في شباط/فبراير أعلنت شركة أمازون، إحدى كبرى الشركات عالمياً، أنها أعادت ما يقرب من مليوني دولار لأكثر من 700 عامل مهاجر، كانوا قد أجبروا على دفع رسوم توظيف باهظة للحصول على عمل في مستودعات الشركة في المملكة العربية السعودية.
وقد كان ذلك انتصاراً للعمال المهاجرين، وهي فئة من العمال المُعرَّضين بشكل خاص للاستغلال، وغالباً ما يتم استهدافهم بأساليب توظيف مضللة. قال أحد العمال النيباليين إنه فوجئ عندما ظهر المبلغ المسترد من أمازون في حسابه المصرفي، لدرجة أنه بقي مستيقظاً القسط الأكبر من الليل وهو يعيد التحقق من رصيد حسابه على هاتفه.
ولكن الجهود التي بذلتها أمازون -أكبر متجر تجزئة إلكتروني- لتصحيح الأمور لم تكن مرضية لكل المهاجرين، الذي عملوا لدى الشركة في المملكة العربية السعودية. يقول الكثيرون إنهم لم يحصلوا على أيّ تعويض من الشركة.
قال ثلاثة وثلاثون من أصل 44 عاملاً متعاقداً حالياً وسابقاً مع أمازون، تمت مقابلتهم من أجل هذه القصة، إنهم لم يتلقوا تعويضاً من الشركة، على الرغم من أنهم عملوا لديها في السعودية ودفعوا رسوم توظيف باهظة.
وقال العديد من العمال من نيبال، الذين لم يحصلوا على تعويضات، إنهم يشعرون بالإساءة بشكل مضاعف بسبب استغلالهم في عملهم في مستودعات أمازون من جهة، ثم عدم حصولهم على التعويضات التي وعدت بها الشركة من جهة أخرى.
”في السعودية، طرح العديد من الأشخاص أسئلة حول رسوم التوظيف التي قمنا بدفعها، كما طرحت أمازون ومنظمات أخرى أسئلة أيضاً، لكنهم لم يسددوا الأموال حتى الآن"، هذا ما قاله هاري براساد مودباري، وهو عامل نيبالي دفع ما يقرب من 1500 دولار أميركي كرسوم توظيف، إلى جانب تكاليف أخرى للحصول على وظيفة عامل متعاقد في مستودع أمازون في المملكة العربية السعودية. ”أشعر الآن وكأنهم تلاعبوا بي“.
في بيان رداً على أسئلة هذه القصة، قالت أمازون إنها رتبت تعويضات لـ 151 عاملاً آخر منذ إعلانها في فبراير/شباط، وإنها تواصل العمل على تحديد العمال المؤهلين للحصول على تعويضات ودفعها لهم.
وقالت المتحدثة باسم أمازون مارغريت كالاهان: ”هذه عمليات معقدة تستغرق وقتاً، ونحن نبذل قصارى جهدنا لتسريع عملية السداد“. ”نحن ممتنون أيضاً للعمال الذين شاركوا خلال هذه العملية وشاركوا تجاربهم، تظل أولويتنا هي سلامة العمال ورفاهيتهم“.
قال سانتوش بيسوا كارما، وهو نيبالي لم يتم تعويضه عن تكاليف التوظيف التي دفعها للحصول على عمل في مستودع أمازون في المملكة العربية السعودية، والتي تبلغ نحو 1700 دولار، إن التأخير في تعويض العمال غير مقبول.
وأضاف: ”إذا أرادت أمازون أن تعيد لنا المال، كان بإمكانها أن تفعل ذلك على الفور، إنها شركة كبيرة وغنية، كان بإمكانهم القيام بذلك على الفور“.
•"اسمك ليس على القائمة"
توظف أمازون مليون ونصف المليون شخص حول العالم. قال جيف بيزوس -مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها التنفيذي، وثاني أغنى رجل في العالم- إنه يريد أن يجعل من أمازون ”أفضل شركة على الأرض“. وتقول الشركة إنها تسعى جاهدة ”لضمان أن المنتجات والخدمات التي نقدمها، يتم إنتاجها بطريقة تحترم حقوق الإنسان“.
