الرشوة في المكاتب الإدارية في اليمن عُرفٌ لإنجاز المعاملات الرسمية، وتعرف باسم "حق القات"، المبلغ الخاص بشراء النبتة الشهيرة، والذي يختلف بحسب المنفعة المنشودة
توجّه عمر السيد إلى مكتب مصلحة الأحوال الشخصية والسجل المدني في مدينة تعز اليمنية لاستخراج بطاقة هوية شخصية. وخلال إنجازه المعاملة الضرورية، فوجئ بأن أحد الضباط العاملين في المصلحة رفض التوقيع على استمارة الطلب إلا إذا حصل على "حق القات"، فاضطر عمر إلى دفع مبلغ عشرة آلاف ريال (4.5 دولارات)، ثم واصل إجراءات استخراج بطاقة الهوية التي استلزمت أيضاً دفعه مبلغاً مالياً لكل موظف قصده للتوقيع على الوثائق الرسمية المطلوبة.
يقول عمر لـ"العربي الجديد": "جئت إلى مصلحة الأحوال الشخصية في تعز لاستخراج بطاقة شخصية كي أستطيع الحصول على جواز سفر، لأن لدي رحلة عمل إلى السعودية، ولا بدّ من أن أستخرج بطاقة شخصية وجواز سفر. ورغم أن رسم استخراج البطاقة وفق القانون هو 15 ألف ريال (6.5 دولارات)، دفعت 90 ألف ريال (39 دولاراً)، لأن أي موظف قصدته لتوقيع أوراق معاملة استخراج البطاقة طلب مني حق القات. ونتيجة حاجتي الملحة لاستخراج البطاقة كي أسافر إلى الخارج، اضطررت إلى أن أدفع مبالغ مالية لجميع الموظفين".
يُطلق اسم "حق القات" على عرف الرشوة في المكاتب الإدارية باليمن، ويعني المبلغ الخاص بشراء القات (نبتة يمضغها الرجال والنساء يومياً لساعات ضمن العادات الاجتماعية). وهذا المبلغ المالي لا يشمل موظفي مكاتب الإدارات الرسمية وحدهم، بل أيضاً وزراء ومحافظين ووكلاء وكبار موظفي الدولة الذين يمررون صفقات فساد كبرى مقابل الحصول على مبالغ مالية ضخمة.
يقول محمد مهيوب الذي يعمل في قطاع المقاولات لـ"العربي الجديد": "أضطر كمقاول إلى دفع مبالغ مالية كبيرة كي أكسب مناقصات، ففي اليمن لا يستطيع أي شخص أن يُنجز شيئاً من دون أن يملك علاقات شخصية مع المسؤولين الذين يضطر إلى تقديم هدايا وهبات لهم كي يذللوا الصعوبات الذي يواجهها في إنجاز معاملاته الإدارية".
و"حق القات" كناية عن طلب مبلغ مالي يكون بمثابة إكرامية مقابل إنجاز خدمة تندرج فعلياً في صلب مهمات الموظفين الرسميين. وبعد حرب صيف عام 1994 انتشرت هذه الثقافة في المحافظات الجنوبية باليمن، وبعدها في كل المحافظات.
تعرف الرشوة قانونياً بأنها الاتجار في عمل وظيفي، لذا من أهم أركانها أن يكون المرتشي متخصصاً في العمل المطلوب تنفيذه. وقد جرّمها القانون اليمني، لكن العقوبات التي حددها لا يجرى تفعيلها، علماً أن المادة رقم 156 من قانون الجزائي تنص على معاقبة الشخص الذي يقبض رشوة بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات.
تقول الباحثة الاجتماعية إصلاح عبد الملك لـ"العربي الجديد": "أصبحت الرشوة في مكاتب الإدارات الحكومية ثقافة مجتمعية يجرى تلطيفها، وأيضاً من خلال تسميتها بحق القات، ما يمنحها في نظر الراشي والمرتشي ثياب الشرعية التي تسمح بحصول الموظف عليها، ودفع المواطن قيمتها. كما أن تسميتها حق القات تجعلها بمثابة إكرامية يقدمها صاحب المنفعة للموظف الذي يساعده في تذليل إجراءات المعاملات التي يريد أن ينجزها، ويخلع عنها ثياب الحرمة والعار".
تضيف: "ساهمت عوامل عدة في ترسيخ ثقافة حق القات التي تبرر طلب الموظف الرشوة، كما أن قلّة رواتب الموظفين تجعلهم يبحثون عن وسائل أخرى للحصول على المال، وفي مقدمها استغلال الوظائف العامة. ويزيد ذلك الاستغلال وفق الموقع الذي يشغله الموظف الذي يستفيد أيضاً من غياب الرقابة والمساءلة، وعدم وجود قوانين فعّالة تجرّم حصول الموظف الحكومي بشكل أو بآخر على رشاوى". وتوضح أن ثقافة "حق القات" وانتشارها في كل الهياكل الوظيفية والمراكز الإدارية في المكاتب الحكومية زادا حجم الفساد المالي والإداري في الدولة، حيث ترسّخ الفساد كثقافة، وأصبح المجتمع ينظر إلى الرجل المتورط في هذه المخالفات على أنه ناجح، رغم أنه اختلس كميات كبيرة من الأموال حتى عبر طرق غير شرعية".