في زاوية من حياتها التي أصبحت مرهقة، تجلس أفنان الصبري بمفردها، تواجه الألم. نزيف حاد أثناء الدورة الشهرية يجعلها تحتاج إلى نقل دم بشكل دوري. لم ينهر جسدها فقط، بل روحها أيضًا.
بصوت منهك، تقول أفنان: "أشعر وكأن الأرض تدور بي. هذا النزيف يأخذ مني كل طاقتي. لم أعد قادرة على الذهاب إلى العمل. مديري أرسل لي إنذارًا بالفصل. في المنزل، أطفالي ينتظرون مني العناية، لكنني أعجز عن القيام بأي شيء. أسبوع كامل أو أكثر وأنا عاجزة."
النزيف المتكرر، الذي يبدو شائعًا للبعض، ترك أثرًا عميقًا على حياة أفنان. هدد صحتها، استقرارها المهني، وحتى علاقتها الزوجية. زوجها، الذي لم يستطع احتمال الوضع، بدأ يبحث عن زوجة جديدة، تاركًا امرأته وسط دوامة من الألم والخوف.
ولكن قصة أفنان ليست فريدة.
في مكان آخر من اليمن، تعيش آمنة تجربة مشابهة. تحديات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة لا تعني فقط نقصان المياه والغذاء، بل أيضًا مضاعفة الأعباء الصحية والنفسية على النساء.
وفقًا لتقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، النساء والفتيات مثل أفنان وآمنة يعانين أكثر من غيرهن من آثار التغيرات المناخية. ومع ذلك، هن الأقل مسؤولية عن التلوث البيئي. الجفاف والحرارة الشديدة يؤديان إلى مشاكل صحية معقدة، تفاقم من أزماتهن النفسية والاجتماعية، وتجعل استقرارهن حلمًا بعيد المنال.
الأرقام تعكس المعاناة، التقديرات تشير إلى أن أكثر من 158 مليون امرأة وفتاة في العالم يعانين من الفقر بسبب التغير المناخي.
مثل أفنان، يفتقر معظمهن إلى الموارد التي تتيح لهن التأقلم مع هذه التحديات، مما يجعلهن عالقات في حلقة مفرغة من المعاناة المستمرة.
هذه القصص ليست مجرد بيانات إحصائية أو تقارير صحفية، بل واقع مرير يعيشه العديد من النساء يوميًا. التغيرات المناخية ليست فقط تغييرات في الطقس، بل أزمة تتسلل إلى أعماق حياة النساء، تهدد كل جانب منها، من الصحة الجسدية والنفسية إلى استقرار العائلات والمجتمعات.
قصص أفنان وآمنة تلخصان مأساة عالمية صامتة، تتطلب أن تُسمع، وأن يُستجاب لها بحلول تعيد لهن الأمل والاستقرار.
•التغير المناخي وصحة النساء: التهديدات الخفية
تشير الدراسات إلى أن تأثيرات التغير المناخي تمتد إلى ما هو أبعد من البيئة، لتصل إلى الصحة الإنجابية والهرمونية للنساء.
تغييرات درجات الحرارة، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، وتلوث الهواء، تُهدد بشكل مباشر توازن الهرمونات التي تُعد أساسية للعديد من الوظائف الحيوية.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن التغير المناخي، مثل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الكوارث الطبيعية، يمكن أن يؤدي إلى اضطراب في الهرمونات، مما يزيد من خطر الإصابة بمشاكل مثل متلازمة تكيس المبايض واضطرابات الدورة الشهرية. بدوره، أوضح بدري محمد، رئيس حماية البيئة في تعز، أن هذه التغيرات تؤثر على هرمونات المرأة المسؤولة عن تنظيم العمليات البيولوجية الحيوية، بما في ذلك توازن السوائل، استجابة الجسم للإجهاد، وصحة الجهاز التناسلي.
•الحرارة وتأثيرها على الجسم الأنثوي
تُظهر الأبحاث أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من معدل الأيض، مما يؤدي إلى اضطراب توازن السوائل، ويضع عبئًا إضافيًا على القلب والأوعية الدموية. كما أن التعرض الطويل للحرارة يؤثر على الجهاز العصبي والغدد الصماء، مما يرفع احتمالية حدوث اضطرابات صحية مزمنة.
دراسة نُشرت في مجلة Nature Climate Change كشفت أن التعرض المطول لدرجات حرارة مرتفعة يُحدث تغييرات بيولوجية تؤثر على وظائف الأعضاء بشكل عام. أما في مجال الصحة النسائية، فإن تقلب الطقس يُعتبر أحد العوامل المؤثرة بشكل مباشر على انتظام الدورة الشهرية.
•بين الصيف والشتاء: دورة شهرية غير مستقرة
أظهرت دراسة في مجلة Gynecological Endocrinology وجود علاقة مباشرة بين أشعة الشمس ومدة الدورة الشهرية. في الصيف، يُلاحظ زيادة في نشاط المبايض بنسبة تصل إلى 97% مقارنة بـ71% في الشتاء. يعود ذلك إلى ارتفاع مستويات فيتامين "د"، الذي يعزز إنتاج هرمون FSH المسؤول عن تنظيم الوظائف الإنجابية.
في المقابل، يؤدي انخفاض التعرض لأشعة الشمس خلال الشتاء إلى نقص فيتامين "د"، مما يُسبب تأخر الدورة الشهرية وزيادة مدة النزيف.
التغيرات تشمل اختلاف مدة الدورة، غزارة النزيف، أو حتى انقطاعها بشكل كامل. هذه الاضطرابات لا تعتبر مجرد أمور مؤقتة، بل تكشف عن تأثيرات بيئية عميقة تؤثر على الوظائف البيولوجية والإنجابية للمرأة.
•أمراض النساء التناسلية وتأثير التغيرات المناخية
تتأثر صحة النساء بشكل كبير بتقلبات المناخ. فالحرارة المرتفعة تزيد من مخاطر الإصابة ببعض الأمراض النسائية التناسلية، مثل العدوى بالفطريات المعروفة بـ "عدوى الخميرة"، التي تصبح أكثر شيوعًا خلال فترة الحيض، خصوصًا في البيئة الحارة والرطبة التي تشجع على نمو البكتيريا.
وعادة ما تؤدي التغيرات المناخية، وخاصة الحرارة العالية، إلى اضطرابات في الدورة الشهرية. كما قد تسبب زيادة التعرق في المناطق الحساسة تهيجًا وحكة، مما يزيد من شعور النساء بالانزعاج والتوتر، إلى جانب التغيرات الهرمونية المرتبطة بفترة الحيض التي تؤدي أيضًا إلى احتفاظ الجسم بالماء والملح بشكل أكبر، مما يعزز الشعور بالانتفاخ.
وأكثر من ذلك، يمكن أن تؤدي الحرارة الشديدة إلى الجفاف، وهو ما يسبب عدم الراحة ويزيد من مشاعر القلق والاكتئاب، مما يؤثر على قدرة النساء على أداء مهامهن اليومية بشكل طبيعي. في مثل هذه الظروف، تصبح التحديات الصحية التي تواجهها النساء ليست مجرد معاناة جسدية بل أزمة نفسية حقيقية تنبع من تأثيرات البيئة.
•أثر التغيرات المناخية على النساء أكبر من مجرد التأثيرات الصحية البدنية
في المناطق المتأثرة بالنزاعات أو الأزمات المناخية، مثل اليمن، تشير فيها التقديرات إلى أن حوالي 26 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب يعانين من تهديدات صحية وإنجابية خطيرة بسبب التغيرات المناخية. من أبرز هذه التهديدات هو نقص الخدمات الصحية الأساسية التي تحتاجها النساء للحفاظ على صحتهن الإنجابية.
