"في كل مرة أسمع فيها قصص لنساء تعرضن لعنف توليد، يزيد خوفي من الولادة، واتمسك بفكرة تأخير الإنجاب إلى وقت غير معلوم!"، هكذا تقول حنان 26 عامًا، متزوجة منذ عامين، لكنها لم تنجب بعد بسبب خوفها من خوض تجربة الولادة، أو ما يعرف علميًّا بالتوكوفوبيا، وذلك بعد حضورها ولادة شقيقتها في إحدى المستشفيات بمحافظة تعز، ومعايشتها للإساءة النفسية التي تعرضت لها من قبل ممرضات.
ذكرى مريرة
"حلا حلا تستاهل.. هي هذي تستاهل اللي كنتِ فرحانه فيها يوم عرسك!" هذا رد بعض الممرضات عند سماعهن لمروى "اسم مستعار" وهي تتألم أثناء الولادة، بحسب شقيقتها حنان.
تصف مروى ما عاشته بذكرى مريرة لا تنسَ، وتتابع:"تم توليدي ولادة طبيعية، على الرغم من أن حالتي كانت تحتاج إلى عملية قيصرية لكبر حجم الجنين بحسب توضيح الطبيبة التي كنت أراجع معها طوال فترة الحمل".
وتضيف أنها إلى جانب ألم المخاض الذي عاشته لأول مرة، تحملت استهتار بعض الممرضات ومزاحهن وانشغالهن بالجوالات بدلاً من تقديمهن الدعم النفسي لها.
م.هـ "فضلت عدم ذكر اسمها"، هي الأخرى تعرضت للعنف أثناء ولادتها في إحدى المرافق الصحية بمحافظة تعز ما أدى إلى وفاة جنينها، وتقول: "بدلاً من تحويلي إلى عملية قيصرية لصعوبة الوضع، وعدم قدرتي على الولادة حتى بعد شق العجان، قامت المولدة بالضغط الشديد على بطني ما أدى إلى وفاة الجنين قبل ولادته".
وتستطرد م.هـ حديثها بنبرة حزينة: "بعد التجربة التي عشتها أصبحت أشعر بالخوف من التفكير في الحمل مرة أخرى خشية أن يصيبني ما أصابني في المرة السابقة".
فتيل التوكوفوبيا
تُعرّف الأخصائية النفسية، رقية الذبحاني، التوكوفوبيا بأنها حالة نفسية تتسم بالخوف الشديد من الحمل أو الولادة، وغالبًا ما يكون هذا الخوف لدى المرأة التي لم يسبق لها تجربة الحمل والولادة من قبل.
تعيد الأخصائية النفسية، رقية الذبحاني، إصابة المرأة بحالة الخوف من الولادة إلى عدة أسباب أهمها سماع المرأة لتجارب ولادة سابقة سيئة ممن حولها، وقلة وعيها فيما يخص الحمل والولادة.
وتضيف الذبحاني أن الضغط على المرأة من قبل الوسط المحيط من خلال ترشيح أماكن معينة لها للولادة كتفضيل المستشفى على البيت سبب آخر قد يجعل المرأة تتراجع عن خوض تجربة الحمل منذ البداية، وذلك لضعف إمكانياتها ووضعها الاقتصادي الصعب الذي لا يسمح لها تحمل تكاليف الولادة في المستشفيات.
من جهتها ترى أخصائية الإرشاد الأسري، عفاف الصلاحي، أن من أسباب إصابة المرأة بالخوف من الولادة هو الخوف المتعلق بالرعاية الصحيّة، مثل انعدام الثقة في الطاقم الطبي، أو احتمالية الموت عند الولادة، أو التعرّض لآلام المخاض الشديدة.
انعكاسات سلبية
إن مجمل التجارب المؤلمة التي تسمعها المرأة من نساء أخريات وما يتكون عنها من أفكار سلبية عن الولادة، وأنها قد تمر بما مررن به، يؤثر بشكل كبير على حالتها الصحية والنفسية والأسرية.
تقول أخصائية أمراض وجراحة النساء، سحر القاضي، أن الآثار الصحية الناتجة عن خوف الأم من الحمل والولادة قد تمتد إلى وقت ولادتها وان كانت بعد سنوات طويلة، موضحةً أن المرأة تتعب أثناء الولادة نتيجة شعورها الزائد بالقلق، ما يقلل من استجابتها لتعليمات المولدة بشكل صحيح، ويؤثر سلبًا على صحتها وصحة الجنين.
من ناحيتها تقول الأخصائية النفسية، رقية الذبحاني، أن حالة الخوف التي تعاني منها المرأة تؤدي إلى شعورها بقلق مزمن واكتئاب وحالة من الانعزال الاجتماعي تجنبًا لما قد تلقاه من تساؤلات، مثل "ليش ما خلّفتِ للآن؟! زوجك بيرجع يتزوج عليك!"، فتلجأ للانعزال وقطع العلاقات كخيار أفضل.
