تقرير: ستارلينك في اليمن.. ثورة رقمية أم تهديد أمني؟
يمن فيوتشر - جلوبال فيوسيز: الثلاثاء, 22 أبريل, 2025 - 04:53 مساءً
تقرير: ستارلينك في اليمن.. ثورة رقمية أم تهديد أمني؟

مع دخول خدمة الإنترنت العالي السرعة، المعروفة “ستارلينك” التابعة لإيلون ماسك، إلى اليمن، واعدةً بإحداث ثورة في عالم الاتصال والتواصل للمجتمعات المتضررة من الحرب والمحرومة من الخدمات، يخشى الكثيرون من وصول هذه الخدمة على حساب خصوصية البيانات والمراقبة وكونها بمثابة مناورة جيوسياسية وسط التوترات المتزايدة في البحر الأحمر.

 

رداءة الاتصال بالشبكة
عانى اليمنيون على مدى سنوات من خدمة إنترنت ضعيفة، الأبطأ والأكثر تكلفة والأقل موثوقية في العالم. في حين كانت البنية التحتية للاتصالات في البلاد ضعيفة في الأصل، أصيبت بالشلل بسبب الحرب والأزمات الإنسانية المستمرة منذ قرابة العقد. حتى يناير/كانون الثاني 2024، كان 17.7 في المئة فقط من سكان اليمن، البالغ عددهم 34.83 مليون نسمة، يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الإنترنت.
في عام 2014، استولت جماعة أنصار الله، المعروفة أيضًا باسم الحوثيين، على السلطة في شمال اليمن حيث تعيش الغالبية العظمى من السكان، وسيطرت على شبكات الاتصالات التي تديرها الدولة، وفرضت ضوابط صارمة على المعلومات، من بينها الانقطاع المتكرر للإنترنت، والمراقبة المكثفة للمعارضين، والرقابة على الأخبار ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن الحد من التواصل مع الأصدقاء والأسرة والتعلم عبر الإنترنت والعمل عن بُعد والفرص الاقتصادية.
عن الإحباط إزاء هذا الوضع، يقول الصحافي غمدان الذي يعمل لصالح وسيلة إعلامية محلية في الحديدة:

 

 

اضطررت إلى الانتقال من الحديدة إلى صنعاء لمجرد التمكن من استخدام إنترنت أفضل. الاتصال بالشبكة في مدينتي غير مستقر بتاتًا ولا يمكن التعويل عليه، كما أنه يتعطل باستمرار بسبب الاشتباكات في الميناء. وغالبًا ما تقطع السلطات الإنترنت – إما لمعاقبة السكان أو لمنعنا من نشر المعلومات. وقد أصبح من المستحيل القيام بعملي. كان تحميل الصور صراعًا بحد ذاته، والوصول إلى المعلومات في الوقت المناسب بدا وكأنه معركة شاقة.

 

هل تتغير قواعد اللعبة؟
في يناير/كانون الثاني 2024، أصبحت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، التي تسيطر على جنوب اليمن فقط، أول حكومة في المنطقة توقع اتفاقية ترخيص مدتها خمس سنوات مع ستارلينك من شركة إيلون ماسك المعروفة “سبايس إكس“. ومن المقرر أن ينتهي العقد في 1 يناير/كانون الثاني 2029، مع إمكانية تجديده حينذاك، وهو يمثل علامة تاريخية في معركة اليمن الطويلة من أجل دخول العالم الرقمي.
تتطلب خدمة ستارلينك مجموعة أقمار صناعية بسعر 389 دولارًا أمريكيًا تتضمن طبقًا وجهاز توجيه (راوتر)، ويتراوح الاشتراك الشهري بين 35 و50 دولارًا، تبعًا للموقع والاستهلاك. بخلاف الإنترنت التقليدي بالألياف الضوئية أو الهاتف المحمول، تعمل ستارلينك عبر الأقمار الصناعية، ما يتيح الاتصال بالشبكة حتى في المناطق النائية والمتأثرة بالنزاع حيث تكون البنية التحتية إما متضررة أو معدومة.

