هل فشل جريفيث "كرسول" للامم المتحدة الى اليمن؟..اليكم قراءة موجزة من مستشاره عبدالغني الارياني
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات- عبدالغني الإرياني السبت, 03 يوليو, 2021 - 05:42 مساءً
هل فشل جريفيث

 من غير السهل تقييم أداء مارتن غريفيث كوسيط ومبعوث أممي خاص، فالمبعوثون الخاصون للأمم المتحدة ليسوا وسطاء عاديين، حيث يحملون في طياتهم الثقل الدبلوماسي الكامل للمجتمع الدولي فضلا عن امتلاكهم مجموعة من وسائل الترهيب والترغيب. فبوسعهم أن يثنوا على حسن السلوك، وأن يقترحوا مكافآت ــ كتمويل الأعمال الإنسانية ومشاريع الإنعاش المبكر ــ وأن يقدموا الدعم التقني. والأهم من كل هذا، يمكنهم أن يوصوا بالاعتراف الدولي بأطراف الصراع.

بمقدور المبعوثين الخاصين أيضا إبراز السلوك السيئ لطرف ما، وفضح الأفعال المشينة، وكشف الأعمال الإجرامية، والتوصية بفرض العقوبات. ولعل الأكثر أهمية أنهم يُبلورون نظرة المجتمع الدولي للأطراف المتحاربة.

وفي حين يصعب تحقيق السلام ما لم تكن الأطراف مستعدة لذلك، فإن بمقدور أي مبعوث محنك للأمم المتحدة أن يهيئ الظروف المواتية لعملية السلام باستخدام مختلف هذه الوسائل لتغيير حسابات الأطراف المتحاربة بحيث يصبح السلام مربحا أكثر من الحرب.

حين عين مارتن غريفيث في فبراير/شباط 2018، حذره مستشاروه من وجود عدد من العقبات أمام تحقيق السلام في اليمن. (كنت أحد هؤلاء المستشارين). اقتصاد الحرب كان أحد هذه العقبات. فزيادة أسعار المنتجات النفطية كان جزءاً كبيراً من وسائل التربح من هذه الحرب. نص أحد المقترحات لمعالجة هذا الأمر على دعم الأمم المتحدة لشركة النفط اليمنية من أجل توزيع المنتجات النفطية بسعر التكلفة، وإلغاء هوامش الربح التي كانت تتدفق إلى جيوب أمراء الحرب والأطراف المتحاربة. تجاهل غريفيث هذا المقترح، وبالتالي تزايدت هوامش الربح واستمرت الحرب.

العقبة الأخرى كانت تتمثل في الأهداف الغامضة للتحالف الذي تقوده السعودية، بما في ذلك عزمه إنشاء منفذ إلى المحيط الهندي عبر شرقي اليمن. وعوضاً عن التعامل مع هذه المسألة مباشرة ودراسة بدائل أخرى مثل إبرام معاهدة دولية بين البلدان المعنية تتيح سبل الاستفادة من هذه المنافذ دون المساس بسيادة الأراضي اليمنية، لم يتخذ المبعوث الخاص أي إجراء. وقد نقل ناشط سياسي يمني ما قيل له على لسان أحد كبار المسؤولين السعوديين المعنيين بالملف اليمني: “في حال لم نحقق أهدافنا، فإننا نعتزم إبقاء الوضع في اليمن كما هو عليه”.

تمثلت العقبة الثالثة في الافتقار للتمثيل الكاف لمختلف الجهات اليمنية الفاعلة، خلال مفاوضات السلام التي تطرحها الأمم المتحدة. فقد اختزلت الأمم المتحدة الصراع اليمني المتعدد الأوجه في أبرز طرفين مرئيين: الحكومة المعترف بها دولياً وأنصار الله (جماعة الحوثيين المسلحة). لم يُقْدِم المبعوث الخاص على خطوة تُذكر لمعالجة الوضع. وحتى عقب لجوء المجلس الانتقالي الجنوبي لاستخدام القوة العسكرية من أجل السيطرة على عدن، بما ضمن له مقعداً على طاولة المفاوضات، لم يتغير نهج عمل غريفيث. لم يكن هناك “مظلة كبيرة” تتيح لجميع الجهات الفاعلة الرئيسية تحتها، إبداء رأيها في عملية السلام منذ بدء المفاوضات. وبالتقاعس عن القيام بذلك، منح غريفيث حوافز مشجعة لبعض المجموعات لعرقلة بدء مفاوضات سلام جادة.

تفتقد “مبادرة الإعلان المشترك”، التي اقترحها غريفيث لوقف الأعمال العسكرية، القدرة على صنع السلام. فهي لا تتناول أهمية ضمان تمثيل أكثر شمولاً، ولا تُقرّ بانهيار الدولة اليمنية، وبضرورة وضع نموذج جديد للقيادة الجماعية. كما أن الإعلان لا يعترف بأن الاتفاق على الخطوط العريضة لخطة تقاسم السلطة والثروات استناداً إلى الحقائق الميدانية الجديدة، هو شرط مسبق لوقف الأعمال العدائية من أجل منع اليمن من الانزلاق إلى واقع يشبه الصومال. ولا يُقرّ الإعلان المشترك بأنه في هذه المرحلة من تفكك الدولة، يحتاج المجتمع الدولي إلى البدء في بناء عملية السلام من القاعدة إلى القمة، وتحقيق الاستقرار في المحافظات وتمكينها من ترسيخ الأمن حتى في حال اجتاحت الفوضى مُجريات العمل السياسي على المستوى الوطني.

كما لم تستند صياغة الإعلان المشترك إلى خطة تُحقق التوازن بين الأطراف المتحاربة وبين التركيبة الديمغرافية في اليمن، بما يضمن الحد الأدنى من الاستقرار اللازم لاستعادة الدولة اليمنية، أو حتى للحفاظ على السلام لفترة زمنية طويلة.

اللائحة الخاصة بأخطاء وأوجه قصور غريفيث قد تكون طويلة، ولكن: هل يمكن القول بأنه فشل؟ الجواب هو: على حسب.

من مزايا هذا المنصب الدولي الرفيع أن يتمتع صاحبه ببعض الحرية في تحديد نطاق مهامه أو مهامها، وكان غريفيث ذكياً بما يكفي لتعريف مهمته في اليمن على أنها تهدف “لإنهاء الحرب وليس إحلال السلام”. أدرك غريفيث أن تحقيق السلام يتطلب فهما متعمقاً لسياسة وتاريخ اليمن. ويتطلب أيضا تقديرا للديناميات السياسية الإقليمية التي كان لها تأثير هائل على الصراع. وهذه مهمة عسيرة بالنسبة إلى دخيل، لذا منذ البداية أخبر غريفيث فريق عمله بأنه “لا يرغب أن يكون مشوشاً بالتفاصيل”.

وبالاستناد إلى تعريف غريفيث لنطاق مهامه، يمكن القول بأنه لم يفشل كثيراً. فوقف الأعمال العدائية على الصعيد الوطني يكاد يكون في متناول اليد.

غير أن مبادرة الإعلان المشترك هي معادلة ستُفضي بالتأكيد الى استئناف المعارك، ويتسق ذلك على الأرجح مع ما عناه مسؤول سعودي حين قال: “إبقاء الوضع كما هو عليه”.

اتجه اليمن أكثر فأكثر نحو الانهيار خلال فترة ولاية مارتن غريفيث، حيث ضاعت فرص عديدة كان يمكن أن تعكس أو حتى توقف هذا المسار. ولكن، لا نستطيع إلقاء اللوم عليه، فهذا الأمر لم يكن من مسؤولياته، حسب تعريفه لمهامه، فقد كان الرسول فقط وليس صانع سلام.

 

* عبد الغني الإرياني هو باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، حيث تتركز أبحاثه على عملية السلام وتحليل النزاع والتحوّلات في الدولة اليمنية.

لقراءة المقال من موقعه الاصلي على الرابط التالي

https://sanaacenter.org/ar/


التعليقات