وتضيف الذبحاني أن الآثار السلبية للخوف من الولادة تطال العلاقة الزوجية، حيث تتأثر علاقة المرأة بزوجها الذي يريد أن يصبح أبًا، وتبدأ بينهم المشاكل، وفي بعض الأحيان قد يصل الأمر إلى إنهاء العلاقة، وكل ذلك يزيد من الضغوط النفسية التي تمر بها المرأة ويجعل من تجربة الحمل والولادة أكثر صعوبة لديها.
للتغلب عليه!
وبحسب الذبحاني، يمكن التغلب على الخوف من الولادة، بتواصل المرأة التي تعاني منه بأطباء مختصين بجانب الحمل والولادة لتوضيح مخاوفها، ولتحصل على الحلول الطبية الممكن عملها في حال كانت تعاني من مشاكل جسدية، بالإضافة إلى الدعم النفسي من خلال طمأنتها.
وتضيف الذبحاني أن للمرأة دور كبير في التخلص من خوفها من خلال سماع تجارب ولادة إيجابية ممن حولها، وقراءتها المكثفة عن الحمل والولادة، موضحةً أنه كلما زاد الوعي لديها قل شعور الرهبة والخوف، مشيرة إلى أنه في حال عدم استطاعة المرأة التغلب على خوفها، يمكنها اللجوء للأخصائيين النفسيين.
النظرة المجتمعية
ترى أخصائية الإرشاد الأسري، عفاف الصلاحي، أن المجتمع أصبح أكثر وعيًا بالعديد من القضايا والمشاكل الأسرية، وأن العديد من الأسر تلجئ إلى المتخصصين لمساعدة الزوجة في التخلص من هكذا مخاوف.
وتضيف: "لاحظت خلال عملي كمستشارة أسرية، يقظة ووعي في النساء قبل وبعد الزواج، حيث تصلنا طلبات استشاره في جميع جوانب الحياة الزوجية ومن ضمنها مواضيع الحمل والولادة".
دعم نفسي
للدعم النفسي أثناء الولادة تأثير إيجابي كبير على المرأة، حيث يعمل على تقليل شعورها بالقلق والخوف، ويعزز لديها الشعور بالأمان، ما يعني ضمان صحتها وصحة طفلها، بحسب الأخصائية النفسية، رقية الذبحاني.
بعد النزول الميداني لمعدة التقرير إلى مستشفى حكومي وآخر خاص بمدينة تعز لمعرفة ما إذا كان هناك تقديم دعم نفسي أو ممارسات من شأنها أن تطمئن المرأة قبل دخولها غرفة التوليد لضمان توليدها بنفسية جيدة، تبين أنه لا توجد طبيبة مختصة أو أخصائية نفسية تقدم الدعم النفسي بشكل مباشر للنساء المقبلات على الولادة، وإنما يقتصر الأمر فقط على ما تقدمه طبيبة النساء والتوليد من دعم نفسي ونصائح أثناء الزيارات الدورية للحوامل خلال فترة الحمل.
وبحسب تقرير الاستجابة الإنسانية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن 2024 فإن النساء يشكلن ربع إجمالي 17,8 مليون ممن يحتاجون للمساعدة الصحية في ذات العام، وأن 5.5 ملايين من النساء في سن الإنجاب يواجهن تحديات في الوصول لخدمات الصحة الإنجابية لعدد من الأسباب منها عدم وجود طبيبات متخصصات وممرضات.
أرقام صادمة
إلى جانب عدم تلقي النساء المقبلات على الولادة للدعم النفسي، نجد بعضهن يشكين من تعرضهن لأشكال مختلفة من عنف التوليد التي قد تؤدي في بعض الحالات إلى وفاة الجنين أو الأم، فبحسب التقديرات الأخيرة لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن معدل وفيات الأمهات في اليمن ما زال مرتفعاً مع وفاة امرأة كل ساعتين أثناء الولادة.
كما أوضح مسح ميداني أجرته "منصتي 30" تخلله تعبئة استبيان إلكتروني لنساء سبق لهن الحمل والولادة، وشمل (147) امرأة من كل محافظات الجمهورية، أن هناك 7 من كل 10 نساء في اليمن تعرضن لإحدى صور عنف التوليد.
وبحسب الاستبيان تتعدد صور هذا العنف، فقد تم رصد 29,3 ٪ إهانة لفظية بالسب والشتم واللغة القاسية، و23 ٪ تهديد وتخويف والقاء اللوم، و15,6 ٪ ضغط شديد على البطن في حالة الولادة الطبيعية، و14,2 ٪ عنف جسدي من خلال الصفع وشد الشعر والضرب، و4,8 ٪ تكميم وتقييد إلى السرير، و2,8 ٪ تحفيز المخاض وقص العجان بدون مبرر طبي، و8,3 ٪ انتهاك الخصوصية بعدم وجود فواصل وستائر بين المريضات، و2 ٪ إجراء ولادة قيصرية بدون مبرر طبي.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي