جمعت العاصمة الإماراتية أبو ظبي، عيدروس الزُبيدي وأحمد العيسي، في لقاء هو الأول من نوعه منذ عامين ونصف بين القياديين الجنوبيين البارزين في المعسكر الحكومي المناوئ لجماعة الحوثي.
ومع أن الرجُلين ينضويان في جبهة واحدة في الصراع الرئيسي باليمن منذ العام 2015، إلا أن كلا منهما يقف في موقف مضاد للآخر جنوبًا، على وقع الانقسام بين القوى والقيادات الجنوبية التابعة للحكومة الشرعية من جهة، وتلك المؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يرفع شعار استعادة دولة الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) من جهة أخرى.
وفي حين لم تتضح نتائج اللقاء بشكل فعلي على الأرض حتى الآن، فإن من المُرجح أن يكون اللقاء ناقش عددا من محاور الخلاف بين الطرفين، في مسعى لتوحيد الجبهة الجنوبية استعدادًا لأي تطورات في المشهد السياسي في ظل التقارب بين السعودية والحوثيين وانعكاسات نتائج الانتخابات الأمريكية.
•التوقيت
لم تخرج معلومات دقيقة بشأن ما جرى في اللقاء. والمؤكد أن التفاصيل الدقيقة أو الحساسة التي ناقشها الطرفان لن يتم التطرق إليها؛ لكن التغطية الإعلامية للانتقالي الجنوبي والائتلاف الوطني بشأن اللقاء حملت جملة واحدة تتعلق بالمرحلة القادمة والتعامل معها، والاصطفاف الوطني الجنوبي، والأوضاع الاقتصادية.
من الواضح أن الانتخابات الأمريكية، وقدوم رئيس جديد للبيت الأبيض، ستنعكس على الصراع في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي اليمن بشكل خاص، وهي أحد أبرز الأسباب خلف الحراك السياسي لعدد من القوى والمكونات اليمنية والقيادات التقليدية.
هذا النشاط المتصاعد واللقاءات المكثفة لها دوافعها، وهي محاولات استباقية لضمان بعض الأوراق قبيل أي تغيير في البيت الأبيض مدفوع برغبة الوكلاء الإقليمين المنخرطين بشكل مباشر في الأزمة اليمنية لترتيب الأوضاع قبل أي تغيير قادم في واشنطن.
لكن على الأرض، فإن قدوم الديمقراطية كامالا هاريس لا يشير إلى الكثير من الحسم في ملف الحرب والسلام في اليمن، كعادة الديمقراطيين في التعامل مع النظام الإيراني والصراع اليمني منذ اندلاعه في العام 2014 إبان ولاية الرئيس الديمقراطي باراك أوباما.
على أي حال فإن الأمر يتعلق بدرجة أكبر بقدوم ترامب، إذ يعد الأخير حاسمًا بشكل فعلي في ملف الصراع مع طهران والأجنحة التابعة في نظر البعض، رغم أن فترة رئاسته قبل الأخيرة لم تحمل أي خطوات في هذا الجانب، عدا عن قرار إلغاء الاتفاق النووي مع إيران ومقتل سليماني.
لكن هذا الاندفاع ربما لا يشير بالضرورة إلى سلام سريع فقط، إذ يحتمل أن يؤدي هذا الاندفاع إلى حرب أشد. وفي كلتا الحالتين فإن الرهان على الخارج لا ينجح دائمًا، ما لم تنضج شروط وأفكار القادة المحليين.
المرحلة القادمة لا تبدو واضحة المعالم بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي والائتلاف الوطني؛ لكن لقاء رئيسيهما في ظل الخلافات الجوهرية بينهما، يشير إلى أنهما يدركان أن التغيير القادم سيتم من خارج اليمن، وعلى هذا فالاعتقاد الآن أنه يجب توحيد الجهود والقوة لصالح مشروع واحد يتماهى مع تغييرات المرحلة القادمة.
الاصطفاف الجنوبي جملة جيدة المعنى وذات قيمة، لكن على الأرض يتطلب الاصطفاف الجنوبي تنازلات آنية من القوى السياسية بكافة تياراتها وأبعادها بغية الوصول إلى مشروع جامع يضع القضية الجنوبية هدفًا للجميع وتؤجل النقاشات الداخلية حول الوسيلة الأنسب لتحقيق هذا الهدف، لأن أفضل الوسائل هي تلك التي تحددها الظروف والواقع.
