أطلقت جماعة الحوثي في اليمن صاروخًا باتجاه إسرائيل، الثلاثاء، بعد ساعاتٍ من تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بأن حكومته ستسعى لاستهداف قيادة الجماعة، مما يبرز التحديات التي تواجهها إسرائيل في التصدي للميليشيات المدعومة من إيران مع تصعيدها لهجماتها.
حيث دوت صفارات الإنذار في تل أبيب وأجزاء أخرى من وسط إسرائيل صباح الثلاثاء، وسُمعت انفجاراتٍ قوية في أماكن بعيدة مثل القدس، حيث تصدت الدفاعات الجوية الإسرائيلية للهجوم. وأعلنت القوات الإسرائيلية لاحقًا أن الصاروخ تم اعتراضه بنجاح خارج الأراضي الإسرائيلية، ولم تُسجل أي إصابات.
و يشن الحوثيون، الذين يشكلون السلطة الفعلية في معظم شمال اليمن، هجماتٍ ضد إسرائيل تضامنًا مع حلفائهم الفلسطينيين منذ وقت قصير بعد هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 التي قادتها حماس ضد إسرائيل والتي أدت إلى اندلاع الحرب في غزة. وفي محاولةٍ معلنة منهم لفرض حصار على إسرائيل، بدأوا أيضًا بإطلاق الصواريخ والطائرات المُسيّرة على السفن التجارية المارة عبر البحر الأحمر، وهو أحد أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم، مما تسبب في اضطرابات كبيرة للتجارة الدولية.
وقال (فارع المسلمي)، الباحث اليمني في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة شاتام هاوس البحثية بلندن: "من وجهة نظر الحوثيين، كانت الهجمات في البحر الأحمر ناجحة. حتى لو لم تسبب أضرارًا مباشرة، فهي تُعتبر نصرًا كبيرًا لهم".
ورغم أن الصواريخ والطائرات المُسيّرة الحوثية تمكنت من اختراق الدفاعات الإسرائيلية في بعض المناسبات فقط، إلا أن الخبراء يرون أن هجماتهم عززت نفوذ الجماعة في المنطقة، حتى مع تركيز إسرائيل قوتها العسكرية على إضعاف جماعات أخرى مدعومة من إيران، مثل حماس والجماعة المسلحة اللبنانية حزب الله.
و التصعيد في التركيز على الحوثيين يأتي في الوقت الذي تواصل فيه القوات الإسرائيلية حملة برية وجوية مكثفة في شمال غزة، بينما تواجه ضغوطًا متزايدة من المجتمع الدولي والجمهور الإسرائيلي لإنهاء القتال في القطاع.
وأصدرت القوات الإسرائيلية، يوم الثلاثاء، نتائج تحقيق في مقتل ستة رهائن عُثر عليهم مصابين بطلقاتٍ نارية في نفق تابع لحماس بمدينة رفح في غزة في أواخر أغسطس/ آب. وخلصت النتائج إلى أن الرهائن -كرمل غات، إدين يروشالمي، و هيرش غولدبرغ بولين، و ألكسندر لوبانوف، و ألموغ ساروسي، والرقيب أوري دنينو- قد "قُتلوا بوحشية" على يد حماس، وأن "الأنشطة البرية الإسرائيلية في المنطقة، رغم كونها تدريجية وحذرة، كان لها تأثير ظرفي على قرار الإرهابيين بقتل الرهائن الستة."
وكان هذا ثاني تقرير هذا الشهر يصدر عن الجيش الإسرائيلي ويشير إلى أن عملياته في غزة ربما أثرت على قرار حماس بقتل الأسرى، مما أثار جدلاً داخل إسرائيل بشأن جدوى حملة عسكرية عرّضت حياة الرهائن للخطر.
وقال منتدى عائلات الرهائن، الذي يمثل أقارب الأسرى، في بيان يوم الثلاثاء، إن النتائج تؤكد الحاجة الملحة إلى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار مع حماس لإنهاء القتال في غزة وإعادة باقي الرهائن مقابل إطلاق سراح بعض الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.
وجاء في بيان المنتدى: "التحقيق الذي نُشر الليلة يثبت مرة أخرى أن عودة جميع الرهائن لن تكون ممكنة إلا من خلال صفقة."
وفي وقت سابق من الثلاثاء، أعلن المنتدى وفاة هانا كاتسير، التي اختُطفت من منزلها في نير عوز خلال هجمات حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وأُطلق سراحها بعد 49 يومًا، لكنه لم يكشف عن سبب الوفاة. وقالت كارميت بالتي كاتسير، ابنتها، في البيان: "لم يتحمل قلبها المعاناة الفظيعة منذ السابع من أكتوبر. كل يوم في الأسر يعرّض حياة أحبائنا للخطر."
