تقرير: عندما تتحول اليمنيات إلى مجرد "جسد وسلعة"
يمن فيوتشر - اية خالد السبت, 15 مارس, 2025 - 01:16 مساءً
تقرير: عندما تتحول اليمنيات إلى مجرد

تسربٌ من التعليم، وحرمان من أبسط الحقوق، وتزويج للقاصرات، ثم زواج سياحي ينتهي بطفل مجهول النسب. قضايا وانتهاكات اجتمعت في قصة فتاة لم تتجاوز ربيعها الـ 15.  

الطفلة وردة -اسم مستعار- أجبرها والدها على ترك المدرسة وهي في صفها السابع، ليس لوضعه المادي السيئ، بل لتبقى في المنزل تنتظر "فارس أحلامها".  

"بكيتُ كثيرًا يومها وحاولت المذاكرة من المنزل كمحاولة الذهاب إلى الاختبارات دون علم أبي وبمساعدة أمي، إلا أن والدي رفض وضربني ضربًا مُبرحًا"، تقول وردة لـ"هودج".  

وتضيف: "يعمل والدي في التجارة وميسور الحال نسبيًا، إلا أن الطمع أعماه وأحب المال أكثر من ابنته ومصلحتها ومستقبلها وحياتها، فزوّجني وكأني سلعة ستجلب له المال "الخليجي".  

 

توسع التجارة

تحكي وردة: "عندما تقدم لي زوجي الذي يكبرني بـ20 عامًا، لم يمنحني أبي فرصةً للتفكير أو القبول والرفض، أبلغنا فقط أنه سيبدأ بإجراءات الزواج، وأن العريس من طرف أحد أصدقائه، ويمتلك أموالًا كثيرة".  

"كان أبي يرى أن هذا الزوج فرصةً لتوسيع تجارته، بينما حدثتُ نفسي بأن هذا الخليجي ربما يكون فرجًا لي من أبي ويساعدني على إكمال دراستي"، تقول وردة.  

 

صفقة وبضاعة

تم عقد القران، وبعدها بأسبوع أُرسلت وردة إلى مصر لتلتقي بعريسها، لكنها لم تجد سوى سائق سيارة زوجها، الذي أوصلها إلى الشقة.  

تصف ذلك الموقف بكل قهر: "تخيلي.. وصلتُ عروسة منتظرة زوجي ليُستقبلني، لكن قبل صعودي الطائرة اتصل بي يقول إن رحلته تأجلت للمساء، وأنه سيرسل أحدًا ليستقبلني! وقلت تمام، سهل".  

وتواصل: "وصلتُ للبيت.. كل شيء متوفر.. مرّ المساء ثم الصباح، يومان.. ثلاثة.. ولا له حس. كلمتُ أبي، فجاء لمصر ليجلس معي. توقعت أنه سيأخذني ويعيدني إلى اليمن كردة فعل أي أب تقع ابنته في موقف كهذا".  

تتابع وردة وهي تكفكف دموعها: "كل يوم كان يمر أحس بأن أبي باعني ألف مرة، وكل ما كان يعمله هو محاولة الاتصال بصديقه وتكرار: "قوله يجي.. إحنا ما نشتي نرفع قضية ونرجع له فلوسه، فلوسه قد أخذت بها بضاعة".  

"شعرتُ حينها -للمرة الألف- أنني البضاعة، وبعد عشرين يومًا ظهر العريس، وتحجج لوالدي بالظروف الخاصة والقاسية التي منعته من الحضور، ثم عاد أبي إلى اليمن وهو في قمة سعادته لأنه لم يخسر صفقته"، تتحدث وردة.  

 

سلعة رخيصة

ظلت وردة مع زوجها شهرين متتالين، وبعدها أخبرها بأنه سيبدأ بإجراءات التأشيرة ليأخذها معه إلى الكويت، لكن عليها الرجوع إلى اليمن حتى لا يظل باله مشغولًا عليها.  

تصف زوجها: "كان لطيفًا معي للغاية، وجدتُ معه حنان الأب الذي فقدته، وأشياء كثيرة، شعرتُ بأنه عَوَضُ الله لي، إلا أنني شعرتُ أنه انصدم من صُغر سني".  

وتزيد: "ذات مرةً سألني: "كيف استطاع والدكِ أن يُزوجكِ بهذا السن لرجل لا يعرفه؟" وقتها شعرتُ بغصةٍ كبيرة، وأنني مجرد سلعةٍ رخيصة".

 

الفقر هو السبب

يقول رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد في جامعة عدن، الدكتور سامي محمد قاسم، إن نسبة الفقر قبل عام 2015 لم تكن تتجاوز 40% من إجمالي السكان.  

ويضيف لـ«هودج»: "في عام 2023 وصلت النسبة إلى حدود 74% – 80%، مع أحوال اقتصادية سيئة وارتفاع الأسعار وانهيار العملة؛ ما دفع الأهالي إلى اللجوء إلى أي مخرج لمواجهة هذه الأوضاع".  

