كلمات جارحة وألفاظ تحدث أثر نفسي عميق لدى النساء اليمنيات العاملات في المنظمات داخل البلد، عبارات كثيرة يتداولها البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في الأماكن العامة، مثل لا تتزوج موظفة في منظمة ولا طالبة في الجامعة.
ترى رهام (اسم مستعار) العاملة في إحدى منظمات المجتمع المدني بمدينة تعز، أن العنف اللفظي والإساءة للعاملات في المنظمات ناتج عن النظرة التي يتبناها البعض بناءً على "أحكام جاهزة"، فتجدهم يشككون " ليش تشتغل منظمة أكيد حياتها فيها اختلاط، وما حدا يقدر يثق فيها" كأن شغل المنظمات صار عار بدل ما يكون مصدر فخر!
وتوضح أن من العبارات التي واجهتها في الواقع وعلى منصات التواصل الاجتماعي تمثلت بـ: "موظفات المنظمات حياتهن كلها سفر وما لديهن وقت للبيت أو العائلة"، وتتابع: "نحن كموظفات لا نعمل كي نملأ وقتنا نحن نعمل لكي نخدم ناس محتاجين، ونعمل فرق في المجتمع ومع ذلك بدل ما نلاقي تقدير نلاقي أذى نفسي وكلام جارح".
وبحسب رهام فإن الأذى اللفظي والأحكام الاستباقية تفاقم من معاناة موظفات المنظمات اللاتي يعملن في ظل ظروف صعبة لإعالة أسرهن، وتقول: "الناس ما يفهموا الضغط اللي نعيش فيه، عندنا مواعيد مستعجلة، تقارير، مقابلات مع ناس محتاجين، وأحيانًا نشتغل في أماكن خطيرة عشان نوصل مساعدات ومع هذا كله، يجي المجتمع يحاسبنا وكأننا جالسين نلعب".
نظرة قاصرة
يعتقد ياسر المليكي؛ محامٍ ومدافع عن حقوق الإنسان، أن نظرة المجتمع بصورة عامة للعاملات في المنظمات لا مشكلة فيها، عدا بعض الفئات الاجتماعية التي لها أيديولوجية دينية ترى في أن المنظمات "دخيلة على المجتمع"، وبالتالي تنظر نظرة سلبية للعاملات في المنظمات، على اعتبار أنها تتلقى دعما من جهات خارجية وهدفها الأساسي "تخريب المجتمع" حد زعمهم.
ويضيف المليكي أن أكثر العاملات تعرضا للإساءة والعنف اللفظي اللاتي يعملن في المنظمات التي تعمل في إطار حقوق الإنسان وخاصة "المرأة"، مؤكدًا بأن بعض الفئات الاجتماعية تركز على نوع معين من المنظمات لذا نجدها تنتقد تلك المنظمات التي تقدم الدعم الإنساني كالتغذية وغيرها بـ"نبرة أخف"، إلا أن معظم أفراد المجتمع يتعاملون مع موظفي المنظمات ذكورا وإناثا بشكل طبيعي.
ويلفت إلى أنه من غير المنطقي تعميم نظرية أن "المجتمع ينظر نظرة سلبية للعاملات في المنظمات"، مشيرا إلى أن "هناك فئة محددة تنظر نظرة سلبية وهي الجماعات المتزمتة والجماعات الدينية والتي تحاول أن تعمم أفكارها على بقية أفراد المجتمع، لكن في حقيقة الأمر يظل تأثير هذه الجماعات محصورا في نطاق محدد لا يشمل كل المجتمع".
تحديات اجتماعية
أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز الدكتور ياسر الصلوي يرى أن هناك مشكلة يعاني منها كثير من المجتمعات خاصة عندما تكون فرص العمل محدودة ويؤدي هذا إلى مأزق خطير يتمثل في أنه فرص العمل المحدودة يصبح عليها تكالب وتنافس شديد ما يؤدي إلى مشكلات كبيرة وخاصة في المجتمعات الذكورية.
ويرى الدكتور الصلوي أن مكانة المرأة في المجتمع اليمني تصعب من تحقيق المساواة في فرص العمل بين الرجال والنساء وتعطى الأولوية للرجال لأنه تقع عليهم مسؤوليات اجتماعية مسألة الانفاق أو تكاليف الزواج وغيره، ويضيف "مازالت الثقافة تقليدية تنظر لعمل المرأة بنظرة دونية وان المرأة العاملة وخاصة إذا ما عملت في أماكن غير معتادة أو مألوفة وان ثقافة المجتمع لا تتقبلها فينظر لها بعين الشك والريبة وهذا يحد من فرص العمل لدى النساء في كثير من المجالات.
ويعتقد الصلوي أن الحديث على المساواة بين الجنسين في مجتمعنا أمر في غاية الصعوبة ولكن يمكن الحديث عن تقليص الفجوة ما بين الجنسين، مشيراً إلى ان نقص الوعي يؤثر على مسألة المساواة لأنه كما قلنا هذه مجتمعات تقليدية لا تزال تنظر للمرأة بأنه مكانها الطبيعي هو البيت وليس مجالات العمل الأخرى.
الوعي والقانون
وفي ظل الحرب الدائرة في اليمن أضحت بعض القوانين لا تطبق، وبهذا الشأن تقول الحقوقية داليا محمد أن هناك قوانين محلية يمنية تتعلق بالخدمة اليمنية وقانون العمل والتأمين الصحي والخدمة المدنية والعقوبات والضمان الاجتماعي لكنها تضل قوانين فيها نوع من المواد أو النصوص فيها قصور ولا تطبق.
وأشارت داليا إلى أنه "يمكن للمرأة أن تلجأ الي الجهات القانونية تبلغ حسب التدرج الي تقديم الشكوى داخل اليمن حسب قوانينها وعليها أن تدرك أنها تقاوم ولا تخاف من المجتمع ووصمة العار وما سيقال عنها لأنه مشكلتنا الان حتى التي هي واعي بالقوانين تسكت عن حقها".
تشجيع على المواجهة
تحاول بعض المنظمات حماية الموظفات لديها بحسب قدرتها، حيث تقول ولاء عبيد التي تعمل بمؤسسة شباب سبأ، أن المؤسسة تعمل على تجاوز التحديات التي تواجه الموظفات من قبل المجتمع سواء في الواقع أو الإساءة في مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال عدة إجراءات أبرزها، تطوير سياسة واضحة في الحماية تتضمن هذه السياسة تعريفًا واضحًا للحماية، وإجراءات واضحة للشكوى والتحقيق، وعقوبات صارمة.
وأشارت عبيد إلى أن المؤسسة تعمل على توفير برامج تدريبية للموظفين حول الحماية، والتوعية بأهمية المساواة بين الجنسين، وبناء بيئة عمل آمنة، وتوفير آلية شكاوى للموظفات اللواتي يتعرضن لأي شكل من أشكال التحرش أو التمييز، بالإضافة التعاون مع المنظمات المعنية بحقوق المرأة والعمل على رفع مستوى الوعي بأهمية المساواة بين الجنسين وغيرها من الإجراءات وخاصة بإن المؤسسة تقودها امرأة.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي