اليمن: غلاء الأسعار يرهق الأسر ويبدد فرحة الصائمين في عدن
يمن فيوتشر - صالح المحوري: السبت, 01 مارس, 2025 - 09:39 مساءً
اليمن: غلاء الأسعار يرهق الأسر ويبدد فرحة الصائمين في عدن

غادر عبدالله شيخ متجر "بن حبتور" لبيع الحبوب والبهارات في قلب مدينة الشيخ عثمان، شمالي العاصمة المؤقتة عدن، وهو يضرب أخماسًا بأسداس بعد اكتشافه تكلفة الحاجيات التي يرغب في شرائها وقد فاقت المبلغ الذي بحوزته.
على مدى أعوام، تسجل أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا مستمرًا بفعل تدهور قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وفشل الحكومة في ضبط الوضع الاقتصادي. 
ومع اقتراب شهر رمضان كل عام، تشهد أسعار المستلزمات الرمضانية قفزات كبيرة في ظل غياب الدور الرقابي للجهات الحكومية المعنية.
يتقاضى عبدالله، وهو موظف متقاعد من القطاع الصحي، راتبًا شهريًا يبلغ 50 ألف ريال يمني (حوالي 25 دولارًا أمريكيًا). وبالرغم من تدني قيمة راتبه، فإن امتلاكه منزلًا يجعله في وضع أفضل مقارنة بآخرين يستلمون المرتب ذاته لكنهم مجبرون على دفع الإيجار.


•كيف يستقبل سكان عدن شهر رمضان؟
في حي الممدارة القديم، أحد أكبر أحياء مديرية الشيخ عثمان، شرقي المدينة الجنوبية، خرج عدد من الأطفال إلى الشوارع الفرعية حاملين علبًا معدنية مملوءة بالأحجار الصغيرة وأخرى مشتعلة من الأعلى، مرددين هتافات ترحيبية بقدوم الشهر الفضيل.
وبينما يعيش الأطفال هذه اللحظات بفرح، يرزح الكثير من الآباء تحت ضغوط هائلة بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، إذ يواجهون تحديات يومية لتأمين الاحتياجات الأساسية مع استمرار ارتفاع الأسعار وتدني الرواتب في القطاعين المدني والعسكري.
في ظل تدهور قيمة العملة المحلية، أصبح هدف الأسر متوسطة ومنخفضة الدخل مقتصرًا على شراء المواد الأساسية، ما يفرض تقليص كميات المشتريات أو الاستغناء عن بعضها كليًا. وبسبب التقلبات المستمرة في سعر الصرف، يجد المواطنون أنفسهم مضطرين لإعادة تقييم احتياجاتهم وتقليص الكميات المطلوبة، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم كفاية المؤن الغذائية الشهرية.
ويعكس هذا الواقع معاناة مئات الآلاف من الأسر التي تكافح شهريًا لتأمين الغذاء، في حين تجد بعض العائلات صعوبة حتى في تأمين قوتها لأيام معدودة. والأسوأ أن العديد من الأسر تستقبل رمضان بأيدٍ فارغة، إذ لا يزال الكثير من الموظفين والمتقاعدين بلا رواتب بسبب تأخر صرفها بعد تحويلها إلى البنوك الأهلية والخاصة. وحتى في حال استلامها، فإنها بالكاد تكفي لتغطية أربع مواد أساسية: الدقيق، الأرز، السكر والزيت، وبكميات محدودة.

 

•غلاء الأسعار..همٌّ يؤرق الكثيرين
يقول محمد علي (اسم مستعار)، وهو مالك محل لبيع المواد الغذائية في مديرية الشيخ عثمان، إن التجار يحاولون قدر الإمكان وضع أسعار تناسب المستهلكين، إلا أن ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية يسبب لهم خسائر كبيرة، بالإضافة إلى تكاليف النقل والجبايات والرسوم المفروضة عليهم من قبل السلطات المحلية والجهات الأمنية.

بلغ سعر كيس الدقيق (50 كيلو) نحو 54 ألف ريال يمني، فيما يباع حجم (25 كيلو) بـ 27 ألف ريال. أما الأرز البسمتي، وهو نوعية بعيدة عن متناول الأسر محدودة الدخل، فقد وصل سعر الكيس (5 كيلو) إلى 13-15 ألف ريال، في حين يباع الكيس (10 كيلو) بـ 30-35 ألف ريال، ويرتفع السعر للعبوات الأكبر.

أما الأرز الفيتنامي، الذي كان في السابق متاحًا للطبقات الفقيرة، فلم يعد كذلك، إذ وصل سعر الكيس (10 كيلو) إلى أكثر من 20 ألف ريال. وتتراوح أسعار الأرز الكمبودي، الأمريكي، وأرز المنظمات في السوق، لكنها مرتفعة مقارنة بقدرة المواطن البسيط.