يعتقد الصحفي صدام الردفاني أن توقيت اللقاء بين رئيسي المجلس الانتقالي والائتلاف الوطني الجنوبي يمثل عاملاً مهماً في ظل حالة الاستقطابات المحلية ودخول البلد في مرحلة من المرجح أن تشهد تغييرات إقليمية في المنطقة، وما قد يترتب على ذلك محليًا من تخندق الأطراف المحلية تجاه الممولين الخارجيين، حد وصفه.
وأضاف الردفاني لـ"يمن فيوتشر" أن دخول البلد في تعقيدات الأزمات التي طرأت في البحر الاحمر ومحاولة الحوثيين استثمار هذه الخطوة يشير إلى احتمالات حدوث تغييرات فعلية في المشهد السياسي اليمني.
"توقيت اللقاء بين الزُبيدي والعيسي وهو يتزامن مع التدهور الاقتصادي المخيف واستمرار انهيار صرف العملة المحلية، يمكن أن يقود إلى تفاهماتٍ مشتركة بين الطرفين. قد لا يتمكن من إذابة جليد الخلافات بينهما، لكنه قد يؤسس لمرحلة تعاون/ تفاهم قد تنعكس على الوضع الاقتصادي"، الصحفي حسين الأنعمي يتحدث لـ"يمن فيوتشر".
ويشير الأنعمي إلى أن توقيت اللقاء وانعكاسه "مُهم" ويحتاجه المجلس الانتقالي لإخماد الغضب الشعبي الذي يتأجج يومًا بعد آخر ويُهدِّد مستقبله، ويسعى إليه "العيسي" لاستعادة نشاطه التجاري الذي خفت مؤخرًا.
ووفق الصحفي حسين الأنعمي، فإن الجانب الاقتصادي سيتصدر موضوع النقاش، باعتباره مفتاح أي لقاءات أو تعاون مشترك بين الطرفين في المرحلة المقبلة. كما لن يفوّت الانتقالي فرصة اللقاء لدعوة رجل الأعمال الشهير، الذي يرأس مكونًا حزبيًا، إلى فتح قنوات الحوار وصولاً إلى "توحيد الصف الجنوبي" الذي يراهن عليه المجلس للمضي في مشروع "استعادة الدولة".
•تأسيس التكتل الوطني بعدن موقف الانتقالي والائتلاف
جاء اللقاء بين الزبيدي والعيسي قبل أيام قليلة من انطلاق مشاورات الأحزاب اليمنية برعاية المعهد الديمقراطي الأمريكي، والذي كان أفضى إلى اختيار رئيس مجلس الشورى، الدكتور أحمد عبيد بن دغر، رئيسًا للتكتل الوطني للأحزاب السياسية والمكونات الوطنية الذي شارك فيه الائتلاف الوطني الجنوبي.
رفض المجلس الانتقالي المشاركة في لقاءات التكتل التي عقدت بعدن. وهذا يبدو طبيعيا، لاعتبارات تتعلق بتعارض أهدافه مع الأهداف التي رفعتها الأحزاب المشاركة، وفي الوقت نفسه لم تكن لدى الانتقالي القدرة أو الجرأة على تجربة ما لإيقاف لقاءات التكتل، نتيجة ضغوطات من التحالف.
غير أن المجلس الانتقالي الجنوبي بدا مرِناً هذه المرة لإيصال رسائل إيجابية للحلفاء بشكل عام، ولواشنطن بشكل خاص.
ويقول الصحفي محمد الطويل لـ"يمن فيوتشر"، إن اللقاء بين اللواء عيدروس الزُبيدي والشيخ أحمد صالح العيسي جاء بإيعاز إماراتي. وقال الطويل إنه لا يستبعد أن هذا اللقاء مهد للقاء الأحزاب والمكونات السياسية في عدن.
يضيف الطويل: "الطرفان وبكل صراحة لا يملكان قراراً، وإنما يسيران بإيعاز من غيرهما، واللقاء الذي جمعهما في في الإمارات بعد القطيعة خير دليل".
