تقرير: مع ضعف إيران، هل يمكن لتصعيد ترامب "الاستباقي" في اليمن توجيه ضربة قاتلة للحوثيين؟
يمن فيوتشر - العربي الجديد- ترجمة خاصة: الجمعة, 21 مارس, 2025 - 09:43 مساءً
تقرير: مع ضعف إيران، هل يمكن لتصعيد ترامب

قبل أربعة عشر شهرًا، أمر الرئيس الأمريكي آنذاك (جو بايدن)، بشن ضرباتٍ عسكرية على جماعة الحوثيين المعروفة باسم (أنصار الله) في اليمن، وذلك ردًا على الهجمات البحرية التي نفذتها الجماعة في البحر الأحمر وخليج عدن "دعماً لغزة" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
وعلى الرغم من توقف الهجمات الحوثية خلال الهدنة في غزة (19 يناير/ كانون الثاني– 17 مارس/ آذار 2025)، فإن قرار إسرائيل فرض حصار على المساعدات الإنسانية إلى غزة مطلع هذا الشهر، واستئناف الحرب هذا الأسبوع، دفع الحوثيين إلى إعلان استئناف عملياتهم ضد السفن الإسرائيلية.
وعلى الرغم من عدم تنفيذ الحوثيين أي هجماتٍ جديدة، استأنفت إدارة ترامب بشكل استباقي العمليات العسكرية التي بدأتها إدارة بايدن ضد الحوثيين في 15 مارس/ آذار، أي قبل يومين من بدء إسرائيل قصف قطاع غزة وقتل مئات الفلسطينيين، مما أدى فعليًا إلى إنهاء الهدنة التي استمرت قرابة شهرين.
واستهدفت الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في 15 مارس/ آذار أكثر من 30 موقعًا، شملت منشآت لإنتاج الأسلحة وتخزينها، وبنية تحتية للطائرات المُسيّرة، ومراكز قيادة وسيطرة، ومواقع تدريب في صنعاء و صعدة و البيضاء و رداع. وأسفرت هذه الهجمات، التي نفذتها الولايات المتحدة، عن مقتل 53 شخصًا وإصابة 98 آخرين، بينهم مدنيون، وفقًا لمسؤولين حوثيين. 
وأوضح مستشار الأمن القومي الأمريكي (مايكل والتز)، أن الجولة الأولى من الضربات "استهدفت العديد من قادة الحوثيين وتم القضاء عليهم."
وشنت القوات الأمريكية جولات جديدة من الهجمات بعد 15 مارس/ آذار، مستهدفة مدينة الحديدة.
لا توجد أي مؤشرات على أن إدارة ترامب تعتزم وقف هذه الضربات. ففي 16 مارس/ آذار، أعلن وزير الدفاع الأمريكي (بيت هيغسيث)، أن هذه الهجمات "المتواصلة بلا هوادة" على الحوثيين ستستمر حتى تنهي الجماعة جميع الهجمات البحرية، في إشارة إلى العمليات التي بدأها الحوثيون في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لكنها توقفت بعد تنفيذ الهدنة في غزة في 19 يناير/ كانون الثاني.
وفي حديثه للصحفيين في البنتاغون في اليوم التالي، قال الفريق أليكسوس غرينكيفيتش: "اليوم، العملية مستمرة، وستستمر في الأيام القادمة حتى نحقق أهدافها الرئيسية."
و من جانبه، تعهد زعيم الحوثيين (عبد الملك الحوثي)، بأن تستهدف الجماعة السفن الأمريكية في البحر الأحمر إذا استمرت الهجمات العسكرية الأمريكية على اليمن. وقال: "سنرد على العدو الأمريكي بضربات صاروخية واستهداف سفنه الحربية وقطعه البحرية."
ووصف المكتب السياسي للحركة الحوثية الضربات العسكرية الأمريكية بأنها "جريمة حرب". 
ونقل مصدر حوثي لصحيفة نيوزويك أن الحوثيين "لن يسمحوا لترامب بدعم العدو الصهيوني في جريمته المتمثلة في قتل شعب غزة جوعًا وعطشًا"، مضيفًا أن الحوثيين "سيزيدون الضغط على الصهاينة، وإذا صعّد الأمريكيون، فسنواجه تصعيدهم بتصعيد غير متوقع بالنسبة لهم."


•إلى أين ستقود ضربات ترامب؟
تتميز الضربات الأمريكية التي بدأت في 15 مارس/ آذار بكثافة أكبر بكثير مقارنة بتلك التي نفذها سلف ترامب العام الماضي، ما يشير إلى تصعيد كبير.
وأوضح (محمد الباشا)، مؤسس تقرير Basha Report للاستشارات الأمنية في الشرق الأوسط ومقره الولايات المتحدة، في مقابلة مع ذا نيو عرب أن "الرسالة الأساسية هنا هي الردع. ففي عهد بايدن، فقدت الولايات المتحدة قدرتها على ردع الحوثيين. أما الآن، فإن الرئيس ترامب وفريقه والقيادة المركزية الأمريكية يعملون بنشاط على استعادة هذا التوازن."
وأضاف: "الضربة الأولى في عهد ترامب استهدفت الجراف، وهو حي يعادل الضاحية الجنوبية لحزب الله. وعلى حد علمي، هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها غارة جوية أمريكية مبنى سكنيًا معروفًا بأنه يُستخدم من قبل الحوثيين، سواء كمكتب سياسي، أو مركز استخبارات، أو موقع تدريب، أو مكان للتخطيط الاستراتيجي."
و من جانبها، تحدثت (إليونورا أرديماجني)، الباحثة البارزة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، لـ ذا نيو عرب عن الاختلاف الواضح بين هذه العمليات العسكرية المتجددة ضد الحوثيين وتلك التي نُفذت خلال إدارة بايدن العام الماضي. وأشارت إلى أن واشنطن وتل أبيب تبدوان الآن أكثر توافقًا في التعامل مع الحوثيين بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
قالت إليونورا أرديماجني لـ ذا نيو عرب: "تركيز ترامب على استهداف القيادة الحوثية يختلف عن تصريحات بايدن، الذي كان يركز على تقليل القدرات الهجومية للجماعة، وإحباط التهديدات الوشيكة ضد السفن. من ناحية أخرى، فإن الموقف الاستراتيجي والتواصلي الأمريكي الجديد تجاه الحوثيين يوازي المواقف الحكومية الإسرائيلية."
وأضافت: "منذ 2024، هدد كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية مرارًا بتوجيه ضربات استباقية لـ 'قطع رأس' القيادة الحوثية، كما حدث مع حماس وحزب الله. وهذا يشير إلى تزايد التقارب الاستراتيجي بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، أيضًا على جبهة اليمن والبحر الأحمر."
وتابعت: "ما تسعى إدارة ترامب لتحقيقه من خلال هذه الضربات على اليمن غير واضح. كما يبقى أن نرى إلى أي مدى ستستمر الولايات المتحدة في هذه العمليات ضد الحوثيين ومدة استمرار هذه الضربات. بعض الخبراء لا يتوقعون أن تنجح هذه التصعيدات الأمريكية في ردع الجماعة عن شن هجمات بحرية مستقبلية."
وفي هذا السياق، قال الدكتور (أندرياس كريغ)، أستاذ مشارك في قسم الدراسات الدفاعية بكلية كينغز بلندن، لـ ذا نيو عرب: "بالتأكيد، الكثافة مختلفة عن ما شهدناه من إدارة بايدن في اليمن، واستهداف قادة فرديين من الحوثيين يعد تصعيدًا لما رأيناه حتى الآن. لكن أكثر من تقليل القدرات، لن يتمكنوا من تحقيق شيء. و تقليل القدرات هو ربما الشيء الوحيد الذي يمكنهم تحقيقه."
وأضاف: "يجب أن نفهم أن هذه خطوة محدودة، وحتى الآن، جميع هذه الضربات هي ضربات عن بُعد، عمليات عن بُعد. هذا هو مدى ما يفعله ترامب، عمليات عن بُعد، دون إرسال الجنود إلى مناطق الخطر، مع الحفاظ على الحد الأدنى من التكاليف على دافعي الضرائب الأمريكيين. لكن هذا يعني أيضًا أنه لا يمكن استدامة مثل هذه العمليات لفترة طويلة. الحوثيون يعرفون أنهم فقط بحاجة للاستمرار قليلاً، لأن ترامب سيكون غير شعبي جدًا في وطنه في حال أصبحت هذه عملية طويلة لا تحقق أي نتائج واضحة."

 

•رسالة إلى إيران؟
يجب أن يُفهم قرار إدارة ترامب بتصعيد العمليات في اليمن من خلال هذه الضربات المكثفة على أهداف الحوثيين في سياق أوسع، و يتعلق بجهود البيت الأبيض لزيادة الضغط على إيران من خلال العقوبات الاقتصادية والعمل العسكري ضد الجماعات المنضوية تحت محور المقاومة الذي تقوده طهران.
و في ضوء الضربات القوية التي وجهتها إسرائيل لحزب الله في لبنان العام الماضي، وتبعات حرب تل أبيب على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وسقوط الحكومة السورية المتحالفة مع إيران بقيادة بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول، أصبح محور المقاومة اليوم أضعف بكثير مقارنةً بالحقب السابقة. ومع الفصائل العراقية الموالية لإيران، تبقى جماعة الحوثيين في اليمن أقوى عنصر في هذا التحالف المرتبط بالجمهورية الإسلامية.
وبالنظر إلى رغبة إدارة ترامب في دفع إيران إلى الزاوية والضغط على طهران للتوصل إلى اتفاقٍ نووي جديد -اتفاق يقيد إيران بشكل أكبر بكثير مما فعلت خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015- يبدو أن إدارة ترامب ملتزمة بالاستفادة الكاملة من الوضع الضعيف لمحور المقاومة. 
عمليًا، يبدو أن هذا يتضمن شن ضربات استباقية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
وشرحت (فيّنا علي خان)، زميلة في مؤسسة القرن، في مقابلة مع ذا نيو عرب قائلة: "القادة الإيرانيون حريصون على التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يرفع العقوبات، لكنهم يرفضون التحدث وفقًا لشروط ترامب التي تعتمد على أقصى درجات الضغط. و قرار ترامب بقصف اليمن لم يكن فقط رسالة مباشرة للحوثيين لوقف هجماتهم البحرية، بل كان أيضًا تذكيرًا صارخًا لطهران بأن الأمريكيين هم أصحاب اليد العليا في أي مفاوضات مستقبلية. و تم إرسال رسالة واضحة إلى إيران: لرفع العقوبات، يجب عليها إعادة النظر في علاقاتها مع حلفائها الإقليميين. كما أن الضربات كانت بمثابة تهديد لإيران بأنها قد تكون الهدف التالي، وعرض للقدرات العسكرية الأمريكية التي يمكن نشرها بسهولة ضد طهران أيضًا."

وأضافت: "إيران تشعر بالقلق إزاء احتمال تعقيد مسار رفع العقوبات أكثر مما هو عليه الآن، وهي بالتأكيد لا تريد أن يتسبب الحوثيون في إفشال أي فرصة لتخفيف العقوبات. ومع ذلك، فإن ترامب مستعد لربط الملفات الإقليمية المختلفة واستغلال ضعف موقف طهران. في اليوم التالي، سافر مسؤولون إيرانيون إلى مسقط، جزئيًا في محاولة لتهدئة التوترات مع قيادات الحوثيين هناك. ومع تضرر استراتيجيتها الرئيسية للردع -محور المقاومة- بشكلٍ كبير، يصعب رؤية ما تبقى لطهران من أوراق يمكنها استخدامها في أي مفاوضات مستقبلية مع إدارة ترامب."
و من جانبها، ترى الدكتورة (إليزابيث كيندال)، مديرة كلية جيرتون في جامعة كامبريدج، أن إيران قد تكون "الهدف التالي" وأن ترامب لا يكتفي فقط بإرسال رسالة إلى طهران. وقالت في مقابلة مع ذا نيو عرب: "يمكن اعتبار هذا التصعيد مقدمة، بل وحتى شرطًا مسبقًا لقصف إيران. و إضعاف قدرات الحوثيين يُزيل آخر ورقة قوة رئيسية متبقية لإيران، بعد استهداف قيادات حماس وحزب الله ونظام الأسد. وقد يترك هذا إيران دون خيارات انتقامية تُذكر في حال شنت الولايات المتحدة وإسرائيل حملة مباشرة لمنع طهران من امتلاك قدرة نووية."
بعيدًا عن التصريحات القوية التي تدين الضربات العسكرية الأمريكية على حليفها اليمني المقرب، يمكن الافتراض بأن إيران ستتصرف بحذر. في هذه المرحلة، سيكون من غير الحكمة أن تسعى الجمهورية الإسلامية إلى مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة، ومن المرجح أن تكون القيادة في طهران أكثر حكمة من الوقوع في مثل هذا الفخ، وهو ما يسعى إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) بشدة.
وأوضحت (أفراح ناصر)، زميلة غير مقيمة في المركز العربي بواشنطن، في مقابلة مع ذا نيو عرب: "رغم الاتهامات بدعم إيران للحوثيين، فإن طهران تتخذ خطوة استراتيجية بالنأي بنفسها عنهم لتجنب أي رد أمريكي. و المسؤولون الإيرانيون يركزون الآن على إبراز استقلالية الحوثيين، وهو نهج مشابه لما فعلته إيران مع حزب الله ونظام الأسد عندما أصبحت كلفة الدعم مرتفعة. هذا يتماشى مع الاستراتيجية الإيرانية الأوسع، والتي تقوم على الحفاظ على الإنكار المقبول مع الاستفادة من زعزعة الاستقرار الإقليمي."
و قالت: "من خلال التقليل من أهمية الروابط، تتجنب إيران التصعيد مع الولايات المتحدة، حيث تعطي الأولوية للدول الفاعلة والمناورات الدبلوماسية على حساب الوكلاء المسلحين. وكما رأينا سابقًا، عندما تفوق المخاطر الفوائد، تعيد إيران ضبط تحالفاتها، تاركة شركاءها يتعاملون مع النزاعات بأنفسهم."


•هل ستتدخل طهران لدعم أنصار الله؟
يرى (فارع المُسلَّمي)، زميل باحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس، أن طهران لن تتدخل لصالح أنصار الله.
وقال في مقابلة مع ذا نيو عرب: "لا أعتقد أن إيران سترد حتى، كما فعلت بعد مقتل حسن نصر الله. و أعتقد أنها ستستمر فقط في تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، وبالطبع ستصلي من أجلهم، الكثير من الصلوات، خاصة خلال شهر رمضان."
و من المهم إدراك أن الحوثيين يتمتعون باستقلالية كبيرة عن
 إيران، خاصة عند مقارنتهم بجهاتٍ أخرى ضمن محور المقاومة مثل حزب الله اللبناني، وقوات الحشد الشعبي في العراق، والميليشيات الشيعية الأفغانية والباكستانية التي سبق أن شاركت في الحرب الأهلية السورية.
وفي هذا السياق، قالت الدكتورة (أنيل شيلين)، زميلة باحثة في برنامج الشرق الأوسط في معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، لـ ذا نيو عرب: "على منصة Truth Social، هدد ترامب إيران، قائلاً إن أي هجمات حوثية إضافية ستُعتبر هجمات مباشرة من إيران. ومع ذلك، كانت روسيا تساعد الحوثيين في عمليات الاستهداف. بغض النظر عن ذلك، طلبت إيران من الحوثيين تهدئة التوترات، لكن دون جدوى."
وبالتالي، مع إصرار الإدارة الأمريكية على التقليل من استقلالية الحوثيين، واعتقادها الخاطئ بأن طهران تسيطر على الحوثيين وكأنهم وكيل إيراني، قد تتخذ واشنطن قرارات بشأن اليمن وإيران تؤدي إلى نتائج أكثر خطورة.
وفي هذا السياق، قالت (إليونورا أرديماجني) في مقابلة مع ذا نيو عرب:
"أعتقد أن إيران تجد نفسها في موقف غير مريح الآن. فمن جهة، تدرك أن الحوثيين يشكلون آخر حلقات الردع الخارجية المتبقية لها، إلى جانب الحشد الشعبي في العراق. لكن، من جهة أخرى، تعرف إيران أنها لا تستطيع السيطرة الكاملة على الحوثيين، لأنهم شركاء وليسوا مجرد وكلاء. و تحاول واشنطن ردع طهران عبر استهداف صنعاء، غير أن هذا الخيار قد يؤدي إلى ربط الملف اليمني بالملف الإيراني بشكل لا فِكاك منه، مما سيؤدي إلى تجاهل الدوافع الداخلية التي تحرك الحوثيين في البحر الأحمر، فضلاً عن تعقيد المشهد اليمني الأوسع. سيجعل ذلك عملية صنع القرار الأمريكي أكثر تعقيدًا، حيث قد يدفع واشنطن إلى اتخاذ خيارات مضللة."


•معضلة دول الخليج في ظل التصعيد الأمريكي
قرار إدارة ترامب بشن ضربات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن يخلق تحديات معقدة لدول مجلس التعاون الخليجي (GCC). وفي ظل استمرار هذا التصعيد مع تكثيف الهجمات الأمريكية على أهداف حوثية، تزداد أهمية تحقيق توازن دقيق في مواقف دول الخليج العربية. فرغم رغبة هذه الدول، وخاصة السعودية والإمارات، في احتواء تهديد جماعة الحوثيين، التي تعتبرهم خطراً وجودياً، إلا إنها تدرك في الوقت نفسه مخاطر التصعيد غير المنضبط، خاصة في ظل عدم القدرة على التنبؤ بقرارات ترامب، مما يضيف مزيدًا من الغموض إلى المشهد الإقليمي المتوتر.
وفي هذا السياق، أوضحت أفراح ناصر قائلة:
"بالنسبة للسعودية ودول الخليج الأخرى، فإن التحركات العسكرية الأمريكية في اليمن تحمل تداعيات استراتيجية كبيرة. فقد قدمت هذه الدول تنازلات للحوثيين، لكن مطالب الجماعة استمرت في التصاعد. وعلى مدار السنوات، لم تتمكن لا التدخلات العسكرية ولا المفاوضات الدبلوماسية من دفع الحوثيين إلى تقديم تنازلات. وبالنظر إلى هذا الجمود، قد يرى البعض في الخليج أن التدخل العسكري الأمريكي يشكل حلاً محتملاً. ولكن في الوقت نفسه، عليهم تحقيق توازن بين دعم هذه العمليات العسكرية وبين تجنب الظهور بمظهر الاعتماد المفرط على واشنطن، مع استمرار الدعوة إلى الاستقرار عبر القنوات الدبلوماسية."
في هذه المرحلة، تسعى القيادات الخليجية إلى ترسيخ الاستقرار في المنطقة، حتى تتمكن دول مجلس التعاون من تحقيق رؤاها للتنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال وتنشيط قطاع السياحة، لكن الأزمات الإقليمية غالبًا ما تكون عابرة للحدود، ما يزيد من قلق دول الخليج بشأن التداعيات المحتملة على الأمن والسلام في المنطقة. ومع انهيار وقف إطلاق النار في غزة واستئناف العنف في اليمن، تجد دول الخليج نفسها أمام تحديات جسيمة.
وباعتبار البحر الأحمر ممرًا مائيًا استراتيجيًا بالغ الأهمية لهذه الدول الغنية بالنفط والغاز، فإن أي تفاقم إضافي للتوترات الإقليمية لا يصب في مصلحة أي من دول مجلس التعاون الخليجي، التي تسعى جاهدة لتجنب المزيد من التصعيد في هذه المرحلة الحرجة.
و بعد سنوات من التورط في مستنقع مكلّف في اليمن، والتعرض لهجماتٍ صاروخية وبطائرات مُسيّرة من قبل الحوثيين، تسعى السعودية بشدة إلى تجنب الوقوع في تبعات التصعيد العسكري ضدهم. ومع استثناء البحرين، لم تشارك أي من دول مجلس التعاون الخليجي في العمليات العسكرية الأمريكية-البريطانية ضد الحوثيين، وهو ما يعكس إدراك القيادات الخليجية أن مثل هذه المشاركة قد تجعلها هدفًا مباشراً لغضب الحوثيين، وهو آخر ما ترغب به هذه الدول. وعليه، فإن تجنب التصعيد الإضافي يظل الهدف الأساسي لدول الخليج.
وفي هذا السياق، قال الدكتور أندرياس كريج:
"من المؤكد أن السعوديين ليس لديهم أي مصلحة في التصعيد. قد يقدمون بعض الدعم الاستخباراتي، وربما يسمحون بعبور الطائرات الأمريكية في أجوائهم، لكن هذا هو الحد الأقصى لما يمكن أن يقدموه. لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم متواطئون في هذه العملية."
ورغم التطورات العسكرية الجارية، لم تصدر السعودية أي بيانات تدعم العمليات ضد الحوثيين. وبدلاً من ذلك، يبدو أن الرياض ملتزمة بالحفاظ على وقف إطلاق النار الهش الذي تم التوصل إليه في أبريل/ نيسان 2022، مع إعطاء الأولوية للانخراط الدبلوماسي مع الحوثيين. ومع ذلك، فإن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية، إلى جانب العمليات العسكرية واسعة النطاق الحالية، يهددان بتعقيد هذه المعادلة.
وفي هذا الإطار، أوضح محمد الباشا لـ ذا نيو عرب:
"لا يوجد أي مؤشر على أن السعودية قد منحت الولايات المتحدة حق استخدام قواعدها العسكرية لشن هجمات على اليمن، بما في ذلك عمليات التزود بالوقود جواً أو تنفيذ غارات مباشرة على الحوثيين في هذه المرحلة."
لكن كلما طالت مدة الضربات الأمريكية وازدادت حدتها، ستزداد مخاوف المسؤولين في الرياض بشأن ما قد تؤول إليه الأمور بالنسبة للمملكة وباقي دول الخليج.
وفي هذا الصدد، قالت الدكتورة إليزابيث كيندال:
"المخاطر التي تواجهها السعودية ودول الخليج الأخرى تكمن في احتمال أن يوجه الحوثيون قوتهم النارية ضدها، لمعاقبة أمريكا عبر استهداف حلفائها الإقليميين، وربما رفع أسعار النفط. كل شيء يعتمد على مدى نجاح واستدامة الحملة الأمريكية الحالية ضد الحوثيين."
تحافظ السعودية على موقف منخفض التصعيد، إذ لا يوجد أي سبب يدفعها للمخاطرة بأمنها لصالح واشنطن، بحسب ما أوضحت فينا علي-خان. وأضافت:
"في نهاية المطاف، يمكن للسعودية أن تراقب من الخلف فيما ينفذ الأمريكيون الاستراتيجيات العسكرية والعقوبات التي طالما دعت إليها ضد الحوثيين لكنها فشلت في فرضها بنجاح. و هذا النهج، الذي يسمح فعليًا للولايات المتحدة بلعب دور 'الشرطي السيئ'، أبقى السعودية مؤقتًا خارج نيران الصراع. لكن من الصعب تصور استمرار هذا الوضع إلى الأبد. فإذا تصاعدت الضربات الأمريكية واشتبه الحوثيون في أن الرياض تقدم معلومات استخباراتية، فقد ينقلب الوضع ضد السعودية ويصبح هدفًا للحوثيين."