الباحثون يعتقدون أن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يؤدي إلى تغيرات هرمونية لدى النساء الحوامل، مما يزيد من احتمالية الولادة المبكرة. عادةً ما ترتبط الولادة المبكرة بمشاكل صحية خطيرة، مثل انخفاض وزن الأطفال عند الولادة وتأخر النمو، مما يجعلهم أكثر عرضة للمشاكل الصحية في المستقبل.
ومن الواضح أن التغيرات المناخية لها تداعيات نفسية عميقة أيضًا.
يمكن أن تؤدي هذه التغيرات إلى زيادة مستويات القلق والاكتئاب، خاصة في فترات الحيض أو الحمل. هذا يؤثر بشكل مباشر على قدرة النساء على التكيف مع التحديات البيئية والاجتماعية الناتجة عن التغيرات المناخية المستمرة.
•الأثر الاقتصادي للتغيرات المناخية على صحة النساء
تحتاج النساء في فترة الدورة الشهرية إلى الدعم الغذائي، لكن استمرار التغير المناخي بعني تعير في خارطة المواسم الزراعية، ما يعني ارتفاع في الأسعار وقلة الموارد للنساء الفقيرات بشكل مباشر.
كما أن التدهور الاقتصادي الناجم عن التغير في تجارة المواسم الزراعية يحد من قدرة النساء على تغطية تكاليف الرعاية الصحية، خصوصًا في المناطق الفقيرة. إضافة الى اضطرار النساء السير مسافات طويلة للوصول إلى موارد المياه.
آسيا المجاهد البالغة من العمر 50 عامًا، التي تعرضت لإصابات جسدية شديدة بسبب حملها كميات ضخمة من الماء والحطب في قرية تعاني من الجفاف المستمر.
آسيا كغيرها من النساء النازحات في الحديدة يعانين جراء النزوح الناجم عن الفيضانات التي ضربت المحافظة في أغسطس/آب 2024.
بحسب تقارير برنامج الأغذية العالمي، تواجه النساء في المناطق الريفية صعوبة في تأمين احتياجاتهن الغذائية بسبب تراجع المحاصيل وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما يؤدي إلى تدهور صحتهن العامة وصحة دورتهن الشهرية، فضلًا عن تأثيرات سلبية على صحتهن الإنجابية بشكل عام.
تشمل الحلول المقترحة زراعة الأشجار، توفير المظلات، ورش المياه لتخفيف آثار الحرارة. كذلك، من الضروري تعزيز الوعي حول كيفية التعامل مع الضربات الشمسية وأضرار الحرارة على صحة النساء.
يجب إشراك النساء في عمليات التكيف مع التغيرات المناخية وتعزيز ثقافة الحماية من المخاطر المناخية. إن تقديم برامج توعية للنساء، خصوصًا في المناطق الريفية التي يصعب الوصول إليها، يعد أمرًا حيويًا لتمكينهن من مواجهة هذه التحديات بفعالية.
من أبرز التجارب الناجحة في هذا المجال، تجربة الصين في الزراعة في المناطق الصحراوية باستخدام تقنيات متقدمة لإدارة المياه. هذه التجربة ساعدت في مواجهة التغيرات المناخية وتوسيع المساحات الخضراء. كما اعتمدت الصين على أنظمة إنذار مبكر للتعامل مع الحرارة الشديدة والبرد، مما قدم نموذجًا يمكن الاستفادة منه في سياقات مختلفة حول العالم.
في ختام هذا التقرير، لا بد من التأكيد على أهمية تضافر الجهود المحلية والدولية في اليمن لمواجهة التحديات المناخية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة النساء.
ويعتمد مستقبل النساء في مواجهة هذه التغيرات المناخية على قدرتنا على التفاعل مع هذه القضايا وإيجاد الحلول التي تضمن سلامتهن ورفاههن.
فلنكن جزءًا من هذا التغيير المهم. شاركوا هذا النداء لدعم النساء في مواجهة التغيرات المناخية!
تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منصة ريف اليمن الصحفية ضمن مشروع غرفة أخبار المُناخ والحقوق البيئية "عُشة".