للمرة الأولى، يمكن لليمنيين، في الجنوب، الوصول إلى إنترنت عالي السرعة عبر الأقمار الصناعية دون قيود، متجاوزين الشبكات التي تسيطر عليها الحكومة.
بالنسبة للشباب اليمني، سوف تتسنى لهم فرص غير مسبوقة. إذ يمكن للطلاب الوصول إلى الموارد التعليمية العالمية، ويمكن للشركات فتح فرص اقتصادية جديدة.
“أحمد، مطور برمجيات في تعز يبلغ من العمر 24 عامًا، يقول في هذا السياق: “يمنحنا ستارلينك فرصة للعمل والتعلم والتواصل مع العالم. قد يبدو الأمر بديهيًا بالنسبة لمعظم العالم، ولكن في اليمن، كان التواصل السريع حلمًا. بالاتصال المستقر بالشبكة، يمكنني الآن التقدم لوظائف عن بُعد والعمل بدون انقطاع مع العملاء في الخارج – وهو أمر كان شبه مستحيل في السابق”.
في بلد يحتاج فيه أكثر من 80 في المئة من السكان إلى المساعدات الإنسانية، من شأن تحسين الوصول إلى الإنترنت أن يمنح القدرة على تغيير شكل الاتصالات والمساعدة في تنسيق جهود الإغاثة بشكل أكثر فعالية.
لكن مع اكتساب ستارلينك زخمًا في اليمن، وجد العديد من اليمنيين – غير القادرين على تحمل تكاليف المعدات الباهظة الثمن والاشتراك الشهري – طرقًا بديلة للوصول إلى الخدمة.
فقد بدأت الشركات الصغيرة والأفراد المغامرون بتوفير إمكانية الوصول المشترك إلى الخدمة. وعلى غرار الطريقة التي كانت تعمل بها مقاهي الإنترنت في السابق، يمكن للمستخدمين الآن شراء القسائم التي توفر لهم الوصول إلى خدمات ستارلينك العالية السرعة لفترة زمنية محددة مقابل المال. وقد أدى ذلك إلى ظهور قطاع أعمال غير رسمي جديد، حيث يستفيد رواد الأعمال من إعادة بيع خدمات الاتصال.

يوضح فهمي، وهو مدرب رقمي مقيم في تعز: “الناس بحاجة ماسة إلى إنترنت مستقر، وقد أصبح ستارلينك الحل المفضل. في غضون بضعة أشهر فقط، شهدنا ظهور مجتمعات كاملة على فيسبوك يتشارك الأشخاص عبرها النصائح حول مكان شراء مجموعات ستارلينك، وكيفية تركيبها، وحتى كيفية تقليل التكاليف من خلال تشارك الاشتراكات”.

 

الجدال الاقتصادي والأمني والسياسي

إذا كانت خدمة ستارلينك أشبه بطوق نجاة للكثيرين، يحذر آخرون من أنها قد ترتّب مخاطر أمنية وسياسية جسيمة. ففي بلد مزقته الصراعات، يرتبط الوصول إلى الإنترنت بالقوة والسيطرة أيضًا.
فقد أدانت حكومة الحوثيين في صنعاء بشدة صفقة ستارلينك، واعتبرتها “خطيرة” و”تشكل انتهاكًا للسيادة اليمنية”، مجادلة بأن الخدمة تشكل “تهديدًا مباشرًا للأمن القومي”، بحيث تعرّض النسيج المجتمعي للخطر وتقوض قدرة الحكومة على حماية خصوصية المواطنين وبياناتهم.
وقد حظر الحوثيون رسميًا ستارلينك، وحذروا السكان من استخدام الخدمة وتعهدوا باتخاذ “الإجراءات اللازمة” لحماية سيادة البلاد – وهذا تهديد مبطن لأي شخص يُقبض عليه وهو يستخدم الشبكة.

في الواقع، اتهم الحوثيون ستارلينك بأنها أداة للتجسس، زاعمين أنه يمكن استخدامها لتتبع التحركات العسكرية اليمنية، ومراقبة معاقل المتمردين، وتحديد مواقع إطلاق الهجمات الصاروخية في البحر الأحمر. وربط المسؤول الحوثي محمد البخيتي بشكل مباشر إطلاق ستارلينك كونها “حرب من الولايات المتحدة على اليمن”.
كما سلّط منتقدون آخرون الضوء على أن الدولة تعاني من ضائقة مالية وستُحرم من الإيرادات التي هي بأمس الحاجة إليها من قطاع الهاتف المحمول والاتصالات، والتي ستؤول إلى ستارلينك.
في الوقت نفسه، سارعت السفارة الأمريكية في اليمن إلى الإشادة بهذه الخطوة باعتبارها “محطة بارزة” في عالم الاتصال في البلاد.