و قد صدر تقرير الجيش الإسرائيلي بعد وقتٍ قصير من إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن فريقًا إسرائيليًا للتفاوض سيعود إلى إسرائيل من قطر "بعد أسبوع هام" من المفاوضات مع الوسطاء بشأن صفقة لوقف إطلاق النار مع حماس. وكان نتنياهو قد صرّح في وقت سابق أنه لا يمكنه تحديد جدول زمني للتوصل إلى اتفاق.
و في غضون ذلك، يبدو أن الهجمات الحوثية على إسرائيل تزداد تكرارًا، رغم أن معظمها لم يسفر عن إصابات خطيرة. فمنذ بداية ديسمبر/ كانون الأول، أطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مُسيّرة على إسرائيل ما لا يقل عن ثماني مرات.
وفي وقتٍ مبكر من صباح السبت، سقط صاروخ أُطلق من اليمن في تل أبيب بعد فشل الدفاعات الجوية في اعتراضه. وفي الأسبوع الماضي، تضررت مدرسة في رمات غان، إحدى ضواحي تل أبيب، بعد أن اعترضت الدفاعات الإسرائيلية جزئيًا صاروخًا آخر أُطلق من اليمن، وفقًا لما ذكره الجيش الإسرائيلي.
وردًا على ذلك، شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية ضرباتٍ جوية على اليمن استهدفت محطات طاقة في صنعاء، العاصمة التي تسيطر عليها جماعة الحوثي. كما نفذت الولايات المتحدة سلسلة غارات جوية على أهداف في اليمن في محاولة لإجبار الحوثيين على وقف الهجمات، لكن الجماعة تعهدت بمواصلة عملياتها طالما استمرت إسرائيل في حربها على غزة.
ويرى المحللون أن الضربات التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا حتى الآن كان تأثيرها محدودًا على الجماعة، ومن غير الواضح ما الذي يمكن لهذه القوى أن تفعله لوقف الحوثيين بشكلٍ حاسم عن إطلاق الصواريخ والطائرات المُسيّرة بين الحين والآخر على خصومهم في المنطقة.
و قال داني سيترينوفيتش، ضابط استخبارات عسكري إسرائيلي سابق وزميل باحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: "ما قمنا به حتى الآن - لا أريد وصفه بالفشل الكامل، لكن نجاحاتنا العملياتية لم تحقق النتائج المرجوة بعد، كما أن خياراتنا ليست جيدة أيضًا."
و وفقًا للمحللين، من غير المرجح أن يتخلى الحوثيون عن نفوذهم المكتسب حديثًا، حتى في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. فبمجرد إطلاق صاروخ باليستي كل بضعة أيام وإطلاق صفارات الإنذار في أنحاء إسرائيل، يمكن للحوثيين أن يتركوا تأثيرًا نفسيًا واقتصاديًا عميقًا على البلاد، حسبما أضاف سيترينوفيتش.
وقد بدأ القادة الإسرائيليون في التعهد باتخاذ إجراءات أكثر جدية. حيث هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، يوم الإثنين، باغتيال قادة الحوثيين لإجبار الجماعة على التراجع. وعلى مدار العام الماضي، قتلت إسرائيل العديد من كبار قادة خصومها، بمن فيهم قادة حماس وحزب الله.
وقال كاتس: "سنوجه ضربة مدمرة إلى منظمة الحوثي الإرهابية في اليمن. و سنضرب بنيتها التحتية الاستراتيجية ونقطع رأس قيادتها."
و الحوثيون بعيدون عن إسرائيل مقارنة بحماس وحزب الله -إذ غالبًا ما تكون المسافة أكثر من 1000 ميل عن الأراضي الإسرائيلية- وقد نجوا من محاولات عديدة للقضاء عليهم منذ صعودهم إلى السلطة خلال الحرب الأهلية التي استمرت لعقد في اليمن.
و اليمن أكبر بكثير من لبنان أو غزة، مما يجعل الحوثيين وبنيتهم العسكرية هدفًا أكثر انتشارًا وأصعب استهدافًا، وفقًا لخبيرين.
و تعتبر الولايات المتحدة وبريطانيا الحوثيين جماعة إرهابية. وكجزء من حربها بالوكالة مع إيران، قادت السعودية حملة عسكرية ضد الحوثيين في اليمن في محاولة لاستعادة الحكومة الشرعية في البلاد، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية هناك.
وبالرغم من سنوات القصف من قبل التحالف الذي تقوده السعودية، تمكن الحوثيون من الصمود، ويبدو أن طموحاتهم قد نمت خلال تلك الفترة، بحسب إليزابيث كيندال، خبيرة الشؤون اليمنية في جامعة كامبريدج.
وقالت كيندال: "لقد أمضوا 20 عامًا في مواجهة بعض أكبر المنفقين على الدفاع في الشرق الأوسط. و المشكلة الكبرى هي أنه يبدو من المستحيل التأثير على الحوثيين دون استخدام الضغط العسكري، لكن من الصعب تصور كيف يمكن للضغط العسكري أن ينجح".