تقرير: انتصار وهند.. "حكاية عدستين"
يمن فيوتشر - غدير عارف الاربعاء, 12 مارس, 2025 - 01:14 مساءً
تقرير: انتصار وهند..

في صباح كل يوم، تبدأ العشرينية "انتصار عباس" يومها بحماسة وحيوية، حيث تستعد لاستقبال عملائها في استوديو التصوير الخاص بها وسط مدينة تعز جنوب غرب اليمن.

هناك، تقضي انتصار نهارها بين الكاميرات الرقمية والمصابيح الناعمة الخاصة بإضاءة الوجوه، وصور تنبض بالحياة متناثرة على الجدران، أضافت للمكان بُعدًا آخر من الجمال يلفت الأنظار.  

انتصار، الحالمة بتحليل البيانات الإحصائية، وجدت نفسها تنجذب إلى عالم الألوان بعدما وصلت إلى طريق مسدود في الحصول على فرصة عمل في تخصصها الجامعي: إحصاء ونظم المعلومات.  

"كنت أحلم بالعمل في مجال تخصصي، لأنه متطلب في أغلب الدوائر الحكومية والشركات الخاصة، إلا أنه وبسبب الأوضاع أُغلِقت المنشآت ولم يتحقق حلمي".. تقول انتصار.  

تخرجتْ عام 2013 من كلية العلوم الإدارية بجامعة تعز، لكن حلم انتصار اصطدم بوضع لم يكن في الحسبان، إذ اندلعت الحرب في البلاد أواخر 2014، وأثرت تداعياتها على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك القطاع التعليمي وسوق العمل.  

ويعود آخر توظيف رسمي إلى عام 2012، ومنذ ذلك الحين توقف التوظيف الحكومي في اليمن، خصوصًا مع استمرار التدهور الاقتصادي وغياب السياسات الحكومية في توظيف الخريجين الجدد.  

تقول انتصار لمنصة هودج: "قدّمتُ لأكثر من جهة لكن لم أجد استجابة بسبب عدم وجود خبرة في المجال الذي درسته؛ نتيجة قلة فرص العمل، ومنح الأولوية لأصحاب الخبرة".

ورغم التحديات التي فرضتها ظروف الواقع ومتغيراته، لم تستسلم هذه السيدة العشرينية، فقد قررت منذ عام 2019 العمل في مجال التصوير ضمن مشروع خاص مع شقيقتها "طيف".

كان هذا بالنسبة لها "فرصة عظيمة لبدء مشروعنا الخاص ونعتمد عليه لتيسير الحال"، وتتابع انتصار حديثها: "بدأنا بمعدات بسيطة من البيت وبمجهود ذاتي، لا دعم ولا منح".  

مع مرور الوقت، توسع العمل تدريجيًا "فاشترينا معدات حديثة وفتحنا استوديو خاص، وأصبح لدينا تصوير داخلي وخارجي"، تقول انتصار، وتوضح أن المشروع ينمو، وتطمح بتقديم خدمات جديدة وضم كادر إضافي.

وتضيف: "أكسبتنا التجربة الثقة بالنفس، ولقمة العيش بجهد ذاتي"، ومكنتنا من بناء علاقات قوية مع الموردين وأصحاب قاعات الأفراح، والتعامل باحترافية مع العملاء؛ مما ساعدني اقتصاديًا وساعد عائلتي".

 

حلم أصبح واقعًا

تتشابه تجربة انتصار إلى حد ليس ببعيد مع قصة هند عبد العزيز (27 عامًا)، التي بدأت مسيرتها المهنية في مجال التصوير بعد أن درست إدارة الأعمال وتخرجت من الجامعة عام 2019. لكن لم تكن الوظائف التي تليق بتخصص هند متاحة في السوق؛ ما جعلها تقبل بوظيفة في استوديو تصوير.  

"كنت بحاجة للعمل، ليس لدي معيل، وكان عليّ أن أصرف على نفسي وأجد مصدر دخل مستقل، فلم يكن أمامي خيار آخر"، تقول هند، التي قررت العمل في هذا المجال الذي يتماشى مع هوايتها. بدأت هند العمل في التصوير داخل أحد الاستوديوهات بمدينة تعز، حيث كانت تفتقر في البداية إلى مهارات الفوتوشوب.

"لكن مع الأيام تعلمتُ وأصبحتُ محترفةً في المجالين، فبعد ثلاث سنوات من التنقل بين الاستوديوهات، اكتسبت الخبرة والمهارات"، تفيد هند بثقة. ومع مرور الوقت، قررتْ أن تجعل من التصوير مسارها المهني الجديد وترسم من خلاله مشروعها الخاص الذي بدأته قبل عامين من الآن.

بدأت بمعدات بسيطة جمعتها من خلال مدخراتها. "أول شيء اشتريته كان لابتوب، ثم كاميرا، ثم تدريجيًا بدأت أشتري المعدات الأخرى"، تضيف لمنصة هودج.

"في البداية كنت أتوقع أن تكون هذه مرحلة مؤقتة، لكن سبحان الله استمريت"، تتحدث هند، التي أصبح عملها في التصوير أكثر من مجرد مهنة، بل أسلوب حياة. تعمل حاليًا عن بُعد من خلال حجوزات العملاء، لكن في الوقت نفسه تطمح أن يكون لها محل رسمي في المستقبل.

وتقضي هند أيامها بتصوير حفلات الأعراس والجلسات الخاصة، مثل تصوير الخريجين وأعياد الميلاد، بالإضافة إلى عملها في تعديل الصور باستخدام الفوتوشوب.  

تتطلع هند لتأسيس عمل خاص في أي مكان آخر خارج البلاد، تقول: "إن هذا المجال في اليمن، وخاصة بمدينة تعز، أصبح واسعًا ومليئًا بالمنافسة التي تعتمد في الغالب على المظاهر وليس على الإتقان أو الخبرة"، حد تعبيرها.

 

تحديات وتجارب

لم تكن رحلتا انتصار وهند خالية من الصعوبات منذ البداية، فكما تشير انتصار: "واجهنا صعوبة في توفير المعدات الحديثة، وهو ما اضطرنا في البداية إلى اقتراض الأموال لشراء ما نحتاجه من معدات".  

وتضيف هند: "لا شيء سهل، خاصة عندما يكون الهدف هو لقمة العيش، ففي البداية كنت أعمل لساعات طويلة وأعود متأخرة بعد التصوير، لكن ومنذ بدء مشروعي الخاص واجهت تحديًا بعدم تفهم بعض العملاء بأنّ الأدوات التي نستخدمها مكلفة".

وتتشارك الفتاتان في التحديات المتمثلة بتدهور العملة وزيادة الأسعار وغياب الدعم للمشاريع الصغيرة، لكن على الرغم من كل هذا، فإن العمل في التصوير أتاح لهما فرصًا لتطوير مهاراتهما الشخصية والاجتماعية.

"جعلني التصوير اجتماعية، وأتاح لي فرصة التعرف على أشخاص جدد"، بحسب هند التي استطاعت البروز في مجالها عبر صديقاتها ومعارفها من العملاء، وبات عملها محل إشادة كثير من الناس. أما انتصار، فتشير إلى "تمكنها من بناء علاقات قوية مع العملاء".

 

أسباب واقتراحات

تشير تقارير رسمية وأخرى صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن نسبة البطالة في اليمن ارتفعت إلى 35 %، بعد أن كانت 14 % قبل الحرب.

في حين ارتفع معدل الفقر إلى نحو 78 % ليواجه الشباب، الذين يمثلون 70 % من إجمالي السكان البالغ عددهم 32.6 مليون نسمة، واقعًا صعبًا مع انعدام الفرص أمامهم.

ويرى الصحفي الاقتصادي وفيق صالح أن التحديات التي تواجه خريجات الجامعات تكمن في المناهج الدراسية النظرية غير المتوافقة مع متطلبات سوق العمل.

ويقول صالح لمنصة هودج: "إن هذه إشكالية حقيقية تحد من استيعاب سوق العمل لكافة خريجي الجامعات".

من جهته، يعتقد أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، محمود البكاري، أنّ المشاريع الخاصة تمثل بديلاً مناسبًا لاستيعاب الشباب وتوفر فرص العمل، مشيرًا إلى ضرورة دراسة جدوى لهذه المشاريع لتجنب مشاكلها.

كما يقترح البكاري أن "تكون هناك مشاريع مشتركة لتكامل الجهود وزيادة فرص النجاح، مع ضرورة دعم منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص للمشاريع الصغيرة تحقيقًا للتنمية المستدامة".

تم نشر هذه المادة في منصة هودج

 


التعليقات