أنهت سارة، بعد جهدٍ كبير، تهدئة ميّاس البالغ من العمر ستة أشهر، بعدما حاولت لمدة نصف ساعة. أخذت شالًا شفافًا وغطت به جسده النحيل بحذر.
"الآن أستطيع أن أستريح. فهو معظم الوقت يبكي وهذا الأمر مزعج ومتعب نفسيًا وجسديًا"، قالت بينما كانت تضع علبة الحليب على رف خشبي أعلى السرير.
منذ أربعة أشهر، أصبح الطفل يعتمد في غذائه على الحليب الصناعي بعد أن تراجع إنتاج الحليب الطبيعي لدى والدته بسبب التغيرات الهرمونية الناتجة عن حملها الجديد.
كان حملها الثاني، بعد ولادة ميّاس بشهر ونصف، مفاجأة غير متوقعة. لم تكن سارة على دراية بكيفية تأثير حملها الجديد على قدرتها على إرضاع طفلها الأول. تقول: "لم يكن لدي أي فكرة عن تأثير الحمل على الرضاعة، وأنني قد لا أستطيع إرضاع ورعاية طفلي كما ينبغي".
تعاني سارة من صعوبة في الحركة بسبب إعاقة في قدمها اليسرى التي تحد من قدرتها على التنقل بشكل طبيعي، فقد وُلدت عام 1994 بقدم قصيرة وملتوية.
كانت تعتقد أن كل شيء سيجري بشكل طبيعي، ولكنها اكتشفت أن الأمر ليس بهذه السهولة، خاصة في ظل الإعاقة التي تعاني منها في قدمها، مما يجعل التنقل والتعامل مع المهام اليومية والوصول إلى الخدمات الصحية أمرًا في غاية الصعوبة.
"كلما كبر الجنين، يزداد ألم قدمي مما يجعل المشي والتحرك أكثر إرهاقًا" تقول سارة متحدثة عن وضعها الحالي وعن تجربتها في وضع مولودها الأول.
سارة، البالغة من العمر 30 عامًا، تقطن في إحدى قرى مديرية التعزية بمحافظة تعز جنوبي غرب اليمن، تتذكر عندما وضعت مولودها الأول – ميّاس – حيث تم نقلها إلى أحد المستشفيات في مركز المدينة. وعندما وصلت الممرضات المناوبات إلى غرفتها، اكتشفن أنها تعاني من تحدي حركي أثناء المخاض.
تقول: "فور وصولي المستشفى، أوصت الممرضات بإجراء عملية قيصرية، ولكني رفضت ذلك وتحملت آلام المخاض، وفي النهاية أنجبت بشكل طبيعي".
تشكو سارة من عدم قدرة الممرضات على فهم حقيقة أن الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية يمكنهم الولادة بشكل طبيعي.
توجد في محافظة تعز أكثر من 280 مرفقًا حكوميًا يقدم خدمات الصحة الإنجابية، إلا أن غالبيتها تفتقر إلى البنية التحتية المادية الملائمة لظروف ذوي الاحتياجات الخاصة.
وتزداد المشكلة في المناطق الريفية، حيث تعيش سارة، إذ تفتقر وحدات الرعاية الصحية إلى الأساسيات المادية مثل الأرصفة والأبواب المتسعة والكراسي المتحركة وأجنحة الولادة المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، مما يزيد من معاناتهم.
"إجابات متناقضة"
ليس النساء وحدهن من يعانين من مشاكل تتعلق بالصحة الإنجابية، بل تشمل أيضًا الرجال، كما هو الحال مع مجيب. عندما قرر التفكير في الزواج قبل سبعة أعوام من الآن، كانت تراوده العديد من المخاوف والشكوك، وكان أبرزها القلق بشأن إنجاب أطفال يعانون من إعاقات بصرية. فقد بدأ يعاني منذ سن المراهقة من ضعف في النظر، مما تطور لاحقًا إلى إصابته بمرض التهاب العصب البصري، والذي أدى إلى فقدانه 85 بالمائة من قدرته على الإبصار.
بعد عام على زواجه، أصبحت زوجته حاملًا، وعندها بدأ يشعر بالقلق والخوف بشأن تأثير حالته الصحية على الأطفال الذين سيُرزق بهم. فقرر أن يسعى للحصول على استشارات طبية ليتأكد من كيفية تأثير مرضه على صحته الإنجابية وقدرته على الإنجاب بشكل طبيعي.