تأتي الشكاوى من العمال المهاجرين من نيبال ودول آسيوية أخرى، في الوقت الذي بدأ فيه عمال أمازون الأميركيون الذين تمثلهم نقابة الأخوة الدولية لسائقي الشاحنات إضراباً وطنياً، وبعد أسابيع من تحركات عمال الجمعة السوداء في أكثر من 20 دولة، احتجاجاً على ممارسات الشركة.
ظهرت الشكاوى المتعلقة بعمليات أمازون في السعودية لأول مرة منذ أكثر من عام.
في تشرين الأول/أكتوبر 2023، كشف تحقيق صحفي دولي بالتعاون بين "أريج"، وشبكة "إن بي سي نيوز" NBC News، والاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (ICIJ)، وصحيفة "الغارديان" (The Guardian)، عن قصص أكثر من 50 عاملاً مهاجراً، قالوا إنهم وقعوا ضحية تضليل واستغلال شركات استقدام العمالة لصالح "أمازون" في السعودية، ووكالات التوظيف في نيبال.
وذكرت أريج وشركاؤها في ذلك الوقت أن شركات توظيف مستقلة أجبرت هؤلاء العمال على دفع مبالغ تتراوح بين 830 إلى أكثر من 2300 دولار للحصول على وظيفة؛ على الرغم من أن هذه المبالغ الباهظة تُعد مخالِفة للقواعد في نيبال، وتتعارض مع المعايير الأميركية ومعايير الأمم المتحدة.
وقال معظم العمال إن شركات التوظيف في نيبال وعدتهم زوراً بأنهم سيعملون مباشرة لدى أمازون، لينتهي بهم الأمر بالعمل لدى شركات توريد العمالة السعودية التي قامت بتوظيفهم في وظائف تعاقدية قصيرة الأجل في مستودعات أمازون، ثم استولت على الكثير من أجورهم.
”أمازون ناجحة، ولكن ماذا عن عمالها؟"، يتساءل مودباري مضيفا أن هناك جانباً مظلماً وراء نجاحها: ”كان بإمكانهم توظيفنا مباشرة، لقد تمت مقابلتنا واجتزنا الامتحانات للالتحاق بالوظيفة، كان عليهم زيادة رواتبنا، لم يعطونا راتباً عادلاً“.
ورداً على تحقيق الشركاء الإعلاميين، وتحقيق منفصل أجرته منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان، قالت أمازون إنها ”قلقة للغاية“ من أن بعض عمالها المتعاقدين معها في السعودية لم يُعاملوا بما "يستحقونه من كرامة واحترام“.
عملت أمازون مع مجموعة استشارية في مجال حقوق الإنسان مقرها لندن، إمباكت، للتعاقد مع العمال وسؤالهم عن أجورهم في التوظيف. في شباط/فبراير، كشفت أمازون أنها دفعت 1.9 مليون دولار لعمال من نيبال والهند وبنغلاديش وباكستان ودول أخرى.
ينص قانون الولايات المتحدة ومعايير الأمم المتحدة على أنه لا ينبغي مطالبة العمال بدفع رسوم التوظيف، فالأمر متروك لصاحب العمل لدفع رسوم التوظيف لشركات التوظيف. وتنص معايير أمازون نفسها -والتي لا تنطبق فقط على الشركة نفسها ولكن أيضاً على المتعاقدين وشركات التوظيف وغيرهم من المشاركين في سلاسل التوريد الخاصة بها- على أنه ”لا يجوز فرض رسوم على العمال في أيّ مرحلة من مراحل عملية التوظيف“.
قال العديد من العمال من نيبال إن موظفي أمازون وغيرهم سألوهم عن رسوم التوظيف والنفقات الأخرى؛ ما أعطاهم الأمل في أن يستردوا ما دفعوه. ولكن بعد وصولهم إلى نيبال، وبعد انتظار طال أمده من دون الحصول على أيّ معلومات جديدة، أصيبوا بالإحباط وفقدوا الأمل.
أنفق براكاش رايا، نيبالي كان يعمل لدى أمازون في العاصمة السعودية الرياض، أكثر من 1600 دولار لتغطية رسوم التوظيف والتكاليف الأخرى. لا يعلم رايا لماذا لم يحصل على تعويض، في حين حصل عليه آخرون.
يقول رايا:”كيف حددوا الأهلية؟ لا أعرف، يجب على أمازون إعادة أتعابي“.
عندما علم رايا بأن بعض زملائه في العمل قد حصلوا على تعويضات، تواصل مع إمباكت، المجموعة الاستشارية التي ساعدت أمازون في ترتيب عمليات الاسترداد. وفي رسالة صوتية أُرسلت إلى رايا، قال له أحد موظفي إمباكت: ”لم يكن اسمك في القائمة، لذا لم نتمكن من إرسال الأموال إليك، يمكننا أن نسأل أمازون، ولكن الأمر متروك لهم لاتخاذ القرار... إذا وافقت أمازون، فقد تحصل على المال، ولكن لا يمكننا ضمان ذلك“.
وبعد مرور أشهر، قال رايا إنه لم يتلقَ بعد أيّ تعويض.
وقالت المتحدثة باسم الشركة، إن عملية دفع التعويضات لمستحقيها من العمال معقدة، لأن العديد منهم عادوا إلى نيبال وبلدان أخرى، وفي بعض الحالات غيروا أرقام هواتفهم أو عناوين منازلهم.
تتبّع الشركاء الإعلاميون عشرات العمال من أجل هذه القصة والقصص السابقة، من خلال العثور عليهم على فيسبوك أو من خلال زملائهم في العمل.
•فوائد عالية
قالت أمازون في شباط/فبراير إنها قامت بحساب التعويضات من خلال أخذ عدة عوامل بعين الاعتبار بما فيها الرسوم التي أبلغ العمال عن دفعها، والتضخم والتغيرات في أسعار الصرف.
لكنّ العمال الحاليين والسابقين، الذين حصلوا على تعويضات عن رسوم التوظيف، قالوا إن معادلة السداد التي وضعتها الشركة أغفلت عاملاً مهماً، فقد اضطر جميع العمال تقريباً إلى اقتراض المال بفوائد مرتفعة لتغطية رسوم التوظيف التي طُلب منهم دفعها.
وقالوا إن فقرهم كان شديداً للغاية -ورسوم الاستقدام كانت باهظة أيضاً- ما دفعهم لأخذ المال من مقرضي القرى الذين يفرضون فوائد مرتفعة للغاية.
قال معظم العمال الذين تمت مقابلتهم من أجل هذه القصة إنهم دفعوا ما بين 24 في المئة و48 في المئة من الفائدة السنوية لقروضهم. وقال ثلاثة منهم إنهم دفعوا ما بين 10 في المئة و18 في المئة، وقال اثنان منهم إن معدلات الفائدة كانت تزيد على 55 في المئة.
وقال بينود غيميري، أحد العمال النيباليين الذين استردوا أموالهم، إنه حصل على قرض بقيمة 1700 دولار تقريباً بمعدل فائدة بلغ 36 في المئة لدفع رسوم استقدامه؛ ما اضطره إلى دفع 2,570 دولاراً لسداد قرضه.
لكن شركة أمازون سددت له نحو 1,620 دولاراً، وفقاً لوثيقة من إمباكت شاركها غيميري مع صحيفة "الغارديان" (The Guardian)، لكنّه يرى أن هذا التعويض ليس كاملاً.
أما شري نيواش كومار رام، الذي عمل لدى أمازون في المملكة العربية السعودية من عام 2021 إلى أوائل عام 2023، فقال إنه حصل على قرض بفائدة بلغت نحو 48 في المئة، لدفع تكاليف رسوم التوظيف، لكن هذا العبء الإضافي لم يكن مشمولاً في التعويض الذي أرسلته له أمازون والبالغ 2450 دولاراً.
قالت المتحدثة من أمازون إنه عند تحديد تعويضات العمال، أخذت الشركة في الحسبان تكاليف الفائدة التي تكبدوها على قروضهم.
قال رام وغيميري وعاملان آخران إن ممثلي أمازون الذين سألوهم عن رسوم توظيفهم لم يسألوهم أبداً عن أسعار الفائدة التي دفعوها على قروضهم. وقدم غيميري تفاصيل حول رسوم قروضه -رغم عدم سؤاله عنها- لكن المبلغ الذي تلقاه في النهاية من أمازون لم يعكس تلك التكاليف.
•قضايا أخرى
بالإضافة إلى رسوم الاستقدام وتكاليف القروض، قال العمال الذين تمت مقابلتهم من أجل هذه القصة إنهم شعروا بخيبة أمل، لأن أمازون فشلت في الاعتراف وأخفقت في تعويضهم، وفق روايتهم، عن أشكال أخرى من الظلم.
فقد وصف العديد من العمال، على سبيل المثال، حالهم عندما وصلوا إلى المملكة العربية السعودية مع القليل من المال، وكيف اضطروا إلى الانتظار لأيام أو حتى أسابيع من دون عمل أو أجر.
وقال أربعة وعشرون عاملاً تمت مقابلتهم من أجل هذه القصة، إنهم انتظروا ما بين ثلاثة أيام إلى أربعة أسابيع لبدء العمل. ولشراء الطعام، كما قالوا، كان عليهم الحصول على قروض من شركات توريد العمالة التي كانت تعمل كوسيط بينهم وبين أمازون. وبعد أن بدأوا العمل، خصموا من أجورهم مدفوعات قروض الطعام.
وقال العمال إن الأمور كانت أسوأ من ذلك، حين قامت أمازون بتسريح أعداد كبيرة من العمال المهاجرين عندما تراجعت طلبات العملاء، أو قامت بفصلهم بشكل فردي بسبب هفوات مثل سحب المنتجات الخاطئة من الرفوف أو استخدام الهاتف المحمول الشخصي في المستودع. وقالوا إنهم لم يتلقوا أيّ أجور أو بدل وجبات طعام بعد إنهاء خدماتهم. وظل بعضهم عالقين لأسابيع أو أشهر في انتظار أن تعيدهم شركة توريد العمالة إلى أمازون، أو أن تجد لهم صاحب عمل آخر في السعودية.
وقالت كالاهان، المتحدثة الرسمية باسم الشركة، إن التعويضات أخذت في الحسبان الفترات التي لم يكن العمال يعملون فيها أو يتقاضون أجورهم.
وأضافت أن الشركة عملت على تحسين الممارسات في المستقبل، حيث أجرت أكثر من ثلاثين عملية تدقيق لموردي العمالة لديها في المملكة العربية السعودية، مع وجود خطط لإجراء المزيد من التدقيق مستقبلا. وقالت إن الشركة عملت كذلك مع تلك الشركات لتحسين جودة السكن والطعام للعمال المتعاقدين.
•"الوجع واحد"
حصل اثنان من العمال الذين قابلناهم في تحقيقات الشركاء الإعلاميين -ممتاز منصور وسوريندرا كومار لاما- على تعويضات كبيرة من أمازون.
عاد كلاهما إلى وطنهما نيبال، وقالا إنهما سعدا بالحصول على التعويضات من أمازون، لكنهما -بحسب كلامهما- عانيا كثيراً قبل أن يحصلا عليها.
عاد لاما من المملكة العربية السعودية إلى بلاده مريضاً ولم يكن قادراً على العمل. ولعدم قدرته على سداد القرض وإعالة أسرته، أرسل زوجته للعمل في الإمارات العربية المتحدة.
وقال: ”لو دفعت أمازون هذه الأموال قبل بضعة أشهر، لما أرسلت زوجتي إلى الإمارات العربية المتحدة، لم أملك خياراً آخر“.
قال منصور إن المقرضين ضغطوا على عائلته لسداد القروض التي حصل عليها لتغطية الرسوم الباهظة التي كان عليه دفعها للوصول إلى السعودية ومغادرتها. عدم توفر المال حال دون تقدم شقيقه للامتحانات المدرسية. وأدى أيضاً لتأجيل عملية فتق كان من المفترض أن يخضع لها جده. لإسكات المقرضين، اضطر منصور إلى بيع قطعة من أرضه.
طالب منصور شركة أمازون بـ”إعادة الأموال إلى جميع العمال أينما كانوا يعملون، ومن أيّ بلد كانوا، ومهما كان العمل الذي يقومون به، إذا كانوا قد دفعوا رسوماً غير ضرورية للحصول على وظيفة، أعيدوا أموالهم، مهما كانت جنسيتهم، فإن الوجع واحد للجميع“.
لقراءة التحقيق كاملا على موقع أريج
لقراءة التحقيق على موقع أن بي سي نيوز
لقراءة تحقيق الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين
لقراءة التحقيق في جريدة الغارديان
لمزيد من التفاصيل حول أثر التحقيق
-شارك في كتابة هذا التقرير مايكل هدسون