بتلاشي الصراعات مع حماس وحزب الله تدريجيًا، تركز إسرائيل الآن على مواجهة الهجمات المستمرة من الحوثيين.
و في ظل التدهور الكبير لحزب الله، وإضعاف حماس بشكل كبير، وشلّ النظام السوري، يجد القادة الإسرائيليون أنفسهم الآن في مواجهة الحوثيين الذين يواصلون إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل.
• كيف يمكن ردعهم؟
أحد الأساليب قد يكون عبر تكثيف الهجمات على أصولهم، وهو ما قامت به إسرائيل بالفعل في مراتٍ عدة.
و أسلوب آخر يتمثل في توجيه ضربات لإيران، الراعي الرئيسي لهذا الكيان الإرهابي الشيعي المتطرف.
أما النهج الثالث، فيكمن في بناء تحالف دولي -يشمل السعودية والإمارات- للتصدي لهم، حيث إن استهداف الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول لا يشكل تهديدًا لإسرائيل فقط، بل للعالم بأسره.
و ليس هناك "حل سحري" ينهي تهديد الحوثيين الذين أظهروا قدرة عالية على تحمل الألم، وأثبتوا قدرتهم على الصمود منذ بروزهم كفاعل رئيسي في منتصف العقد الماضي، وسيطرتهم على جزء كبير من اليمن.
لذا فإن ردع الحوثيين يتطلب اتباع نهج متعدد المسارات.
و أحد هذه المسارات، كما أوضح وزير الخارجية (جدعون ساعر) يوم الثلاثاء، هو دفع المزيد من دول العالم للاعتراف بالحوثيين كمنظمة إرهابية دولية.
و قد أصدرت وزارة الخارجية بيانًا يوم الأربعاء أشارت فيه إلى أنه في أعقاب الهجمات الحوثية المستمرة -حيث تم إطلاق صاروخ باليستي آخر صباح الثلاثاء وتم اعتراضه بنجاح- وجّه ساعر الدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا للعمل على دفع الحكومات للاعتراف بالحوثيين كمنظمة إرهابية.
وقال ساعر: "يشكل الحوثيون تهديدًا ليس فقط لإسرائيل، بل للمنطقة والعالم بأسره".
وأضاف: "التهديد المباشر لحرية الملاحة في أحد أكثر الممرات البحرية ازدحامًا عالميًا يمثل تحديًا للمجتمع الدولي والنظام العالمي. و الخطوة الأساسية والأكثر جوهرية تتمثل في تصنيفهم كمنظمة إرهابية".
• دولة وليست كيانًا خارج إطار الدولة:
خطوة ساعر تثير الاهتمام، لا سيما في ظل وجود مدرسة فكرية أخرى حول كيفية التعامل مع الحوثيين، يدعمها رئيس مجلس الأمن القومي السابق، (غيورا آيلاند) : التعامل معهم كدولة وليس ككيان غير خارج إطار الدولة.
و قال آيلاند في مقابلة مع "كان بيت" إن على إسرائيل أن تعلن أنها في حالة حرب مع دولة اليمن، وليس فقط مع "منظمة إرهابية". وبحسب آيلاند، رغم أن الحوثيين لا يسيطرون على كامل اليمن، فإنهم يسيطرون على جزء كبير منه، بما في ذلك العاصمة صنعاء والميناء الرئيسي للدولة، مما يجعلهم بمثابة الدولة الفعلية لليمن.
-لماذا يهم هذا التصنيف؟
لأن الحرب ضد منظمة إرهابية أو كيان خارج إطار الدولة تحد من الأهداف الممكن استهدافها. لكن الحرب ضد دولة تتيح لإسرائيل الاستناد إلى قوانين الحرب التقليدية، مما قد يضفي شرعية على إجراءاتٍ عسكرية أوسع، مثل فرض حصار أو شن ضرباتٍ على البنية التحتية للدولة، بدلاً من الاقتصار على تدابير مكافحة الإرهاب المحدودة.
و هذا الإطار سيؤثر على الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل من خلال الانتقال من عمليات مكافحة الإرهاب إلى حرب شاملة على مستوى الدولة، بما في ذلك استهداف سلاسل التوريد اليمنية.
و تهدف هذه الإجراءات إلى إضعاف القدرات اليمنية على مستوى الدولة، وليس التركيز فقط على قيادة الحوثيين -وهو ما لم تفعله إسرائيل بعد- أو أنظمتهم التسليحية. لكن هناك مخاطرة في ذلك: تصعيد الصراع وجذب أطراف أخرى مثل إيران. وهذا ما يجعل اختيار هذا الإطار قرارًا بالغ الأهمية.
و هناك أيضًا تداعياتٍ إقليمية عميقة. فتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يتماشى بشكل أفضل مع مصالح دول الخليج مثل السعودية والإمارات، اللتين تعتبران الحوثيين تهديدًا مباشرًا وخاضتا مواجهات ضدهما.
لكن إعلان الحرب على اليمن قد يعقد الأمور، إذ من المرجح أن تجد الإمارات والسعودية صعوبة أكبر في دعم حرب شاملة ضد دولة عربية مجاورة. فالحرب ضد منظمة إرهابية مدفوعة بأيديولوجيا شيعية متطرفة ومدعومة من إيران شيء، بينما الحرب ضد دولة عربية ذات سيادة هو أمر مختلف تمامًا.
و تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية ينسجم مع الرواية الأوسع لإسرائيل بشأن مكافحة وكلاء إيران، وهو ما قد يجد صدى لدى جمهور دولي أكثر حساسية للتهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب. لكن تصويرهم كدولة يحمل مخاطر عزل الحلفاء الذين قد يترددون في الانخراط في حرب مع اليمن.
بالإضافة إلى ذلك، وصف الصراع بأنه حرب ضد منظمة إرهابية قد يعزز موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في مواجهتها ضد الحوثيين، في حين أن وصفه بأنه حرب ضد اليمن قد يؤدي، دون قصد، إلى إضفاء شرعية على سيطرة الحوثيين على أجزاء واسعة من البلاد.
و ترقية الحوثيين من جماعة إرهابية إلى اعتبارهم دولة اليمن يمكن أن يمنحهم مزيدًا من النفوذ في مفاوضات السلام والمحافل الدولية. وقد يؤدي ذلك أيضًا إلى إقامة علاقاتٍ دبلوماسية رسمية مع دول أخرى، مما يغير طبيعة التفاعل الدولي مع اليمن.
و هذا الاعتراف قد يقوض سلطة الحكومة المعترف بها دوليًا في العاصمة المؤقتة عدن، ويمنح الحوثيين نفوذًا أكبر في مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الأهلية اليمنية بشكلٍ دائم.
و هناك مزايا وعيوب في تصوير الصراع الإسرائيلي على أنه ضد الحوثيين ككيان محدد، أو ضد ما يمكن اعتباره الدولة الفعلية لليمن. و توجيه ساعر للدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا لحث الدول المضيفة على تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يشير إلى أن القدس قد اتخذت قرارها.
لكن هذا القرار يتجاوز كونه مسألة لغوية؛ فهو حساب استراتيجي يحمل تبعات عسكرية ودبلوماسية وإقليمية كبيرة.
الرابط ادناه لقراءة المادة من موقعها الأصلي