الأستاذ الجامعي يرى أنه لا سبيل لمنع هذه التصرفات إلا بفرض عقوبات وتعديل قوانين، وإصدار أخرى تمنع زواج اليمنيات من أجانب إلا بشروط وموافقة الدولة، على ألا يُعمد الزواج إلا في وزارة الأوقاف.  

 

فتاة تائهة وطفل مجهول

عادت وردة إلى اليمن بعد أن أعطاها زوجها مبلغًا كبيرًا، وبعد أسبوعين اكتشفت أنها حامل. حاولت التواصل معه لكنه غيّر رقمه، حتى صديق والدها فقد التواصل به. ومرّت شهور الحمل ووضعت دون علمه.  

"أنجبتُ طفلًا لم أستطع استخراج شهادة ميلاده حتى اليوم؛ كوني لا أمتلك أي وثيقة لإثبات نسب الأب، حتى ورقة العقد أخذتها معي للقاهرة وبقيت النسختان مع زوجي بحجة توثيقهما في الكويت للحصول على التأشيرة"، تقول وردة.  

وتتابع: "لا أعلم إلى أين أتجه بطفلي. ذهبت للأحوال المدنية في إحدى المحافظات ولم يستطيعوا مساعدتي، وأسمعوني كلامًا جارحًا، ويبدو ألا حل نلجأ إليه سوى انسابه لأبي في حال لم يعترض".  

 

بضاعتكم ردت إليكم  

والد وردة كان يعتقد أنه كسب صفقةً تجارية، لكن بضاعته ردتْ إليه، فالتزم الصمت بعد أن تملكه شعور العجز تجاه حفيده.  

وفي ذات الوقت ما زال يحاول جاهدًا في إنساب الطفل لوالده، لا لشيء إلا لإدخال حفيده ضمن عداد ورثة والده، حسب وصف وردة.  

 

الموقف القانوني للطفل

المحامية رغدة المقطري عقّبت على الموقف القانوني للطفل في ظل غيابٍ تامٍ للوثائق، وأوضحت أنه لا بد من وجود نسخةٍ لعقد الزواج. وإن فقدتها، يجب اللجوء إلى الأمين الشرعي الذي أبرم عقد الزواج وبأي محكمةٍ وُثّق العقد.  

وأضافت لمنصة هودج: "بهذا قد تحصل على نسخة طبق الأصل من العقد، وإصدار شهادة ميلاد للطفل، كما يجب أن تبحث عن الشهود والوسيط، والوصول لهوية الأب عبره لإثبات بنوة الطفل".  

وتواصل المقطري: "أما إذا تمت إجراءات الزواج عبر التوكيل الرسمي بالسفارة الكويتية فمن الممكن مخاطبتها من خلال مكتب وزارة الخارجية، ومعرفة ما إذا كان هذا الشخص مواطنًا كويتيًا أم لا".  

وبعدها تتضح التفاصيل، وتستطيع المطالبة بحقوقها ونفقتها ونسب الطفل والإجراءات الأخرى، بحسب المحامية.
 

الأثر النفسي

الأخصائي النفسي والاجتماعي عبدالله الأمير قال إن ثمة قضايا نفسية واجتماعية تترتب على الزواج السياحي. فكثير من الفتيات اللاتي يخُضنّ تجربة هذا الزواج يخرجنّ بمشكلات جمة.  

"فهذا الزواج مؤقت، وهدفه الاستمتاع، ويتم إغراء الأهل بمهر مبالغ فيه للموافقة على العقد. لكن فجأة تكتشف المرأة أنها بلا زوج وليس له أي أثر، ولا تمتلك أي معلومات حقيقية عنه أو مكان تواجده".  

"عندها تصاب البنت في كثير من الأحيان بالاكتئاب، وقد تدخل في حالة انفعالية عدوانية تجاه الأسرة، تتضاعف للأسوأ في حال كانت الزوجة طفلة"، حسب حديث الأمير لـ"هودج".  

ويختم: "هذه الحالة تنعكس على تربية الطفل وتسمى "إزاحة الانفعالات"؛ كون مشاعر الكراهية تجاه الزوج تنقلها الأم للطفل وتنزاح لا شعوريًا لابنها، الذي قد ينشأ بلا أب".  

وتتعدد أسباب الزواج السياحي، بعضها معيشي، والآخر -كوالد وردة- لا مبرر له سوى الجشع. ويبقى السؤال: هل سنجد حلًا قانونيًا فعليًا من السلطات للحد من هذه الظاهرة التي تتعامل مع المرأة اليمنية كسلعة مؤقتة وتسرق حياة فتيات بعمر الزهور؟

تم نشر هذه المادة في هودج

 


التعليقات