سيكون لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) تداعياته السلبية على الوضع الإنساني في اليمن، وقد يفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد التي تعد الأسوأ حول العالم، ويهدد حياة ملايين اليمنيين. فلهذا القرار تأثير بالمشاريع التنموية الحيوية في مجالات الصحة، والتعليم، والأمن الغذائي، ودعم المرأة والطفل، وغيرها من المشاريع التي كانت تنفذها الوكالة الأميركية، ما يعني أن الحكومة اليمنية ستواجه تحديات مالية واجتماعية إضافية تزيد من أزماتها.
وتشمل مشاريع الوكالة الأميركية دعم الحكم الرشيد من خلال العمل مع الحكومة اليمنية لتحسين السياسات، وتعزيز قدرات المسؤولين الحكوميين، وتعزيز اللامركزية، وتمكين المجتمعات المحلية. بالتالي، فإن مثل هذا القرار سيؤثر بمسارات الحكم الرشيد في البلد الذي يعيش انقساماً ناتجاً عن الحرب التي تشهدها البلاد منذ عشرة أعوام.
كما سيؤثر قرار ترامب على اتفاقية التعاون التي وقّعها وزير التخطيط والتعاون الدولي في الحكومة المعترف بها دولياً واعد باذيب، والمدير القطري للوكالة الأميركية للتنمية الدولية في اليمن، كيمبرلي بيل، في إبريل/ نيسان الماضي، مع الإشارة إلى أنها اتفاقية مساعدة مدتها خمس سنوات.
وتحدّد الاتفاقية سير المساعدة الإنمائية التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية على تسريع النمو الاقتصادي في اليمن، وتحسين الوصول إلى خدمات المياه، والصحة، والتعليم، وتعزيز الحكم والمصالحة. وكانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية قد أعلنت في 7 مايو/ أيار الماضي أن الولايات المتحدة ستقدم حوالي 220 مليون دولار من المساعدات الإنسانية الإضافية لمساعدة الشعب اليمني، بما في ذلك 200 مليون دولار من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وحوالي 20 مليون دولار من خلال وزارة الخارجية الأميركية. وأشارت إلى أنه بذلك، يصل إجمالي المساعدات الأميركية للاستجابة الإنسانية في اليمن إلى ما يقرب من 5.9 مليارات دولار منذ بدء الصراع في سبتمبر/ أيلول 2014.
وأكدت الوكالة الأميركية أن هذه الأموال الإضافية "ستدعم الشركاء في المجال الإنساني للاستمرار في الوصول إلى ملايين الأشخاص المستضعفين في اليمن، وستدعم اللاجئين وطالبي اللجوء من خلال علاج سوء التغذية، ودعم الرعاية الصحية الأولية، والمياه الصالحة للشرب، وتقديم الرعاية ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للسكان المتضررين من الأزمات".
وبحسب الوكالة، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 18 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في البلاد، معظمهم في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في الشمال. وتشدد على أن الولايات المتحدة، وباعتبارها أكبر مانح للمساعدات الإنسانية في البلاد، "ملتزمة بدعم الشعب اليمني الذي يعاني من أزمة إنسانية مدمرة".
ويعد اليمن من أبرز الدول المستفيدة من المساعدات الأميركية حول العالم. وتساهم المساعدات الأميركية المقدمة عبر الوكالة الأميركية في دعم مشاريع الإغاثة، وتقديم الخدمات للسكان. لكن جهود الوكالة تعرّضت للتضييق من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) التي تحكم قبضتها على مناطق واسعة من البلاد، ويقطنها أكثر من 70% من السكان.
وكانت جماعة الحوثيين قد اتهمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بتنفيذ أنشطة تجسسية تستهدف البلاد، والمجالس المحلية وأعضاءها. وبثت الأجهزة الأمنية التابعة للجماعة في يوليو/ تموز الماضي ما قالت إنها اعترافات لأعضاء شبكة تجسس، أعلن فيها أحد المتهمين عن قيامه بالتجسس، وتحدث عن أكبر مشاريع الوكالة الأميركية للتنمية في قطاع الديمقراطية والحكم الرشيد أثناء الحرب، وهو مشروع مجتمعات عالمية، بميزانية 5 ملايين دولار، وينص على العمل مع المجالس المحلية على مستوى المحافظات.
ونقلت وسائل إعلامية، تابعة للحوثيين، عن المتهم هشام الوزير، قوله، إن "الأهداف الخفية للمشروع هي عملية استقطاب وتجنيد للشخصيات الاجتماعية، إذ إنها ترتبط بالوكالة الأميركية للتنمية والحكومة والسفارة الأميركية، وتضمن إيجاد نفوذ للأميركيين في المديريات، بما يخدم مصالح وأجندات الحكومة الأميركية، وتوفير غطاء مدني لوجود القوات الأميركية العسكرية في الجنوب، وتحديداً في محافظتي عدن والمكلا".
كما نقلت عن المتهم شايف الهمداني، قوله إن "الهدف الرئيسي للوكالة الأميركية هو الوصول إلى قواعد المجتمع على مستوى المواطن والدولة بشكل عام، من خلال جمع البيانات عن آرائهم والتأثير على حياة الفرد والمجتمع، وجمع المعلومات التي لا تستطيع الأقمار الاصطناعية جمعها، وبالتالي السيطرة على سلوك ورأي المواطن".
أيضاً، نقلت عن المتهم، عامر الأغبري، قوله إنه في "عام 2004، نسقت الاستخبارات الأميركية لعمله في مشروع تحسين التعليم الأساسي التابع والمموّل من الوكالة الأميركية، ويشرف عليه ضابط الاستخبارات الأميركي جون رالي". أما المتهم مجيب المخلافي، فقال إن جامعة صنعاء تضم مركزاً لدراسة "النوع الاجتماعي" الذي دعمته الوكالة الأميركية من أجل تعميم هذا المصطلح، مضيفاً: "اكتشفنا أن مصطلح النوع الاجتماعي الذي دعمته الوكالة الأميركية عام 2014 ثلاثي، ولا يقتصر على الذكر والأنثى".
إلى ذلك، يقول المنسق العام للجنة العليا للإغاثة، جمال محفوظ بلفقيه، لـ"العربي الجديد"، إن الولايات المتحدة تعتبر من أكبر الداعمين لليمن، من خلال الوكالة الأميركية للتنمية، ولا شك أن إغلاق الوكالة سيوثر سلباً على خطة الاستجابة لليمن 2025، خصوصاً مع استمرار الحرب، وتغير المناخ الذي أدى إلى وضع اقتصادي مزر، زاد من معاناة المواطن اليمني.
ويشدد بلفقيه على ضرورة نقل مكاتب المنظمات الدولية إلى عدن، وتكثيف الدعم، وتنظيم العمل الإنساني، وتحويل الأموال الخاصة بالمنظمات إلى المصرف المركزي بعدن، بما يساعد على تنظيم العمل الإنساني، بعيداً عن سيطرة الحوثيين، وخصوصاً مع تصنيف الإدارة الأميركية الحوثيين جماعة إرهابية، وتوجه مجلس القيادة الرئاسي في اليمن إلى إعادة تشكيل الهيئة العليا للإغاثة كنافذة واحدة، الأمر الذي سيساعد على وصول المساعدات إلى جميع المحافظات، وفق مبدأ لامركزية العمل الإنساني".
من جهته، يقول الصحافي، محمد الحكيمي، لـ"العربي الجديد"، إن "إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية سيفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن نتيجة عوامل عدة، أبرزها أن اليمن يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وكانت الوكالة الأميركية من أهم الجهات المساهمة في دعم خطة الاستجابة عبر مشاريعها المتنوعة. وتعد الوكالة إحدى أبرز الجهات الداعمة لليمن، وتصنف الحوثيين جماعة إرهابية عالمية من قبل الإدارة الأميركية. وتضييق الحوثيين على عمل المنظمات في مناطق سيطرة الجماعة سيزيد من حجم الأزمة الإنسانية التي سيتضرر منها اليمنيون بالدرجة الأولى".
يشار إلى أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) تأسست في عام 1961، وهي مسؤولة عن تقديم المساعدات الإنسانية الأميركية لدعم مكافحة الفقر والأمراض والكوارث في مختلف أنحاء العالم.