الرئيس (دونالد ترامب) أمام فرصة مثالية لوضع حد نهائي للتهديد الذي يشكله متمردو الحوثي في اليمن على أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم.
وشنت الولايات المتحدة ضرباتٍ دقيقة على مواقع الحوثيين في اليمن، السبت، بهدف شل الجماعة عبر استهداف قياداتها وعناصرها التقنية الرئيسية، وفقًا لما صرّح به الفريق أليكسوس جرينكويتش للصحفيين خلال مؤتمر صحفي يوم الاثنين.
واكتسب ترامب سمعة في التعامل مع الجماعات الإرهابية من خلال هزيمته لتنظيم داعش خلال ولايته الأولى.
ورغم أن الحوثيين يشكلون تحديًا فريدًا مقارنة بداعش، أكد خبراء لمؤسسة ديلي كولر نيوز فاونديشن أن ترامب لديه الفرصة لإعادة فرض النظام في مواجهة تمرد آخر في الشرق الأوسط.
وقالت (سيمون ليدين)، الزميلة البارزة في مركز ستراوس للأمن الدولي والقانون، لـ DCNF: "خلال إدارة بايدن، شنّوا ما أسموه ضرباتٍ دفاعية، وإجراءاتٍ دفاعية ضد الحوثيين، لكنهم سمحوا لهم بمواصلة عملياتهم. وقد أوضح الرئيس ترامب أن ذلك لن يستمر".
وأضافت: "يبدو بالفعل أن العملية أكثر شمولية، فهي لا تركز فقط على الدفاع، بل تشمل الهجوم أيضًا، وإزالة التهديد من أجل ضمان حرية الوصول إلى البحر الأحمر، وهو ما نحتاجه نحن الأمريكيين."
على مدار ما يقارب عقد من الزمن، أحدث المتمردون الحوثيون فوضى في ممر الشحن عبر البحر الأحمر، وهو ممر استراتيجي يقلل بشكل كبير من أوقات الشحن الدولية من خلال ارتباطه بقناة السويس.
ووفقًا لتقرير صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA)، انخفضت حركة الشحن عبر هذا المسار بنسبة 90% بين ديسمبر/كانون الأول 2023 وفبراير/شباط 2024 جراء الهجمات على السفن التجارية.
ومنذ 2023، شن الحوثيون 174 هجومًا على السفن البحرية الأمريكية و145 هجومًا على السفن التجارية، وفقًا للبيت الأبيض.
أما المسار البديل، الذي يمر حول القرن الأفريقي، فيكلف السفن مليون دولار إضافي في استهلاك الوقود، كما يضيف ما يقرب من أسبوعين إلى وقت العبور، بحسب تقرير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية.
ويُعتبر المتمردون الحوثيون حليفًا وثيقًا لإيران، التي تزودهم بالأسلحة والدعم اللوجستي، وهي قدرات تُستخدم غالبًا لمهاجمة ممرات الشحن، إضافة إلى استهداف حلفاء الولايات المتحدة مثل إسرائيل.
ومنذ 2002، نفذت الولايات المتحدة أكثر من 400 ضربة جوية في اليمن، ثم بدأت في تقديم دعم مباشر للقوات السعودية اعتبارًا من أبريل/نيسان 2016، وفقًا لمجلس العلاقات الخارجية.
وقالت ليدين: "لقد تورطنا في صراع طويل الأمد في اليمن لسنوات، ونحن لا نريد ذلك، لكنهم يهاجموننا."
خلال الولاية الأولى لترامب، انتهج سياسة هجومية ضد تنظيم داعش، ما أدى إلى تدمير 98% من مكاسبه الإقليمية بحلول 2018. والآن، بعد عودته إلى البيت الأبيض، قد تُرفع القيود مجددًا، لكن هذه المرة ضد الحوثيين.
وقال ترامب، 2019، عند إعلانه نجاح العملية التي أدت إلى مقتل زعيم داعش آنذاك، (أبو بكر البغدادي): "الإرهابيون الذين يضطهدون الأبرياء ويقتلونهم يجب ألا يناموا مطمئنين، لأننا سنقضي عليهم بالكامل. هؤلاء الوحوش الشرسون لن يفلتوا من مصيرهم، ولن ينجوا من الحساب الأخير أمام الله."
في ظل إدارة الرئيس السابق (جو بايدن)، خضع القادة العسكريون لإشراف مكثف من البيت الأبيض بشأن العمليات العسكرية التي ينفذونها، وهو ما قيد في بعض الأحيان قدرتهم على التصرف بسرعة، بحسب ما أوضحته سيمون ليدين.
أما ترامب، فقد وسّع نطاق الصلاحيات الممنوحة للقادة العسكريين لتنفيذ عمليات خاصة وضربات دون الحاجة إلى الرجوع إلى البيت الأبيض، ما منح الجيش القدرة على الاستجابة بسرعة وبدرجة أكبر من الاستقلالية لمواجهة الحوثيين، وفقًا لليدين.
