دخل تصنيف الولايات المتحدة لجماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) حيز التنفيذ في 4 مارس/ آذار. و تأتي هذه الخطوة بعد سنوات من الجهود الدبلوماسية العقيمة، حيث تعاملت المؤسسات الدولية مع الحوثيين كشركاء شرعيين على طاولة المفاوضات، لكنهم تفوقوا في المناورة في كل مرحلة.
وخلال هذه الفترة، لم يقتصر الأمر على تعزيز الحوثيين المدعومين من إيران لتحالفهم مع طهران، بل وسّعوا نطاق حربهم ليشمل البحر الأحمر وإسرائيل، مما جعلهم يشكلون تهديدًا مستمرًا للسفن في البحر الأحمر. و هذه الثقة الجيوسياسية والتوسع في ترسانتهم العسكرية لم يكن ليحدث دون دعم من لاعب رئيسي تم التقليل من شأنه وهو روسيا.
كان (محمد عبدالسلام)، المتحدث الرسمي باسم الحوثيين، الذي سعت بعض الدوائر الغربية للتعامل معه كوسيط سلام محتمل، واحدًا من سبعة أفراد أدرجتهم الولايات المتحدة في قائمة العقوبات، إلى جانب ستة من كبار قادة الحوثيين. وقد سافر عبدالسلام مرارًا إلى موسكو بصفته متحدثًا باسم الجماعة الحوثية وتحت غطاء دوره كوسيط في الصراع اليمني، مما عزز علاقة تخدم مصالح الحوثيين والكرملين على حد سواء.
و تركز العقوبات الأمريكية بشكلٍ خاص على الأفراد المتورطين في عمليات شراء الأسلحة وتهريبها، في خطوة تستهدف القدرات العسكرية التي تشكل تهديدًا إقليميًا. واستهداف شخصيات حوثية على صلة بموسكو يعد إشارة واضحة للغاية حتى الآن على أن العلاقة بين الحوثيين وروسيا لم تعد مجرد علاقة مصلحية، بل أصبحت تحالفًا عسكريًا محسوبًا. وتكشف هذه العقوبات عن شبكة إمداد للفوضى تمتد عبر خط تهريب أسلحة عابر للحدود، يربط بين طهران وصنعاء وموسكو، في منظومة تتجاوز الدعاية الأيديولوجية للحوثيين أو مجرد الاستغلال السياسي.
و بالنسبة لحركة ادّعت يومًا أنها "مستقلة"، أصبح الحوثيون في الواقع أداة للقوى الأجنبية، منتقلين من مجرد وكيل لإيران إلى أصل استراتيجي بيد الكرملين. وقد أدركت روسيا، المعزولة بسبب حربها في أوكرانيا، أن الحوثيين يمثلون نقطة ضغط جديدة ضد الغرب. لطالما فهمت كل من طهران وموسكو أن الفاعلين المسلحين من غير الدول، إذا تم تزويدهم بالإمكانات اللازمة، يمكنهم التأثير في النزاعات العالمية بفعالية تضاهي الجيوش النظامية. ويؤكد تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، والتركيز على علاقاتهم مع الحرس الثوري الإيراني (IRGC) وروسيا، أن الحوثيين لم يكونوا صناع صعودهم، بل مجرد أدوات في صراع جيوسياسي أوسع.
رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بهذا التصنيف بعد سنوات من الجهود التي بذلتها لمعارضة قرار إدارة بايدن في 2021 بإلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية. وبالنسبة لكثير من اليمنيين، سواء داخل البلاد أو في الخارج، يمثل هذا التصنيف اعترافًا متأخرًا بحقيقة طالما تجاهلها الغرب، وهي أن الحوثيين غير معنيين بالسلام.
لقد عايشت المجتمعات اليمنية عنف الحوثيين بشكلٍ مباشر، بدءًا من تجنيد الأطفال قسرًا والاعتقالات التعسفية، وصولًا إلى الخطف الممنهج لعاملين في المجال الإنساني وتعذيب الخصوم السياسيين. لكنها تدرك أيضًا أن العلاقة المعقدة بين الحوثيين من جهة، وطهران وموسكو من جهة أخرى، بالإضافة إلى تهديد الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر، تجعل اليمن في قلب صراعات قد تعمّق معاناة الشعب اليمني وتؤدي إلى تداعيات خطيرة على مستقبل البلاد.
و طوال فترة النزاع في اليمن، انصبّ الخطاب الدولي في الإعلام العالمي على التركيز على التدخل العسكري السعودي والأزمة الإنسانية التي نجمت عنه، مما أدى إلى قمع نقاش جاد حول الاستراتيجية الأمنية طويلة الأمد. وقد قلل العديد من المحللين من شأن تعمّق علاقات الحوثيين بإيران وروسيا، وأفرطوا في تصويرهم كجهة مستقلة، وهو ما أدى إلى التقليل بشكلٍ خطير من نفوذ طهران وموسكو المتزايد. وبينما كان صانعو القرار في الغرب منشغلين بأولويات أخرى، تطور الحوثيون بهدوء إلى قوة استراتيجية قادرة على تنفيذ عمليات لها تداعيات عالمية خطيرة.
• من طاولة المفاوضات إلى أداة بيد الكرملين
تشمل التجارة العسكرية بين الحوثيين وروسيا عمليات استيراد وتصدير للأسلحة، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية. وتؤكد الاستخبارات الأمريكية أن وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU) تنشط حاليًا في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين تحت غطاء المساعدات الإنسانية، حيث تقدم دعمًا تقنيًا يعزز القدرات العسكرية للحوثيين. علاوة على ذلك، هناك تقارير تربط تاجر السلاح الروسي الشهير (فيكتور بوت) بعمليات تهريب أسلحة يستفيد منها الحوثيون. وقد تطورت هذه العلاقة من مجرد تبادل مصلحي إلى تعاون عسكري مباشر، حيث أفادت تقارير بأن الكرملين يساهم في أنظمة تتبع البيانات التي تعزز قدرات الحوثيين على استهداف السفن في البحر الأحمر.
ورغم أن الحوثيين لطالما استغلوا اقتصاد الحرب في اليمن، وحققوا مكاسب من تهريب الوقود والابتزاز، تكشف المعلومات الاستخباراتية الحديثة عن مصدر تمويل أكثر خطورة. فبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، قاد القيادي الحوثي والملقب بـ"اللواء" (عبد الولي عبده حسن الجابري) شبكة تهريب بشر، حيث جنّد مدنيين يمنيين للقتال لصالح روسيا في أوكرانيا.
و تكشف هذه المعلومات بُعدًا جديدًا في العلاقة بين الحوثيين وروسيا، يتجاوز تجارة الأسلحة ليشمل استغلال البشر.
و أن تقوم جماعة جهادية زيدية شيعية بتزويد ديكتاتورية علمانية مفترضة بوقود بشري للحروب، هو تجسيد صارخ للإفلاس الأخلاقي لكلا الطرفين. وبحلول منتصف عام 2024، كان المتمردون الحوثيون قد أرسلوا آلاف اليمنيين إلى معسكرات التدريب العسكرية الروسية تحت ذرائع زائفة. و اعتقد كثير من هؤلاء المجندين أنهم وقعوا عقود عمل في قطاع البناء مقابل ألفي دولار شهريًا، لكنهم تعرضوا لخداع قاسٍ يحوّل الحوثيين من مجرد جماعة إرهابية إلى ما هو أسوأ: تجار بالبشر، يعملون بشكل مباشر لخدمة المصالح العسكرية الروسية.
و ما يثير القلق الحقيقي، مع ذلك، هو أن نفس القيادات الحوثية المتورطة في تهريب البشر إلى روسيا -محمد عبدالسلام، وعلي محمد محسن صالح الهادي، ومهدي محمد حسين المشاط- هم أنفسهم الذين تظاهروا بدور الوسطاء خلال مفاوضات اتفاق ستوكهولم عام 2018، والتي حققت مكاسب كبيرة للفصيل المتمرد.
و هذا النمط لا يكشف فقط ازدواجية الحوثيين، بل يفضح أيضًا ضعف المجتمع الدولي: تفضيل الاحتفاء بالدبلوماسية الاستعراضية على حساب فرض التزامات يمكن التحقق منها.
و لم تؤدِ محادثات ستوكهولم إلى تحقيق السلام، بل أسفرت عن هدنة تكتيكية أُسيء تفسيرها بشكلٍ كبير من قبل الوسطاء الغربيين، الذين كانوا متعطشين لأي إشارة، مهما كانت واهية، على إحراز تقدم في اليمن.
