في أعقاب سيطرة تحالف الفصائل المتمردة بقيادة "هيئة تحرير الشام" على معظم المناطق في سوريا، هناك "اندفاع هائل" لتحديد ما إذا كان ينبغي رفع إسم الجماعة وكبار مسؤوليها من قوائم الإرهاب الأمريكية والدولية، وكيف يتم ذلك. فبموجب القانون الأمريكي، يُسمح للمسؤولين الأمريكيين بالتواصل مع الجماعة على الرغم من التصنيف (على قائمة الإرهاب)، لكن الكثيرين يسعون للحصول على وضوح بشأن الشبكة المعقدة من التصنيفات السابقة المحيطة بها. وفي 15 كانون الأول/ديسمبر، دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن إلى "إنهاء سريع للعقوبات"، على الرغم من أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان تعليقه يشمل العقوبات المحددة المتعلقة بـ "هيئة تحرير الشام". وفي وقت سابق، صرح المبعوث الخاص أن الجماعة لا يمكنها حكم سوريا بالطريقة التي أدارت بها معقلها السابق في إدلب، بينما أشار إلى أن "هناك بعض الأمور المطمئنة على الساحة".
وبينما ينظر المسؤولون في خياراتهم، ينبغي عليهم النظر إلى التصنيف المعقد للجماعة على قوائم الإرهاب المختلفة، ولماذا ظهرت على الكثير منها. وفي الواقع، إن "هيئة تحرير الشام" نفسها لم تُصنَّف قط على قوائم الإرهاب - فالجماعة هي النسخة الأحدث لكيانات سبق تصنيفها بسبب صلاتها بتنظيمي "القاعدة و "الدولة الإسلامية".
من تنظيم "القاعدة في العراق" إلى "جبهة النصرة"
بدأ دور "هيئة تحرير الشام" في تموز/يوليو 2011، الذي أدى إلى سقوط الأسد في النهاية، عندما أرسل أبو بكر البغدادي - الذي كان حينها زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق"، المعروف سابقاً باسم "تنظيم القاعدة في العراق" - أبو محمد الجولاني لقيادة دخول جماعته إلى سوريا. وكان هذا هو الجولاني نفسه الذي أصبح لاحقاً قائد "هيئة تحرير الشام"، وقاد الهجوم الذي أطاح بالأسد، وتبنى اسم أحمد الشرع، وبالتالي نصب نفسه زعيماً جديداً لسوريا ووضع نفسه في صدارة محادثات شطب الأسماء الحالية.
ولكن في عام 2011، كان تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" قد دُمّر تقريباً، ورأى البغدادي في اندلاع الحرب الأهلية في الجوار فرصة لإعادة بناء التنظيم. وقد عُيِّن الجولاني قائداً للفرع السوري الجديد لتنظيم "الدولة الإسلامية"، أي "جبهة النصرة"، التي أعلنت رسمياً عن وجودها في كانون الثاني/يناير 2012. (وقد أشارت العديد من الوثائق الأمريكية والدولية أيضاً إلى الجماعة باسم "جبهة النصرة"). وبحلول كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام، أضافت وزارة الخارجية الأمريكية "جبهة النصرة" (تحت أسماء مستعارة مختلفة) إلى التصنيف الإرهابي القائم لـ "تنظيم القاعدة في العراق"، مؤكدة بذلك دور "جبهة النصرة" كذراع سوري للجماعة العراقية. ووفقاً للتصنيف المُحدَّث، فقد "ادعت «جبهة النصرة» مسؤوليتها عن شن نحو 600 هجوم" في سوريا خلال عامها الأول من العمليات، "بدءاً من أكثر من 40 هجوماً انتحارياً وإلى عمليات باستخدام الأسلحة الصغيرة والعبوات الناسفة". وفي قيامها بذلك، "سعت إلى تصوير نفسها كجزء من المعارضة السورية الشرعية" على الرغم من كونها "محاولة من «تنظيم القاعدة في العراق» لاختطاف نضال الشعب السوري لأغراضه الخبيثة الخاصة".
ومع تزايد شراكة "جبهة النصرة" مع الجماعات الجهادية السورية المحلية (مثل "أحرار الشام")، بدأ يُنظر إليها بصورة أقل كجماعة خارجية وبصورة أكثر كجزء لا يتجزأ من النظام البيئي الثوري. وقد أدى هذا التحوّل إلى قلق قادة تنظيم "الدولة الإسلامية" من أن يصبح فرعهم السوري جماعة مستقلة لا تكون تحت قيادتهم بالكامل.
تنظيم «الدولة الإسلامية» و"الحرب الأهلية" الجهادية
في 8 نيسان/أبريل 2013، أصدر البغدادي بياناً صوتياً أعاد فيه التأكيد على أن "جبهة النصرة" هي جزء من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق"، وأعلن أن الكيانين سوف يُعرفان من الآن فصاعداً باسم تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ("داعش"). ومع ذلك، وفي غضون أيام، رفض الجولاني هذه الخطوة وتعهد بمواصلة الولاء لزعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري. وهكذا بدأت معركة داخلية ضارية على الهيمنة بين الجماعات الجهادية السنية في سوريا.
وفي شباط/فبراير 2014، تبرّأ تنظيم "القاعدة" رسمياً من تنظيم "داعش". وبعد بضعة أشهر فقط، اقتحم تنظيم "الدولة الإسلامية" مدينة الموصل، وأعلن البغدادي استعادة الخلافة الإسلامية المزعومة تحت قيادته.
وتسلط التغييرات المتكررة للأسماء الضوء على المسارات المعقدة والمتشابكة لكل من "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، مما زاد من الارتباك بسبب تطورهما معاً من "تنظيم القاعدة في العراق" قبل أن ينفصلا ويصبحا أعداء شرسين. ومما زاد الأمر تعقيداً أن الجهاديين الأفراد المرتبطين بكلتا الجماعتين قد تجاهلوا أحياناً خلافاتهم وتعاونوا في شن هجمات إرهابية في الخارج.
"هيئة تحرير الشام" تُغيّر اسمها مع التركيز على الحوكمة
في كانون الثاني/يناير 2017، تبنت "جبهة النصرة" الاسم الجديد «هيئة تحرير الشام» "كوسيلة لتعزيز موقفها في التمرد السوري ودفع أهدافها الخاصة بصفتها فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا" - وهو وصف مناسب أُدرج في تصنيف الأمم المتحدة للجماعة (على قائمة الإرهاب). ودمجت "هيئة تحرير الشام" عناصر من عدة جماعات سورية لكنها كانت بقيادة واضحة من الجولاني و«جبهة النصرة»، التي "واصلت الهيمنة والعمل من خلال" التنظيم الجديد.
ومع ذلك، وعلى عكس معظم التنظيمات الجهادية الأخرى، تمتلك "هيئة تحرير الشام" سجلاً (مختلطاً) من الحكم في المناطق التي تسيطر عليها لعدة سنوات، حيث لم تدعُ خلالها إلى شن هجمات في الخارج أو تنفذها. كما توقفت عن استخدام التكتيكات الإرهابية الشائعة (على سبيل المثال، التفجيرات الانتحارية) ضد النظام السوري. وخاضت بشكل دوري قتالاً ضد كل من تنظيم "داعش" والفرع المحلي لتنظيم «القاعدة» "حراس الدين". وفي الوقت نفسه، لا يزال عدد كبير من المقاتلين الأجانب في سوريا مرتبطين بـ "هيئة تحرير الشام"، ويبدو أن بعض أعضائها أكثر ميلاً نحو التطرف الجهادي من غيرهم.
التصنيفات الأمريكية ومعضلة الشطب من القائمة
في الأساس، تم تصنيف الجماعة التي تُعرف الآن بـ "هيئة تحرير الشام" لأول مرة ككيان إرهابي في تشرين الأول/أكتوبر 2004، عندما صَنفت وزارة الخارجية الأمريكية "جماعة التوحيد والجهاد" (سلف "تنظيم القاعدة في العراق") كمنظمة إرهابية أجنبية وككيان إرهابي عالمي مُصنف بشكل خاص. وفي الشهر نفسه، أضافت الأمم المتحدة "تنظيم القاعدة في العراق"/"جماعة التوحيد والجهاد" إلى قائمتها الموحدة للمنظمات الإرهابية. وفي كانون الأول/ديسمبر 2012، أضافت الحكومة الأمريكية رسمياً "جبهة النصرة" كاسم مستعار لـ "تنظيم القاعدة في العراق"، حيث قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتعديل تصنيف قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية ذات الصلة، في حينعدّلت وزارة الخزانة الأمريكية قائمة المنظمات الإرهابية العالمية المصنفة بشكل خاص.
وفي الوقت نفسه، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية الجولاني (الذي غالباً ما يُكتب اسمه "جولاني" في الوثائق الأمريكية) كإرهابي عالمي مصنف بشكل خاص في أيار/مايو 2013. ومن خلال برنامجها "مكافآت من أجل العدالة"، عرضت الوزارة ما يصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات عنه، مشيرة إلى أنه "لا يزال زعيم [«جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة»]، التي تشكل جوهر «هيئة تحرير الشام»".
وفي الشهر نفسه الذي صدر فيه تصنيف الجولاني في الولايات المتحدة، أضافت الأمم المتحدة "جبهة النصرة" كاسم مستعار إلى تصنيفها لـ "تنظيم القاعدة في العراق". علاوة على ذلك، في الصفحة المخصصة لتصنيف "هيئة تحرير الشام" (آخر تحديث في آذار/مارس 2022)، أكدت الأمم المتحدة على الروابط التأسيسية للجماعة مع تنظيم "القاعدة". وفي عام 2021، أضافت وزارة الخارجية الأمريكية "هيئة تحرير الشام" إلى قائمتها لـ "الكيانات المثيرة للقلق بشكل خاص" بموجب "قانون الحرية الدينية الدولية لعام 1998" و"قانون فرانك ر. وولف للحرية الدينية الدولية لعام 2016"، متهمة إياها "بارتكاب انتهاكات خطيرة بشكل خاص للحرية الدينية".
إن هذه القائمة الطويلة من الجرائم ليست استثناءً في سوريا، التي تُعد واحدة من أكثر دول العالم خضوعاً للعقوبات، حيث أُدرج نظامها السابق ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب. واليوم، لا تزال "هيئة تحرير الشام" مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة، من بين دول ومنظمات أخرى، في حين لا يزال الجولاني مدرجاً على قائمة الإرهاب وخاضعاً لمكافأة قدرها 10 ملايين دولار من الناحية الفنية.
وفي الولايات المتحدة، يُعد شطب جماعة من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية أمراً سهلاً نسبياً، كما هو موضح في الصفحة الرئيسية لوزارة الخارجية الأمريكية على شبكة الإنترنت المتعلّقة ببرنامج المنظمات الإرهابية الأجنبية. فمنذ إنشاء القائمة، تم شطب عشرين جماعة، بما في ذلك عدة جماعات انتقلت نحو الحوكمة (على سبيل المثال، "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" «فارك» في كولومبيا). ويمكن شطب جماعة إذا قرر وزير الخارجية الأمريكي أن (1) الظروف الأصلية التي أدت إلى التصنيف قد تغيّرت بما يكفي لتبرير إلغائها، أو (2) أن مصالح الأمن القومي الأمريكي تبرر إلغاءها. وببساطة أكبر، يتمتع الوزير بسلطة "إلغاء التصنيف في أي وقت". كما يمكن إلغاء التصنيفات الخاصة بالإرهاب العالمي التي صدرت بموجب "الأمر التنفيذي رقم 13224".
ويجادل بعض المراقبين بأن إلغاء هذه العقوبات أمر أساسي لمنح القيادة السورية ما بعد الأسد فرصة لبناء نوع مختلف من الحكومة والبلد. ولا يمكن لأحد أن يعارض بشكل معقول بعض الإعفاءات قصيرة الأجل والتدابير المماثلة التي تسمح بتقديم المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، يجب أن يتم كسب أي شطب أوسع للتصنيف - سواء على مستوى الدولة أو الجماعة أو الأفراد - عن طريق الاستحقاق، وليس عن طريق الهبة. إن نهاية نظام الأسد هي أخبار سارة للغاية، وخاصة بالنسبة للشعب السوري، وكذلك فيما يتعلق بتقويض ركيزة رئيسية من "محور المقاومة" الإيراني. ولكن الحكومة الناشئة بقيادة "هيئة تحرير الشام" لديها الكثير لتثبته للمواطنين السوريين، ولجيران سوريا، وللمجتمع الدولي.