تُشير القرارات الأخيرة التي اتخذتها حكومة الحوثيين، المدعومة من إيران، إلى أن الجماعة تسلك نهجًا متعرجًا يفتقر إلى الوضوح والاستقرار.
ففي الخميس الماضي: أقدم الحوثيون على اختطاف سبعة موظفين تابعين للأمم المتحدة في العاصمة صنعاء.
و الجمعة: أطلقت الميليشيا سراح طاقم السفينة التجارية "غالاكسي ليدر"، المكون من 25 فردًا، والتي كانت قد استولت عليها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
و السبت: أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الحوثيين أفرجوا عن 153 أسير حرب.
ونقلت وكالة سبأ، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، عن زعيم الجماعة (عبد الملك الحوثي) قوله:
"هذه الخطوة تأتي دعمًا لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة."
ومع ذلك، لم تقدم جماعة الحوثي، المعروفة أيضًا باسم (أنصار الله)، حتى الآن أي تفسير رسمي لأسباب اختطاف موظفي الأمم المتحدة السبعة.
•اختطاف موظفي الأمم المتحدة: ورقة ضغط في المفاوضات
صرّح (عبد الغني الإرياني)، الباحث البارز في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، لموقع DW قائلاً:
"اختار الحوثيون اختطاف موظفي الأمم المتحدة لأنهم أكثر قيمة في التفاوض على صفقة."
و من جانبه، يرى (هشام العُميسي)، المحلل اليمني المختص بالصراع والمقيم في واشنطن، أن الحوثيين بحاجة إلى أوراق ضغط جديدة في المفاوضات.
وقال العُميسي لموقع DW:
"مع اقتراب تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية وتشديد الخناق على مواردهم، يحتاج الحوثيون إلى اللعب بأوراقهم المتاحة، والقيام بما يجيدونه دائمًا، وهو احتجاز الرهائن واستخدام القوة."
•إعادة تصنيفهم كإرهابيين أجانب:
في غضون ساعات من تنصيبه في 20 يناير/ كانون الثاني، وقع الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) مرسومًا أعاد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) بسبب هجماتهم على الشحن البحري في البحر الأحمر وإسرائيل.
ومن المقرر أن يدخل الأمر التنفيذي حيز التنفيذ خلال 30 يومًا، أي في أواخر فبراير/ شباط.
حيث كان يستهدف الحوثيون إسرائيل والشحن الدولي في البحر الأحمر، مدّعين أن ذلك يأتي دعمًا لحماس والفلسطينيين خلال الحرب المستمرة في غزة منذ 15 شهرًا.
وكان الحوثيون قد تعهدوا مرارًا بوقف هجماتهم بمجرد التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار. إلا أنه بعد الهدنة التي تم التوصل إليها بين إسرائيل وحماس في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن الحوثيون أنهم سيواصلون استهداف السفن المسجلة في إسرائيل أو تلك المملوكة بالكامل لإسرائيليين.
وتزعم الميليشيا أنها ستتوقف تمامًا بمجرد تنفيذ المراحل التالية من اتفاقية السلام.
•الولايات المتحدة تسعى لمحاسبة الحوثيين:
ردًا على عمليات الاختطاف الأخيرة، صرّحت وزارة الخارجية الأمريكية في وقت مبكر من صباح الأحد بأن "هذه الحملة الأخيرة من الحوثيين تثبت زيف ادعاءاتهم بالسعي إلى خفض التصعيد، كما تسخر من مزاعمهم بتمثيل مصالح الشعب اليمني."
وأضاف البيان: "إن الأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس بشأن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) يعكس هذه الحقائق، وسيعمل على محاسبة الجماعة على هجماتها المتهورة وأفعالها."
وهذه ليست المرة الأولى التي تصنّف فيها الولايات المتحدة الحوثيين كجماعة إرهابية.
ففي نهاية ولايته الأولى في يناير/ كانون الثاني 2021، أدرج الرئيس الأمريكي آنذاك (دونالد ترامب) الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO).
لكن خلفه، الرئيس جو بايدن، ألغى هذا التصنيف في فبراير/ شباط 2021، موضحًا حينها أن هذه الخطوة تهدف إلى تقليل الأعمال العدائية في المنطقة وتحسين الأوضاع الإنسانية المتدهورة للسكان.
إلا أنه في عام 2024، أعادت إدارة بايدن تصنيف الحوثيين كـ"إرهابيين عالميين محددين بشكل خاص" (SDGT).
ويكمن الفرق بين تصنيفي FTO و SDGT في أن إزالة التصنيف الأخير عن جماعة ما يكون أسهل نسبيًا. كما أن تصنيف SDGT يفرض قيودًا أقل على الجهات التي تسعى لدعم الجماعة ماليًا أو بوسائل أخرى.
•"الحوثيون باتوا مرتاحين" ولا يكترثون للعواقب:
يرى المراقب اليمني العُميسي أن هناك القليل من المؤشرات على أن الحوثيين قلقون بشأن إعادة تصنيفهم كجماعة إرهابية.
وقال في تصريح لـ DW: "لقد أصبح الحوثيون مرتاحين لممارسة هذه الأفعال (الهجمات والاختطافات)، بعدما رأوا أنهم أفلتوا منها في الماضي دون عواقب جدية."
فمنذ عام 2021، اختطف الحوثيون مرارًا مواطنين أجانب من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة والبعثات الدبلوماسية، ويُعتقد أنهم لا يزالون يحتجزون نحو 70 شخصًا كرهائن.
وأضاف العُميسي: "هم يعتقدون أن الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى لن توقف برامجها، لأن بقية اليمن لا يزال بحاجة إلى المساعدات."
•تعليق المساعدات يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن:
لكن نتيجةً لعمليات الاختطاف الأخيرة، قررت الأمم المتحدة بالفعل تعليق جميع أشكال المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهو ما يؤثر على نحو 70% من سكان اليمن.
وقال (جوليان هارنس)، منسق الشؤون الإنسانية والممثل المقيم للأمم المتحدة في اليمن، يوم الجمعة:
"حرصًا على أمن وسلامة جميع موظفيها، علّقت الأمم المتحدة جميع التحركات الرسمية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطات الفعلية وداخلها."
وأضاف هارنس: "تشكل هذه الاعتقالات تصعيدًا مقلقًا بالنسبة للعمليات الإنسانية في اليمن، حيث لا تزال قضايا الوصول والأمن تمثل تحديات رئيسية."
ويعاني اليمنيون من تداعيات صراع مستمر منذ عقدٍ من الزمن بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. ففي عام 2014، أطاحت ميليشيا الحوثي بالحكومة اليمنية وسيطرت على العاصمة صنعاء.
وتصاعدت الحرب عام 2015 مع تدخل تحالف دولي بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية.
ورغم وقف إطلاق النار في عام 2023، إلا أن اليمن لا يزال منقسمًا؛ إذ يسيطر الحوثيون على معظم الشمال والغرب، بينما تخضع المناطق الجنوبية للحكومة المعترف بها دوليًا وحلفائها المحليين، في حين يظل الشرق تحت نفوذ القبائل.
•زيادة حادة في عدد اليمنيين الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية:
على مدى هذه السنوات العديدة من القتال، أوقع النزاع اليمني السكان في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
فمنذ بداية الحرب، قُتل نحو 150,000 شخص من مقاتلين ومدنيين، وتم تهجير 4.8 مليون شخص.
وفقًا لأحدث خطة احتياجات اليمن الإنسانية واستجابتها لعام 2025 التي أعدّها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يُقدّر أن 19.5 مليون شخص، أي نصف السكان، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية في عام 2025.
وبالمقارنة مع عام 2024، فإن هذا يُمثل زيادة قدرها 1.3 مليون شخص.