• الانتقائية البحرية الاستراتيجية
أكدت وزارة الخزانة الأمريكية أن الحوثيين يستهدفون بشكلٍ متعمد السفن الغربية، بينما يضمنون المرور الآمن للسفن الروسية والصينية، وهو ترتيب أقروا به علنًا. و هذا النمط من الاستهداف الانتقائي ليس عشوائيًا، بل استراتيجيًا بامتياز. وكما شهد الجنرال (مايكل كوريلا)، قائد القيادة المركزية الأمريكية، أمام الكونغرس العام الماضي، فإن إيران وروسيا والصين تعيد رسم النظام الإقليمي على حساب الغرب، مستخدمة جهات فاعلة غير تقليدية مثل الحوثيين كأداة ضغط. و تنسيقهم مع موسكو وبكين لحماية السفن الروسية والصينية، مع الاستمرار في مهاجمة السفن الأمريكية والحليفة، يؤكد هذا التوجه الجيوسياسي. ووفقًا لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية، فقد تواصل (محمد علي الحوثي) مباشرة مع مسؤولين روس وصينيين لضمان استمرار هذا الترتيب.
و تندرج هذه الاستراتيجية البحرية ضمن إطار إعادة التموضع الروسي-الإيراني الأوسع، والتي تسارعت بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. إذ تخلت موسكو عن موقف الحياد، واصطفت مع إيران، وعززت علاقاتها العسكرية والاستخباراتية مع وكلائها، بدعم من الطائرات المُسيّرة التي يزودها بها الحرس الثوري الإيراني (IRGC). ومنذ ذلك الحين، ساهمت تقنية التتبع الراداري الروسية في تعزيز قدرة الحوثيين على تحديد واستهداف السفن في البحر الأحمر بدقة، مما زاد من اندماجهم في محور يهدف إلى تقويض النفوذ الغربي على التجارة العالمية.
فضلًا عن الدعم العسكري، قدمت روسيا دعمًا دبلوماسيًا حاسمًا للحوثيين. ففي عام 2015، امتنعت موسكو عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، الذي فرض حظرًا على توريد الأسلحة للحوثيين، مما سمح لهم بالبقاء فاعلًا سياسيًا في ميزان القوى الإقليمي، وضمان استمرارهم كأداة ضغط استراتيجية تخدم المصالح الروسية في اليمن. وعندما كشفت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة، من بينها المحلل الأمريكي (غريغوري جونسون)، انتهاكات واضحة لهذا الحظر، سارعت روسيا إلى تقويض تلك النتائج، وعرقلت تنفيذ القرار، واستخدمت حق النقض (الفيتو) لمنع إعادة تعيين جونسون، في خطوة تؤكد حرصها على حماية الحوثيين كحليفٍ استراتيجي.
ومع ذلك، ورغم توسع نفوذ موسكو وطهران، تمسّك صانعو القرار في الغرب بفكرة أن الحوثيين مجرد تمرد إقليمي آخر، وليسوا وكيلًا مسلّحًا ضمن محور ناشئ مناهض للغرب. حتى في الأشهر التي سبقت هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ظل هناك تفاؤل حذر بشأن انخراط الحوثيين في المفاوضات، حيث أعرب المبعوث الأممي (هانس غروندبرغ) عن تفاؤله بأن الأمور تسير "في الاتجاه الصحيح". لكن بينما انهارت هذه الأوهام اليوم، يجد المجتمع الدولي نفسه في حالة ارتباك بحثًا عن رد مناسب، في وقت لا تزال فيه الأمم المتحدة عاجزة حتى عن حماية موظفيها المختطفين لدى الحوثيين، فضلًا عن إيجاد حل لأزمة اليمن المستمرة منذ عقد.
لهذه الأسباب، فإن إعادة تصنيف واشنطن للحوثيين كمنظمة إرهابية تبعث برسالة مهمة تعترف بحجم التحدي الجيوسياسي في البحر الأحمر، لكنها تأتي متأخرة. وإذا استمرت الولايات المتحدة في التعامل وفق شروط قديمة، فستجد نفسها مرة أخرى متجاوزة من قبل جماعة لا تخضع لمصالح اليمن، بل تأتمر بأوامر طهران وموسكو. والسؤال المطروح الآن: هل ستدرك واشنطن أخيرًا حقيقة الوضع، أم أنها ستكرر الأخطاء ذاتها التي سمحت للحوثيين بالصعود منذ البداية؟
لقراءة المادة من موقعها الأصلي تصفح الرابط التالي:
Yemen's Houthi rebels have become a tool of foreign powers, shifting from an Iran proxy to a Russian asset. Source: Atlantic Council Shared via the Google app https://search.app/ykiJDiDCu9JaNPez8