يقول مجيب: "الأطباء الذين زرتهم كانت إجاباتهم متضاربة. منهم من أخبرني أن التهاب العصب البصري ليس مرضًا وراثيًا، وآخرون نفوا ذلك تمامًا".
هذه الإجابات المتناقضة، إلى جانب نقص الوعي الطبي حول تأثير إعاقته على الإنجاب، أثارت لديه العديد من المخاوف غير المبررة. ولكن هذه المخاوف تبددت بعدما وضعت زوجته الطفل الذي نما بشكل طبيعي وسليم ولم يُظهر أي أعراض لضعف في النظر أو إصابات بصرية.
اليوم، ابنهم في سن السادسة من عمره، و "هو في صحة جيدة ولا يحمل أي علامات مرتبطة بالمرض الذي أعاني منه" كما يقول وهو يبتسم.
تحديات
يواجه ذوي الإعاقة العديد من التحديات التي ساهمت في افتقارهم للمعرفة في الصحة الإنجابية وتتمثل أبرزها "بقلة الاهتمام من قبل الأسرة والمجتمع، إضافة إلى نقص التوعية المتعلقة بالصحة الإنجابية سواء لهم أو للمجتمع بشكل عام" حسبما تفيد الأخصائية الاجتماعية بصندوق المعاقين في تعز، تهاني حسن.
وتؤكد أن هذه المشكلة تتفاقم أيضًا "بسبب النظرة الدونية تجاه المعاقين وعدم إشراكهم في الأنشطة المجتمعية والفعاليات، بالإضافة إلى غياب التنمية المعرفية والمهارية التي تمكنهم من تحقيق الاستقلالية في تحديد مشكلاتهم الصحية وغير الصحية وإيجاد الحلول المناسبة لها. فضلًا عن افتقار هم إلى الدعم الكافي للاستفادة المثلى من الخدمات الصحية المتاحة".
لا توجد إحصاءات رسمية بأعداد المعاقين في اليمن؛ إلا أن تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن عددهم "ما لا يقل عن أربعة ملايين ونصف المليون نسمة أي حوالي 15 بالمئة من عدد السكان" ويواجهون صعوبات مضاعفة بسبب الحرب.
احتياجات وإجراءات
تعد الصحة الإنجابية من المواضيع الحيوية التي تؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد والأسر، خاصة في ظل الظروف الصحية والاقتصادية الصعبة.
وتبرز أهمية التباعد بين فترات الإنجاب والرضاعة الطبيعية كوسيلتين أساسيتين لتحسين الصحة العامة للأم والطفل وتجنب المشاكل الصحية لدى المعاقين، وفقًا للطبيبة نعيم العنسي، القابلة في مركز النساء التوليدي بهيئة مستشفى الثورة العام بتعز، والعاملة أيضًا في تقديم استشارات في الصحة الإنجابية.
كما توصي بضرورة "الاهتمام بالرضاعة الطبيعية لمدة عامين على الأقل، وذلك لما لها من فوائد كبيرة في تعزيز صحة الطفل وتقوية جهازه المناعي، بالإضافة إلى دورها المهم في تعزيز العلاقة بين الأم وطفلها وتحقيق توازن هرموني للأم يساعد في تحسين حالتها الصحية العامة".
أما بخصوص المعلومات والاحتياجات اللازمة في الصحة الإنجابية لذوي الإعاقة، تقول ابتسام قائد، دكتورة نساء وولادة ومسؤولة سابقة في الصحة الإنجابية بمكتب الصحة والسكان بمديرية التعزية بمحافظة تعز، إنهم يحتاجون إلى "التوعية بحقوقهم، استشارات طبية متخصصة، ودعم نفسي واجتماعي. كما يجب تسهيل وصولهم إلى مرافق صحية مجهزة تلبي احتياجاتهم الخاصة."
وبشأن الإجراءات الممكنة لتسهيل وصولهم للمعلومات وخدمات الصحة الإنجابية ترى بأنها تتمثل في "تدريب مقدمي الرعاية الصحية بما يتوافق مع أنواع الإعاقات بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية للمرافق الصحية لتسهيل الوصول اليها". مشددة على ضرورة زيادة الوعي المجتمعي حول حقوق هؤلاء الأشخاص في الصحة الإنجابية "مما يعزز من دعمهم وتمكينهم من الحصول على الرعاية الصحية دون تمييز".
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي