تقرير: الصحفيات اليمنيات في مواجهة السياقات المُعيقة
يمن فيوتشر - نهى الكازمي الأحد, 02 فبراير, 2025 - 02:00 مساءً
تقرير: الصحفيات اليمنيات في مواجهة السياقات المُعيقة

تتكبد عشرات الصحفيات اليمنيات معاناة السفر من صنعاء إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية لاستلام رواتبهن التي تُصرف كل أربعة أشهر تحت بند "موظفات نازحات".

فلم يعد بإمكان الصحفيات اليمنيات استلام رواتبهن من صنعاء أو من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين بسبب القيود التي فرضتها وزارة الخدمة المدنية التابعة للشرعية، والتي اشترطت حضورهن شخصيًا لاستلام الرواتب باعتبارهن نازحات في مناطق الشرعية.

تقول أميرة (اسم مستعار): "منذ عشرة أعوام ونحن نعاني من انقطاع الرواتب. نحن لا نتسلم رواتبنا أسوة بزملائنا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية".

تضيف أميرة لمنصة هودج: "قُطعت الرواتب في صنعاء من قِبَل الحوثيين، كما واجهنا صعوبات في استلامها من مناطق الشرعية. الأمر يجبرنا أحيانًا على السفر إلى عدن أو تعز؛ من أجل الحفاظ على استحقاقنا للراتب الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه. ومع ذلك، فإن هذا الراتب لا يغطي تكاليف السفر لاستلامه، لكننا نحاول الإبقاء على نافذة أمل بأن ينتهي الصراع، وتتحسن أوضاع هذا البلد، وتستقر الرواتب كما كانت قبل الحرب".

 

مؤتمر يمانيات: رؤية مُستقبلية لتمكين الصحفيات

بمشاركة أكثر من 100 مشارك/ة، وبدعم من الوكالة الفرنسية (CFI)، انعقد في مدينة تعز اليمنية في أكتوبر 2024 مؤتمر "يمانيات"، الذي نظّمه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي تحت شعار "تمكين النساء من خلال الإعلام؛ لأجل السلام". ويُعدّ هذا المؤتمر الأول في اليمن الذي يدعم الصحفيات اليمنيات بشكل صريح وواضح.

استعرض المؤتمر، الذي شارك فيه أكثر من مئة صحفية وصحفي يمثلون محافظات يمنية عدة، جملة من الإشكاليات المحيطة بعمل الصحفيات اليمنيات، ووضع حلول ممكنة لتغيير النظرة النمطية للمجتمع التقليدي تجاه الصحفية اليمنية.

 

الإشكاليات التي تناولها المؤتمر

المنظومة الثقافية المُقيدة

نشوب الصراع في اليمن عام 2015 وما تبعه من نتائج كارثية انعكست سلبًا على مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، زاد من القيود المفروضة على المرأة اليمنية. فلم تتفق المنظومة الفكرية المؤثرة في توجيه الرأي العام في اليمن على شيء كما اتفقت على تهميش دور المرأة في شتى المجالات. وحتى عندما أثبتت المرأة قدرتها على تجاوز آثار الصراع، بقيت حبيسة الرؤى الضيقة التي تُحدد دورها ضمن إطار وظيفي محدود.

تقول الصحفية إجلال (اسم مستعار): "نشأت في بيئة محافظة تؤطر المرأة ضمن منظور وظيفي محدد. فالمرأة إذا عملت، فلا يُتاح لها إلا أن تكون معلمة في مدرسة للبنات. لم يكن طموحي يومًا أن أكون معلمة. كنت دومًا الطالبة المسؤولة عن تقديم الفعاليات المدرسية. لكن عندما أبدَيتُ رغبتي في الالتحاق بقسم الإعلام، رفض والدي قائلًا: الإعلام للرجال".

هذا التأطير للدور الوظيفي للمرأة كان سببًا في غياب الصحفيات اليمنيات لفترة طويلة، وما زالت هذه النظرة تؤثر سلبًا على حصولهن على حقوقهن واستحقاقاتهن المهنية.

 

انعدام العائد المادي

فقدت مئات الصحفيات اليمنيات وظائفهن منذ بداية الحرب عام 2015. بعضهن تركن العمل الصحفي، بينما تمكنت أخريات من التشبيك مع منصات إعلامية لإيصال أصواتهن، لكن كثيرات ما زلن يبحثن عن فرص عمل تُوفر دخلًا معقولًا.

الصحفية أروى من محافظة إب فقدت عملها وتوقف راتبها بسبب الحرب، كما توقفت المؤسسة الإعلامية التي كانت تعمل فيها. تعيل أروى أسرة مكونة من خمسة أفراد، بينهم طفلان. تقول: "إن المؤسسات الإعلامية الحكومية أغلقت أبوابها أمام الصحفيات، ولم تُمنح لنا فرص العمل".

تُضيف: "حاولت العمل مع منصات إعلامية يمنية، لكن دون جدوى. معظم هذه المنصات لا تدفع مقابلًا ماديًا، وإن دفعت، فإن المبالغ زهيدة للغاية، مما أجبرني على ترك العمل الصحفي والبحث عن مصدر دخل آخر لإعالة أسرتي".

 

بيئة العمل السّامة

تتميز بيئة العمل الصحفي في اليمن بأنها محصورة على الرجال، وحضور الصحفيات غالبًا يكون باهتًا وتكميليًا. تُكلَّف الصحفيات بموضوعات محددة ومكررة، ونادرًا ما يحصلن على حقوق مساوية لزملائهن من الرجال.

تقول الصحفية (ر.ع): "توليت شكليًا رئاسة تحرير صحيفة لفترة، لكن ذلك لم يكن مقبولًا من زملائي الصحفيين. قمت بدور رئيس التحرير ومدير التحرير، ومع ذلك بقي رئيس التحرير الفعلي هو المتصدر".

وتضيف: "بيئة العمل الطاردة دفعتني إلى تقديم استقالتي، فمن الصعب أن أعمل وفق هذه الازدواجية".

 

التمكين كحل

تمكين الصحفيات اليمنيات يحتاج إلى خطوات تدريجية تبدأ بمواجهة السياقات الثقافية المُعيقة. الحل يكمن في التواصل مع المجتمع المحلي الرافض لمشاركة المرأة، عبر جلسات نقاش تُبحث فيها أسباب هذه المعارضة وتُحدد نقاط الاتفاق بدلًا من التركيز على الاختلاف.

تشير سميرة سالم، مديرة راديو تواصل المجتمعي بمحافظة المهرة، إلى أن تمكين النساء في الإعلام يعني قدرتهن على تسليط الضوء على قضايا كانت تُهمَّش. وتؤكد أن التمكين الحقيقي يكمن في إشراك الصحفيات في إنتاج المحتوى الإعلامي.

وفي البيان الصادر عن مؤتمر "يمانيات"، أكّد المشاركون على أهمية تمكين الصحفيات للوصول إلى مراكز صنع القرار، ومساندة حضورهن الإعلامي، مع التركيز على دورهن في عملية السلام.

 

تم نشر هذه المادة في منصة هودج


التعليقات