وأشار في الوقت ذاته إلى أن عدم مشاركة الانتقالي بدا طبيعيا، نتيجة أن الأحزاب المشاركة في التكتل والمنضوية تحت رايته تؤمن بحل القضية الجنوبية في إطار الجمهورية والنظام الجمهوري، وهي حلول منقوصة في نظر المجلس الانتقالي، وتختلف كثيرًا عن الأهداف التي يرفعها الانتقالي ويعد بها جمهوره.
وقال الطويل إن عدم مشاركة الانتقالي في لقاء التكتل السياسي يعد خطوة إيجابية في نظر جمهوره، إذ إن ذلك يحفظ له ما تبقى من حاضنته الشعبية، رغم أن حمايته للقاء تضع علامات استفهام كثيرة وتشير إلى ضغوط كبيرة مورست على المجلس.
•التباينات ومناطق الخلاف
تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي في أيار/ مايو 2017، بعد أيام من إقالة محافظ عدن آنذاك اللواء عيدروس الزُبيدي، وقيادات جنوبية أخرى. بعدها بعام واحد فقط تأسس الائتلاف الوطني الجنوبي، وهو تحالف عريض يضم حوالى 13 من المكونات والفصائل الجنوبية برئاسة رجل الأعمال أحمد صالح العيسي، الذي كان تقلد منصب نائب مدير مكتب الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي.
سياسيًا، تتعارض توجهات الطرفين كما هو معروف، فالمجلس الانتقالي الجنوبي يسعى كما يقول إلى استعادة دولة الجنوب السابقة بحدود العام 1990 (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، فيما الائتلاف الوطني الجنوبي أبعد عن مسائل فك الارتباط، لكنه يسعى لحل عادل للقضية الجنوبية وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وفي إطار دولة اتحادية وفق أهدافه العامة.
اللقاء الذي جمع عضو مجلس القيادة الرئاسي - رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزُبيدي، مع رئيس الائتلاف الوطني الجنوبي رجل الأعمال أحمد صالح العيسي قبل أيام، هو الثاني بعد الأول الذي كان جمعهما في الرياض في نيسان/ أبريل 2022، على وقع الحراك السياسي المتسارع آنذاك والذي أفضى إلى نقل الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي صلاحياته لمجلس القيادة الرئاسي برئاسة د. رشاد العليمي.
وعلاقة الزُبيدي والعيسي لم تكن في أفضل حالاتها، ففي حين كان اللقاء الأول يمثل بداية مرحلة جديدة لموقع الاثنين في المشهد السياسي، إذ أصبح رئيس الإانتقالي الجنوبي عضوًا في مجلس القيادة الرئاسي، فيما تقلصت صلاحيات ونشاط أحمد العيسي في المجال الاقتصادي (النفط والاتصالات والطيران)؛ وهي التي كان يحظى بشكل كبير بها في عهد الرئيس السابق هادي.
•قضية عشال
منذ مطلع تموز/ يوليو حتى آب/ أغسطس الفائت حظيت قضية المقدم علي عشال الجعدني بحضور كبير في نقاشات الأطراف والقوى السياسية ووسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية، مدعومة بتعاطف شعبي كبير في المحافظات الجنوبية.
عمليًا كان التأييد الشعبي للمطالب الحقوقية بشأن الكشف عن مكان المختطف الجعدني جيدًا؛ غير أن هذا الحراك وإن كان مؤثرًا إلى حد ما، يفتقد للقدرة على الاستمرارية، بفعل عدة عوامل تنظيمية ومادية وأمنية.
أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي في موقع صعب، فالحادثة جرت في مدينة عدن الخاضعة لسيطرته منذ آب/ أغسطس 2019، والمتهمون الرئيسون ينتمون لقواته. وفي آب/ أغسطس الماضي وجد المجلس نفسه في مواجهة المئات من المتظاهرين المطالبين بالكشف عن عشال بساحة العروض.
تعامُل المجلس الانتقالي مع القضية بدأ بارتباك وفقدان للسيطرة بعد تأخر تفاعله مع القضية خطابيًا وعمليًا، ثم أدى هذا الارتباك إلى اتخاذ خطوات أكثر انفعالية ضد المتظاهرين. ولاحقًا سعى الانتقالي لتقديم رسائل جيدة للجنوبيين ولأبين بشكل خاص لنزع فتيل الغضب الشعبي.