و من الجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) أظهر اهتمامًا أقل بأمن الحلفاء العرب مقارنة بما ترغب به القيادة السعودية من رئيس أمريكي. وقد تجلى ذلك بوضوح في رده على هجمات أرامكو عام 2019، والذي أثار قلق الرياض. كما اقترح في وقتٍ سابق من هذا العام خطة غير واقعية وغير عقلانية بشأن غزة، والتي، لو تم تنفيذها، كانت ستؤدي إلى زعزعة استقرار حكومتي مصر والأردن بسبب تدفق 2.2 مليون فلسطيني إلى أراضيهما.
وفي هذا السياق، قالت علي-خان:
"أولوية الرياض الرئيسية حاليًا هي تجنب أن تصبح ضحية لضربات الحوثيين، وتسعى لتقليل المخاطر قدر الإمكان. و لم يمض وقت طويل عندما كان الحوثيون يطلقون الصواريخ مباشرة عبر الحدود السعودية. و تهديد دول الخليج بالاستهداف هو الاستراتيجية الأكثر فعالية التي يعتمدها الحوثيون لتحقيق أهدافهم، حيث يأملون أن تؤدي مخاوف دول الخليج من الوقوع في مرمى النيران إلى دفع الولايات المتحدة نحو التهدئة. هذا النهج ربما كان سينجح مع إدارة بايدن، لكنه لن ينجح مع ترامب."


•الموقف الإماراتي: بين الحذر الاستراتيجي والطموح البحري
يُعد موقع الإمارات في هذا المشهد من أكثر الجوانب إثارةً للاهتمام. في هذا السياق، أوضح الدكتور أندرياس كريغ:
"الإمارات دائمًا ما تمارس ازدواجية في الخطاب. لا تريد أن تُجرّ مباشرة إلى صراع، وبالتأكيد لا ترغب في أن تُعتبر داعمةً للتحركات العسكرية. ومع ذلك، من خلال شبكتها من الوكلاء، يبدو أنها سعيدة بمواصلة الضغط على الحوثيين والدفع باتجاه تصعيد عسكري ضدهم."
و يرتبط هذا الموقف بسعي الإمارات إلى تعزيز نفوذها البحري في اليمن، وخليج عدن، والبحر الأحمر، ومنطقة القرن الأفريقي.
وفي هذا الصدد، أشارت فيّنا علي-خان إلى أن:
"الإماراتيين، على وجه الخصوص، هم الأكثر ميلاً إلى تنفيذ هجوم للسيطرة على الحديدة من الحوثيين، وهي خطوة من شأنها أن تقتلع الحوثيين من البحر الأحمر. لقد كان هذا هدفًا طويل الأمد للإمارات، ومع قيام الحوثيين بعرقلة التجارة العالمية، يبدو تحقيقه الآن أكثر واقعية، خاصة مع إمكانية تأمين الدعم السياسي اللازم."
لكنها حذرت في الوقت نفسه من أن مدى دعم الولايات المتحدة لمثل هذا التحرك لا يزال غير مؤكد، كما أن استمراريته غير مضمونة. وأضافت أن هناك خطرًا ملموسًا من أن يؤدي تصعيد كهذا إلى تعرض أبوظبي لهجمات صاروخية من الحوثيين، على غرار تلك التي شهدتها في عام 2022، إذا ما مضت الإمارات قُدمًا في هذا الهجوم من خلال قواتها المنتشرة على الأرض.
تباين بين الخطاب السياسي والمصالح الاستراتيجية.
ورغم أن القيادة في أبوظبي تدعو إلى خفض التصعيد، يعتقد بعض المحللين أن الإمارات ترغب في رؤية الولايات المتحدة وحلفائها في اليمن يتعاملون مع أنصار الله بصرامة أكبر، مما يشير إلى أن أبوظبي قد تكون مرتاحة إلى حد ما للطريقة التي يدير بها ترامب ملف الحوثيين.