وأضافت: "الطريقة الطبيعية لعمل الجيش هي تفويض الموافقات إلى أدنى مستوى ممكن، لأنك تثق بقادتك لاتخاذ القرارات. فهم المتواجدون على الأرض، وهم من يرون الواقع. وفي كثير من الحالات، إذا كنت تنتظر موافقة من البيت الأبيض، فقد تفوّت استهداف هدف سريع الزوال."
وأعلن ترامب عبر Truth Social، الاثنين، أنه سيحمّل إيران المسؤولية عن أي هجمات مستقبلية يشنها الحوثيون. وبالإضافة إلى ذلك، أعادت إدارته تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في 4 مارس/آذار، بعد أن ألغى بايدن هذا التصنيف خلال ولايته.
وكتب البيت الأبيض في بيان صادر في يناير/كانون الثاني بشأن إعادة التصنيف: "في غضون شهر واحد من توليه منصبه، ألغت إدارة بايدن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية. ونتيجة لسياسة بايدن الضعيفة، أطلق الحوثيون النار على السفن الحربية الأمريكية عشرات المرات، ونفذوا هجماتٍ متعددة على البنية التحتية المدنية في الدول الشريكة، وهاجموا السفن التجارية التي تعبر باب المندب أكثر من 100 مرة."
وقال ترامب في منشوره، الاثنين: "لا تدعوا أحدًا ينخدع! فمئات الهجمات التي يشنها الحوثيون، هؤلاء المجرمون الأشرار والعصابات المسلحة المتمركزة في اليمن، الذين يمقتهم الشعب اليمني، جميعها تأتي من إيران، وتُدار من قِبلها."
وأوضح (غابرييل نورونيا)، المدير التنفيذي لـ Polaris National Security، لـ DCNF أن تهديد ترامب يضع الحوثيين في مأزق، حيث قد يجرّون إيران عن غير قصد إلى صراعات لا ترغب في خوضها.
وقال نورونيا: "إحدى أهم النقاط في تصريح الرئيس ترامب هي تأكيده أنه سيحمّل إيران المسؤولية عن أي هجمات مستقبلية يشنها الحوثيون. وجزء من استراتيجية إيران يعتمد على استخدام وكلائها لتنفيذ هجمات تخدم مصالحها، بينما تحاول التظاهر بأنهم جهات مستقلة لا تتحمل هي مسؤوليتها."
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس، عن فرض عقوباتٍ إضافية على إيران، مستهدفة محطة نفطية مقرها الصين تُستخدم لتمكين إيران من تداول النفط سرًا رغم العقوبات السابقة.
ويعدّ تصدير النفط مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الحكومة الإيرانية، حيث حققت طهران 53 مليار دولار من صافي عائدات صادرات النفط عام 2023، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وقال غابرييل نورونيا إن الحوثيين يشكّلون تحديًا فريدًا للولايات المتحدة، لأنهم ليسوا مجرد منظمة إرهابية أيديولوجية، بل امتداد للقبيلة الحوثية، التي تعدّ مجموعة سكانية معروفة في اليمن.
وأضاف نورونيا: "من الصعب القضاء عليهم بالكامل، لأن الأمر لا يتعلق بغزوٍ عسكري تقليدي بقدر ما هو استمرار للسياسات القبلية التي تحولت إلى تطرف، لذا فهم أشبه بطالبان أكثر من كونهم شبيهين بداعش. والضربات العسكرية يمكن أن تضعف قدراتهم، خاصة فيما يتعلق بقدرتهم على شنّ هجمات على الملاحة الدولية أو استخدام الطائرات المُسيّرة والصواريخ. لكن الهدف هنا ليس القضاء على الحوثيين، بل ردعهم وإضعافهم."
ومع ذلك، أعرب بعض المنتقدين عن مخاوفهم من أن الضربات المتجددة ضد الحوثيين قد تُغرق الولايات المتحدة في حرب جديدة، وفقًا لما قالته (أنيل شيلين)، الباحثة في برنامج الشرق الأوسط بمعهد كوينسي، لـ DCNF.
وأضافت شيلين: "حتى لو قرر ترامب شنّ حرب شاملة، فإن طبيعة التضاريس اليمنية وتاريخ البلاد في مقاومة الاحتلال تجعل من غير المرجح أن ينجح التدخل العسكري الأمريكي في القضاء على الحوثيين تمامًا. مثل هذا الغزو سيوحد اليمن، الذي يبلغ عدد سكانه ما يقرب من 40 مليون نسمة، مما سيؤدي إلى توريط الولايات المتحدة في حرب أخرى غير ضرورية ولا نهاية لها في الشرق الأوسط."
ورغم هذه المخاوف، لطالما دافع ترامب عن إنهاء ما يسمى بـ'الحروب التي لا تنتهي'، حيث قال في خطاب حول الأمن القومي خلال حملته الانتخابية عام 2016 إنه سيسعى إلى "تجنب الحروب التي لا نهاية لها" والتي أضرّت بالإدارات السابقة. وفي ولايته الثانية، دفع بقوة نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا والصراع بين إسرائيل وحماس.
وامتنعت القيادة المركزية الأمريكية عن التعليق، وأحالت الأمر إلى المؤتمر الصحفي، بينما لم يردّ البيت الأبيض على طلب DCNF للتعليق.
لقراءة المادة من موقعها الأصلي: