين، وضمان حرية تغيير الدين أو المعتقد وممارسته. كما تقر الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (1950) في مادتها 9 بحرية الفكر والضمير والدين، وتضع قيودًا مماثلة لتلك المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

 

أهمية الحق في التدين والاختيار:
للحق في التدين والاختيار أهمية قصوى في بناء مجتمعات سليمة ومزدهرة، فهو يُسهم في:

تعزيز التعددية الثقافية والتعايش السلمي: يتيح هذا الحق التعايش السلمي بين مختلف الجماعات الدينية وغير الدينية، مما يقلل من احتمالية نشوب نزاعات قائمة على التعصب.
تمكين التعبير عن الهوية الروحية والأخلاقية: يوفر للأفراد إطارًا للتعبير عن ذواتهم الروحية والأخلاقية، ويعزز الأسس الروحية والأخلاقية للمجتمع من خلال “التعاون بين الإيمان والحقوق”، كما يؤكد إطار “Faith for Rights” التابع لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
تيسير التواصل والتضامن: تتيح المادة 18 حرية التواصل والتجمع السلمي لممارسة الشعائر الدينية، مما يعزز الروابط والتضامن بين المؤمنين.


تحديات وتهديدات
على الرغم من الإطار القانوني الدولي القوي، لا يزال الحق في التدين والاختيار يواجه تحديات وتهديدات خطيرة في مختلف أنحاء العالم. تتضمن هذه التحديات:

الاضطهاد والاعتقالات بسبب المعتقد: كما هو الحال في نيجيريا. يتعرض الملحدون والمنشقون عن الدين للاضطهاد والاعتقال بموجب قوانين التجديف.
تجريم حرية التعبير والفكر والدين: كما يُشير مشروع القانون السعودي المسرّب الذي انتقدته منظمة العفو الدولية. والذي يجرم التعبير عن الآراء المخالفة والمعتقدات الدينية.
التمييز والاضطهاد ضد الأقليات الدينية: تستمر منظمات حقوق الإنسان في توثيق حالات التمييز والاضطهاد ضد الأقليات الدينية في العديد من البلدان. بما في ذلك حظر بعض الجماعات على أساس عدم التسجيل الرسمي أو تعرضهم للعنف.


الآليات الدولية والوطنية للحماية:
توجد آليات دولية ووطنية متنوعة تهدف إلى حماية الحق في التدين والاختيار وتعزيزه:
المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد: يقوم برصد الانتهاكات وتقديم توصيات للدول الأعضاء.
لجنة حقوق الإنسان: تتلقى تقارير دورية من الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وتنظر في شكاوى الأفراد بشأن انتهاكات المادة 18.
الدساتير والتشريعات الوطنية: تبنت العديد من الدول مبدأ حرية الدين والضمير في دساتيرها. وسنت تشريعات تجرم التمييز الديني وتضمن تنفيذ المعايير الدولية.
المجتمع المدني والمؤسسات الدينية: تلعب منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية دورًا حيويًا في رصد الانتهاكات. والدعوة إلى احترام حرية الدين والمعتقد وتعزيز ثقافة التسامح.
يظل الحق في التدين والاختيار حجر الزاوية في حماية كرامة الإنسان وتعزيز التعايش السلمي في المجتمعات المتنوعة. إن التطبيق الفعال لهذا الحق يتطلب التزامًا راسخًا من الدول بالصكوك الدولية.. وتطوير آليات وطنية فعالة للرقابة والمساءلة.. وإشراك المجتمع المدني والمؤسسات الدينية في جهود ترسيخ ثقافة التسامح والاحترام المتبادل. إن ضمان حرية الروح والعقل هو مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع الدولي بأكمله.


التعليقات