بعيدًا عن الحوثيين في اليمن، فإن "جبهة المقاومة" التابعة لجمهورية إيران الإسلامية تتداعى. و الهجمات الإسرائيلية أضعفت حزب الله، ووكيل تركيا "هيئة تحرير الشام" أجبرت الرئيس السوري (بشار الأسد على اللجوء إلى المنفى، فيما اعتبر رئيس الوزراء العراقي (محمد شياع السوداني) محل استحقاق للثناء على إجباره الفصائل المدعومة من إيران مثل "قوات بدر" و"عصائب أهل الحق" بقيادة (قيس الخزعلي) على التراجع والامتناع عن جر العراق إلى النزاع الإيراني الإسرائيلي.
و يتلقى الحوثيون الأسلحة الإيرانية بعدة طرق: عن طريق الجو عبر مطار صنعاء الدولي، أو عبر ميناء الحديدة أو الموانئ الصغيرة القريبة، أو عبر الطرق الصحراوية المترامية الأطراف عبر عمان.
و مطار صنعاء يشكل تحديًا، لكن الحوثيين لا يتلقون كميات كبيرة من الأسلحة عبر الجو، حيث أن الرحلات الجوية إلى صنعاء سهلة التتبع، كما أن خسارة حزب الله لمطار بيروت الدولي جعل من الصعب توفير الأسلحة، بالنظر إلى رغبة إيران في الحفاظ على إمكانية الإنكار المعقول.
الحديدة تمثل مشكلة حقيقية، فقد كان اتفاق ستوكهولم لعام 2018 مجرد خداع سياسي من الأمم المتحدة. فآلية التفتيش التي تم الترويج لها تتطلب التزامًا طوعيًا، وفي الوقت نفسه، بدلاً من إنهاء سيطرة الحوثيين على الميناء، ساعدتهم الأمم المتحدة على ترسيخها، حيث سمحت لعمال الميناء الحوثيين بتغيير زيهم الرسمي مقابل رواتب، في اتفاق غير معلن.
عمليًا، أبرم الحوثيون في الحديدة الصفقة نفسها التي عقدها حزب الله منذ زمن طويل في مطار بيروت الدولي: إذ يمنح التنظيم الإرهابي المجتمع الدولي القدرة على إنكار هويته عبر ارتداء زي العمال المدنيين، بينما يحول الميناء إلى مركز لغسل الأموال وتهريب الأسلحة.
ومع ذلك، تزداد أهمية الطريق العماني في إيصال الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين. فقد استخدمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة والجهات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، سلطنة عمان كوسيط في المفاوضات مع الحوثيين. لكن علاقة عمان بالحوثيين تشبه علاقة قطر بحماس وطالبان: حيث تستغل مسقط دور الوسيط لدعم انتصار طرف على آخر. و دعم عمان للحوثيين لا ينبع من تعاطف مع إيران بقدر ما هو نابع من عداءٍ تاريخي لجنوب اليمن، إذ بعد انسحاب بريطانيا من اليمن، استولى الشيوعيون على عدن وأعلنوا قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
وكان الشيوعية بطبيعتها عامل زعزعة استقرار، حيث كان هدفها الأساسي توسيع نطاق الثورة. وفي جنوب اليمن، تُرجم ذلك إلى دعم التمرد في ظفار، وهو حركة شيوعية سعت إلى اقتطاع جزء من جنوب عمان لتأسيس دولة جديدة. و تمكنت عمان من قمع التمرد بمساعدة إيران في عهد الشاه، لكن الشكوك تجاه جنوب اليمن لا تزال قائمة. وقد تصاعدت هذه المخاوف مع نجاح المجلس الانتقالي الجنوبي في تحويل الجنوب إلى المنطقة الأكثر استقرارًا في اليمن. وتخشى مسقط من أن يؤدي انتصار الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا على الحوثيين إلى انفصال الجنوب. وعلى أقل تقدير، تسعى عمان إلى الإبقاء على الحوثيين كقوة فاعلة، إن لم تكن تدعم انتصارهم بشكلٍ مباشر.
قلة من المحللين الأمريكيين يمتلكون معرفة عميقة باليمن مثل (فيرناندو كارفاخال). فقد عاش في اليمن لما يقارب 20 عامًا، وعمل خبيرًا في الجماعات المسلحة والشؤون الإقليمية ضمن فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن بين أبريل/ نيسان 2017 ومارس/ آذار 2019.
وكونه يتقن اللغة العربية، يتمتع كارفاخال بفهم دقيق للسياسة اليمنية، والقبائل، والتضاريس، حيث نادرًا ما توجد مدينة أو حتى قرية لم يزرها أو يكتسب معرفة مباشرة بها.
و يشير كارفاخال إلى أن منطقة "المزيونة" تمثل مصدر قلق بالغ يجب على المجتمع الدولي معالجته. فهذه المنطقة الصناعية، الواقعة على جانبي الحدود العمانية-اليمنية، تُستخدم كنقطة عبور رئيسية لتهريب الأسلحة من قبل الحوثيين بمساعدة عمان، حيث يتم نقلها إلى الداخل لدعم القوات الحوثية التي تهدد مركز النفط اليمني في مأرب. وبناءً على ذلك، يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تحميل عمان مسؤولية تسهيل هذه العمليات، وفرض عقوبات عليها في حال استمرت في لعب هذا الدور المزدوج، إضافة إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمنع تحركات الحوثيين من وإلى هذه المنطقة الصناعية.
و في حين تركز البحرية الأمريكية جهودها على مواجهة الحوثيين بالقرب من البحر الأحمر، فإن حرمانهم من الأسلحة الإيرانية لن يكون ممكنًا ما لم يتم استهداف عمليات التهريب عبر الحدود العمانية. وهذا لا يعني بالضرورة اللجوء إلى ضرباتٍ عسكرية داخل عمان، ولكن ينبغي للولايات المتحدة أن تفرض رقابة مشددة عبر الأقمار الصناعية والطائرات المُسيّرة على المزيونة، واستهداف أي عناصر حوثية أو جماعات قبلية متورطة في تهريب الأسلحة على الجانب اليمني من الحدود.
و احتواء الأزمات لا يتحقق بمعالجة جزء منها فقط، بل من خلال قطع مصادر تمويلها وإمدادها، لمنعها من الاستمرار والتفاقم.
لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي: