تحليل: الضربات الجوية وحدها لن تحيّد الحوثيين
يمن فيوتشر - The Hill- ترجمة خاصة الثلاثاء, 25 مارس, 2025 - 02:07 مساءً
تحليل: الضربات الجوية وحدها لن تحيّد الحوثيين

[ AFP- اسامة عبدالرحمن ]

صعّدت الولايات المتحدة حملتها العسكرية ضد جماعة الحوثي في اليمن، حيث شنت موجاتٍ من الضربات الجوية والبحرية بهدف ردع هجمات الجماعة على السفن التجارية في البحر الأحمر. ومع ذلك، وبعد شهور من القصف المستمر، لا يبدو أن الحوثيين قد تراجعوا. لا تزال هجماتهم بالصواريخ والطائرات المُسيّرة تشكل تهديدًا خطيرًا لأحد أهم الممرات البحرية في العالم.

و أكد البنتاغون مرارًا أنه لا ينوي التورط في الحرب الأهلية اليمنية المستمرة منذ سنوات، بل يركز حصريًا على تأمين المياه الدولية. لكن هذا الفصل التكتيكي يغفل عن الروابط العميقة بين تحركات الحوثيين والصراع الأوسع في اليمن، الذي يتداخل بدوره مع التنافس الإقليمي الأكبر.
و في جوهره، يمثل الحوثيون نتاج عقود من انهيار الدولة اليمنية وتفاقم الانقسامات الطائفية. فمن رحم الحكم الضعيف والانهيار الاقتصادي، برزت الجماعة وأظهرت قدرة ملحوظة على الصمود. ورغم أن الدعم الإيراني المادي واللوجستي كان عاملًا رئيسيًا في بقائها، إلا أن قدرتها على الاستمرار متجذرة أيضًا في واقع البؤس الداخلي لليمن. و يمكن للقوة الجوية الأميركية أن تدمر مخزون الأسلحة وتعطل العمليات، لكنها لا تستطيع القضاء على العوامل الاجتماعية والسياسية التي تغذي تمرد الحوثيين.
و النهج الأميركي الحالي يعيد تكرار مسار العديد من التدخلات العسكرية التي أخفقت في تحقيق نتائج سياسية حاسمة.
فمنذ عام 2015، صمد الحوثيون في وجه حملة جوية مكثفة تقودها السعودية، وتحولوا من جماعة متمردة محلية إلى منظمة عسكرية منضبطة ذات طموحات تتجاوز الحدود. و قدراتهم المتزايدة، من الصواريخ الباليستية إلى الطائرات المُسيّرة البحرية المتطورة، تكشف عن حدود فعالية القوة الجوية كأداة منفردة. ويشير التاريخ إلى أن القصف الجوي نادرًا ما ينجح في القضاء على حركات التمرد ذات الدوافع الأيديولوجية، خصوصًا تلك المتجذرة في دول فاشلة.

لا يعكس صمود الحوثيين الدعم الإيراني فحسب، بل يكشف عن الفراغ العميق في الحكم داخل اليمن. فطالما ظلت صنعاء والمناطق الشمالية معزولة اقتصاديًا وسياسيًا عن الدولة اليمنية، وبالامتداد عن مجلس التعاون الخليجي، فإن الحوثيين سيظلون قادرين على ترسيخ قبضتهم.
وكلما ازداد غرق اليمن في الكارثة الإنسانية، زادت فرص الحوثيين في استقطاب المجندين. ففي بلد لا يتجاوز فيه معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين البالغين 70% -وهو أقل بكثير من متوسط دول مجلس التعاون الخليجي البالغ أكثر من 90%- ويعتمد أكثر من 80% من سكانه على المساعدات الإنسانية، تظل الدولة اليمنية مثالًا واضحًا على الفشل المؤسسي. كما أن النسيج الاجتماعي اليمني يزداد تفككًا بفعل الفجوات الجندرية العميقة، حيث يتم تزويج أكثر من 30% من الفتيات قبل سن 18، ولا تتجاوز نسبة النساء البالغات القادرات على القراءة والكتابة 55%، مما يعوق المشاركة الاقتصادية ويكرس دوائر الفقر.
و هذه الأرقام القاتمة ليست مجرد إحصائيات مجردة، بل تعكس واقعًا ملموسًا. و بالنسبة لكثير من الشباب اليمنيين، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين حيث تغيب البدائل التي توفرها الدولة، تشكل الميليشيات مصدرًا للانضباط، والهدف، والدخل. وقد أتقن الحوثيون استغلال الفراغ الاقتصادي في اليمن، مقدمين أنفسهم كحُماة ضد العدوان الخارجي وحراس لما تبقى من النظام العام.
ورغم أن الأولوية الأميركية تتركز على حماية حرية الملاحة، فإن التهديد الحوثي يرتبط بصراع جيوسياسي أوسع. فمن منظور طهران، يمثل الحوثيون ورقة نفوذ منخفضة التكلفة وعالية الفعالية عند عتبة السعودية، وفي نقطة اختناق بحرية حيوية للتجارة العالمية. وليس لدى إيران حافز كبير لخفض التصعيد، لا سيما في ظل سعيها لتوظيف جماعاتها الوكيلة عبر الشرق الأوسط لموازنة النفوذ الغربي والخليجي.
و رغم أن إيران تُعتبر اللاعب الأبرز في دعم الحوثيين، إلا أنها ليست الجهة الوحيدة التي تملك مصالح استراتيجية في مسار الصراع اليمني. فالصين وروسيا، رغم تصويرهما في كثير من الأحيان كمراقبين غير متدخلين، تمتلكان مصالح تجارية عميقة في استقرار ممرات الشحن عبر البحر الأحمر. فأي اضطراب مستمر في هذه المنطقة لا يهدد سلاسل التوريد المرتبطة بالغرب فحسب، بل ينعكس أيضًا على مبادرة الحزام والطريق الصينية وصادرات الطاقة الروسية إلى الأسواق الآسيوية. ومن هنا، يمكن لتحالف دبلوماسي أوسع -يضم موسكو وبكين- أن يمارس ضغطًا منسقًا على إيران للحد من دعمها للحوثيين، لا سيما إذا تم تأطير القضية باعتبارها مصلحة مشتركة في حماية التجارة العالمية، بدلًا من كونها مجرد مسألة أمنية غربية.
في نهاية المطاف، إذا كانت واشنطن تسعى لتحييد التهديد الحوثي، فعليها التعامل مع جذور التفكك الداخلي في اليمن. و وجود حكومة يمنية يعتبر الحل الوحيد في تمكين  القدرة على توفير حكم رشيد وتنمية اقتصادية حقيقية يمكنها تقليص قاعدة الدعم الشعبي للحوثيين. و يمنًا ما بعد الحرب، سيعد أكثر اندماجًا في الأطر الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي، حيث سيقوم بالتركيز على الاستثمار في البنية التحتية، وخلق فرص العمل، والانخراط في الأسواق العالمية، و سيمتلك فرصة أكبر بكثير في تقويض نفوذ الحوثيين مقارنة بالاعتماد على القوة العسكرية وحدها.

تُظهر التجارب التاريخية أن غياب بديل سياسي واقتصادي قابل للحياة يعني أن الحوثيين -أو جماعات مماثلة لهم- سيستمرون في الوجود. وبالتالي، فإن التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة لا يقتصر على استنزاف قدرات الحوثيين عسكريًا، بل يمتد إلى معالجة العوامل التي تسمح ببقائهم ونموهم.
و يمكن لإدارة ترامب وشركائها اختيار مواصلة استراتيجية الاستنزاف الحالية، عبر إضعاف قدرات الحوثيين تدريجيًا بمرور الوقت. ومع ذلك، فإن الاعتماد على الضربات الجوية وحدها قد يتحول إلى نمط مكلف وغير حاسم، حيث يتم احتواء الأعراض دون معالجة جذور المشكلة. وبدون استراتيجية أوسع تدمج بين الاحتواء العسكري والمبادرات الدبلوماسية والاقتصادية، سيظل البحر الأحمر ساحة اضطراب، وسيظل الحوثيون قوة صامدة.
لذا يتعين على الإدارة الأميركية أن تتجاوز التفكير في الصواريخ، وأن تضع في اعتبارها السيناريوهات التي ستتبع توقف القصف.


التعليقات