 

أداة للمراقبة الأميركية؟
إنّ الخوف من التجسس وانتهاك أمن البيانات حقيقي. فمن الممكن استخدام المعلومات التي يتم جمعها عبر إنترنت الأقمار الصناعية لاستقاء لمعلومات الاستخباراتية أو للاستغلال الاقتصادي.
بموجب قانون CLOUD، تتمتع حكومة الولايات المتحدة بصلاحية الوصول إلى البيانات المخزنة من قبل الشركات الأمريكية، بما فيها سبايس إكس، بدون الحاجة إلى موافقة المستخدم أو السلطات المحلية. وهذا يعني أن الوكالات الأمريكية تستطيع الوصول إلى بيانات المستخدمين اليمنيين – بما يشمله ذلك من الاطلاع على أنشطة التصفح وصولًا إلى تتبع الموقع – ما يثير مخاوف من التجسس والمراقبة والاستغلال الاقتصادي.
على الرغم من تهديدات الحوثيين بفرض عقوبات صارمة على المخالفين، تنتشر ستارلينك بسرعة في شمال اليمن نتيجة الطلب الهائل على الإنترنت العالي السرعة وغير المقيد، وذلك بشكل أساسي من خلال الأجهزة المهربة من سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية المجاورتين ونقاط الوصول المشتركة.
ركان شخصٌ يدير أكثر من 20 مجموعة خاصة بستارلينك على مواقع التواصل الاجتماعي ولها آلاف المتابعين، ويعمل على تسهيل الوصول إلى ستارلينك في شمال اليمن، حيث تم حظر الخدمة رسميًا. وقد تحدث باسم مستعار لحماية هويته، واصفًا تجربته مع التهريب وتركيب أجهزة ستارلينك:

 

 

الأمر محفوف بالمخاطر، لكن الناس يتطلعون بيأس إلى خدمة إنترنت مستقرة. ليتنا لم نضطر للذهاب إلى هذا المدى، لكن الحوثيين لم يتركوا لنا خيارًا آخر. إنهم يحكمون بالترهيب. يرسلون رسائل مخيفة تحذر الناس من استخدام ستارلينك. إذا اكتشفوا أنك تستخدمه، قد يتم ابتزازك أو زجّك في السجن أو ربما أسوأ من ذلك.


تعمل هذه المجموعات كأنظمة دعم سرية لتساعد اليمنيين على التغلب على تعقيدات الحصول على ستارلينك واستخدامها سرًّا.

 

ثورة تكنولوجية أم حصان طروادة؟
ما يزيد استخدام ستارلينك في اليمن تعقيدًا هو الخلفية السياسية لمؤسسها الملياردير إيلون ماسك المثير للجدل. فدوره العلني في إدارة ترامب الجديدة، ودعمه للأيديولوجيات اليمينية المتطرفة، وانخراطه في نظريات المؤامرة، وسلوكه المتقلب على وسائل التواصل الاجتماعي، كلها أثارت انتقادات حادة تجاه توسع ستارلينك في مناطق الصراع.
ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها ماسك لتوفير الوصول إلى الإنترنت في مناطق الحرب أو الأزمات الإنسانية. على أثر الضغوط الدولية، قام بتفعيل ستارلينك فوق أجزاء من غزة بعد تدمير إسرائيل لشبكات الاتصالات في القطاع في وقت مبكر من الحرب. على النحو نفسه، أدت ستارلينك دورًا مهمًا في أوكرانيا، حيث تم استخدامها لدعم الاتصالات المدنية والعسكرية في أعقاب الغزو الروسي للبلاد.
تثير عمليات ستارلينك في المناطق الحساسة سياسيًا تساؤلات حول ما إذا كانت الخدمة تستخدم كأداة لمصالح استراتيجية أمريكية أوسع. في سوريا، وعلى الرغم من غياب أي خدمة رسمية، يمكن الوصول إلى ستارلينك. في الوقت نفسه، وردت ادعاءات في إيران بأن المنشقين استخدموا ستارلينك خلال احتجاجات 2022 لتجاوز الرقابة الحكومية وتنظيم المظاهرات والتواصل مع العالم الخارجي.
إذا فشل قطاع الاتصالات الوطني في اليمن في تحسين الخدمة وخفض الأسعار، سوف يلجأ المواطنون بشكل متزايد إلى ستارلينك، ما يزيد من الاعتماد على البنية التحتية الرقمية التي يسيطر عليها الخارج، وربما يتم التنازل عن السيطرة على البيانات لصالح جهات فاعلة خارجية.
في حين تشكل ستارلينك انفراج مذهل في إمكانية الوصول الرقمي، فإن آثارها تتجاوز نطاق الاتصال – بحيث تثير أسئلة ملحة حول دور الشركات الخاصة في التحكم بالوصول إلى المعلومات، ومخاطر التجسس، والسيادة الاقتصادية، وأمن البيانات، والتأثير الجيوسياسي.

 

لقراءة المادة من موقعها الأصلي:

https://ar.globalvoices.org/2025/04/22/90309/


التعليقات