وبلغ سعر السكر البرازيلي 8 آلاف ريال (5 كيلو)، و16 ألف ريال لـ(10 كيلو). أما زيت الطبخ، فقد ارتفع سعر العبوة (لتر ونصف) إلى 5 آلاف ريال، ما يعني أن الأسر ذات الاستهلاك الكبير بحاجة إلى أكثر من 20 ألف ريال لشراء عبوة (5 لتر).

ووصل سعر الكيلو الواحد من القمح الأسترالي، المستخدم في تحضير الشوربة الرمضانية، إلى 1200 ريال، وهو سعر مناسب نسبيًا للأسر ذات الدخل المحدود. أما العتر البلدي فقد بلغ 7 آلاف ريال للكيلو، فيما يباع العتر الخارجي بـ 2500 ريال فأكثر.

وسجل الدجر البلدي سعر 2500 ريال للكيلو، والدجر الصيني 3500 ريال. أما شراب الفيمتو، وهو أحد أكثر المشروبات طلبًا في رمضان، فقد وصلت العبوة الواحدة منه إلى 6 آلاف ريال.

 

•فوضى الأسعار
في سوق الخضار، تختلف الأسعار بين الجملة والتجزئة، وهو أمر طبيعي إذا لم يتجاوز الفارق 200-300 ريال للكيلو الواحد، وفقًا لهامش الربح. لكن مصادر محلية أكدت لـ"يمن فيوتشر" أن بعض تجار التجزئة في عدن يفرضون زيادات غير مبررة تتجاوز 500 ريال على الكيلو الواحد في غياب تام للرقابة الحكومية.

في سوق الجملة المركزي بمديرية المنصورة، لا توجد أسعار موحدة، إذ تباع السلة الواحدة من البطاط (30 كيلو) بحوالي 50 ألف ريال، في حين يبيعها آخرون بسعر أعلى. أما سلة البطاط (20 كيلو) فيتراوح سعرها بين 35-40 ألف ريال.

وإذ يمكن تفسير الفروقات الطفيفة بجودة المنتج ونوعه وطريقة تخزينه، تشير مصادر إلى أن بعض التجار يرفعون الأسعار رغم تطابق المواصفات والأحجام.

وبلغ سعر الكيلو الواحد من البطاط في سوق التجزئة 1800 ريال، بينما شهد البصل انخفاضًا حادًا، حيث تراجع سعره إلى 500 ريال للكيلو بعد أن كان يباع بـ 2000 ريال قبل شهر. وتباع سلة البصل (17 كيلو) بـ 7 آلاف ريال، فيما بلغ سعر كيلو الطماطم في التجزئة 2000 ريال، وسلة الطماطم (15 كيلو) 35 ألف ريال.

أمام كشك صغير في مديرية الشيخ عثمان، وقفت أم عماد، وهي امرأة في الستينيات من عمرها، تتفقد أسعار الخضروات. وبعد نظرة سريعة، استدارت متحسرة، بعدما أدركت أنها لم تعد قادرة على شراء كافة أنواع الخضروات كما كانت تفعل سابقًا.

لم تكن هذه المرأة استثناءً، فهي واحدة من آلاف الأسر التي تكافح لتوفير الغذاء اليومي والشهري مع استمرار تدهور العملة المحلية، وارتفاع الأسعار، ومع دخول رمضان، يزداد الوضع سوءًا بالنسبة للعائلات ذات الدخل المحدود، التي بالكاد تستطيع تأمين الأساسيات، بينما تبتعد السلع الرمضانية التقليدية عن متناولها.

 

•هل ثمة حلول؟
مع اليوم الأول من دخول شهر رمضان، يطرح الجميع سؤالًا واحدًا: إلى متى ستستمر هذه الأزمة الاقتصادية؟ وما هي مآلات التدهور المعيشي للسواد الأعظم من السكان؟

الإجابة واضحة: لا حلول مجدية إلا بإصلاحات حقيقية تشمل تمكين السلطات من الموارد السيادية، إعادة تشغيل وتصدير النفط، وتقليل الإنفاق الحكومي غير الضروري، إلى جانب ضبط العملة المحلية، وتفعيل الأجهزة الرقابية لمنع التلاعب بالأسعار.
واستقرار أسعار السلع مرتبط أولًا وأخيرًا بثبات سعر الصرف، وتفعيل الرقابة لضمان عدم استغلال التجار للأوضاع الراهنة، بالإضافة إلى وقف التعامل بالعملات الأجنبية في الأسواق المحلية. ودون إجراءات ملموسة، سيظل شهر رمضان اختبارًا قاسيًا للآلاف من الأسر اليمنية.


التعليقات