و فيما يتعلق بالموقف الإماراتي، قد يختار الحوثيون تجنب التصعيد المباشر مع السعودية من خلال استهداف أبوظبي بدلاً من ذلك، مستخدمين نفس الاستراتيجية للضغط على الإمارات لحملها على الدفع باتجاه وقف الأعمال العدائية، وفقًا لما أوضحه محمد الباشا لـ The New Arab.
وأضاف:"ومع ذلك، إذا تصاعد الصراع ميدانيًا -سواء على الساحل الغربي، أو في الجنوب، أو في الشرق- قد يحول الحوثيون تركيزهم نحو مهاجمة قوات المقاومة المشتركة على الجبهة الغربية، أو المجلس الانتقالي الجنوبي وألوية العمالقة في الجنوب، أو القوات المتمركزة في مأرب."
وأشار الباشا إلى أن مثل هذه التطورات قد تؤدي إلى تصعيد المواجهات بين الحوثيين والفصائل المدعومة إماراتيًا، مما قد يدفع أبوظبي إلى التورط أكثر في الصراع.
وأضاف:"إذا تقدم الحوثيون جنوبًا، فقد تتخلى الإمارات عن موقفها الحذر، لأن الجنوب يمثل خطًا أحمر استراتيجيًا بالنسبة لها."
و على المدى البعيد، في حال استمرت الضربات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين لفترة طويلة وتصاعد العنف بشكل أكبر، سيكون من المهم مراقبة أي توترات محتملة بين الرياض وأبوظبي، حيث قد تتباين أهدافهما، وتكتيكاتهما، وأجندتهما فيما يتعلق باليمن.
وبالنظر إلى مدى نفوذ ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) ورئيس الإمارات (محمد بن زايد) داخل الإدارة الأمريكية، قد نشهد تنافسًا سعوديًا-إماراتيًا على التأثير في قرارات واشنطن بشأن اليمن، وهو أمر قد يتجلى بشكلٍ أكبر خلال الفترة المقبلة.


•لحظة التبرير للقيادة السعودية
يصادف هذا الشهر مرور عقدٍ كامل على إطلاق التحالف العسكري الذي تقوده السعودية عملية عاصفة الحزم. واليوم، يشعر البعض في الخليج بإحباط شديد إزاء عدم استيعاب الدول الغربية لحجم التهديد الذي يشكّله الحوثيون خلال الفترة بين 2014 و2022.
قال فارع المُسلَّمي، الباحث في تشاتام هاوس:
"من المهم أن نتذكر أن الموقف الخليجي تجاه الغرب فيما يخص الحوثيين هو ببساطة: "لقد حذّرناكم". دول الخليج شعرت أنها خاضت حربًا لمدة ثماني سنوات بمفردها، بينما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والآخرون تخلّوا عنها وخذلوها، رغم مليارات الدولارات من صفقات الأسلحة. لكن هذه مشاعرهم، والمشاعر تبقى مشاعر."
وأوضح أن دول مجلس التعاون الخليجي لا مصلحة لها في خوض معركة ضد الحوثيين نيابةً عن واشنطن ولندن في الوقت الحالي.
وأضاف المُسلَّمي:
"بالمثل، لا يريدون تصعيد النزاعات الإقليمية أكثر، وهذا ينطبق بشكلٍ خاص على السعودية وولي العهد محمد بن سلمان. هم في الواقع يأملون أن تؤدي هذه الضربات الأمريكية إلى تحقيق ما فشلوا في تحقيقه ضد الحوثيين، لكنهم لا يريدون أن يستمر هذا الوضع لفترة طويلة."
و من جهتها، تبنّت الدكتورة أنيل شيلين من معهد كوينسي الرؤية نفسها، حيث قالت لـ ذا نيو عرب:
"على الأرجح، يشعر محمد بن سلمان بأنه قال للأمريكيين "لقد حذّرتكم" عندما يتعلق الأمر بالحوثيين والتهديد الذي يشكّلونه. قد يستمتع بمشاهدة الولايات المتحدة تحاو -وتفشل- في ردع الحوثيين الآن، لكنه لا يرغب في أن يتوسّع العنف أو يهدد أهدافه الاقتصادية لبلاده."


التعليقات