المجلس الانتقالي كان يمكن أن يقع في موقف أكثر إحراجًا في الجنوب بشأن قضية عشال، لكن تضارب البيانات وأهداف الطرف الآخر، واحتمالات أن يكون حدث اختلال أو انقسام في التوجه العام للقضية، والمخاوف بشأن االعواقب لما بعد أي خطوة، خدمت المجلس الانتقالي كثيرًا.
من جانب آخر، قبل أشهر دعم الائتلاف الوطني الجنوبي في أبين تجمعاً بالآلاف في مدينة زنجبار عاصمة المحافظة الساحلية، للمطالبة بالكشف عن مصير المختطف علي عشال الجعدني؛ لكن هذا الحراك والزخم بدا بطيئًا في الشهرين الماضيين.
الآن، وإن كانت التغطية الإعلامية للتنتقالي والائتلاف الوطني، لم تتطرق إلى هذه القضية، فإن من المُرجح أن يكون الجانبان ناقشا بشكل أو بآخر هذه القضية؛ غير أن المدى أو الوقت الذي وصل إليه أو خُصص من قبل الطرفين للحديث في هذه المواضيع لا يمكن معرفته.
وأشار الصحفي الردفاني إلى أن قضية المختطف علي عشال الجعدني كانت خير دليل على محاولة بعض القوى والأطراف استغلالها لضرب المجلس الانتقالي، إلى جانب محاولة توظيف القضية مناطقيًا في محاولة متجددة من الأطراف نفسها لإاستهداف الجنوب.
ويقول الردفاني إن العيسي يمتلك حضورا قبليا في محافظة أبين، وهذا اللقاء سوف يعزز الاصطفاف ويُرجح الكفة في سبيل التقارب الجنوبي. كما أنهُ فرصة لحلحلة العديد من القضايا الاقتصادية التي يبرز فيها العيسي، ومن المُرجح أن يساهم فيها في المستقبل القريب.
•تقارب جنوبي
لقاء الزبيدي والعيسي من الواضح أنهما أضطرا إليه أو أحدهما على الأقل سعى له، ولم يكن خيارًا، لكن في الواقع فكل من الرجلين بحاجة للآخر، على الأقل في هذا التوقيت، فالتطورات المتسارعة إقليميًا وانعكاساتها المحتملة في اليمن دفعت بهما لبحث ما يمكن التفاهم بشأنه وحل نقاط الخلاف، لتكوين رؤية أو فريق جنوبي في أي محادثات أو مفاوضات قادمة.
الصحفي حسين الأنعمي يقول لـ"يمن فيوتشر": "يمكن قراءة اللقاء بين الزُبيدي والعيسي من نواحٍ شتى، أبرزها الدعوة إلى الحوار الجنوبي- الجنوبي، التي أطلقها المجلس قبيل أعوام وحققت نجاحات كبيرة توّجت بتوقيع ما سُمِّي بـ"الميثاق الوطني الجنوبي"، وهي جهود يجدر الإشادة بها، وتجربة نتمنى أن تتكرر، لا في الجنوب فحسب، بل في مختلف ربوع اليمن".
ويقول الأنعمي إنه يمكن قراءة هذا اللقاء أيضًا من منظور اقتصادي صرف، إذ يأتي اللقاء في وضعٍ تشهد فيه العاصمة (المؤقتة) عدن تدهوراً غير مسبوق، نظرًا لما يُمثله الطرفان من حضور سياسي واقتصادي على الأرض يمكن أن يُغير في الوضع الراهن، أو -على الأقل- يحدُّ من تفاقم الأوضاع.
ويعلق الصحفي صدام الردفاني على اللقاء الأخير بين الزُبيدي وأحمد العيسي مشيرًا إلى أنه يمثل مرتكزاً أساسياً في سبيل الاصطفاف الجنوبي الذي طالما طالب به الانتقالي الجنوبي في سبيل لم الشمل، وبهذا سيكون قد خطا خطوات مهمة في سبيل التقارب وردم الهوة بين عدة قيادات جنوبية ظلت بعيدة عنه، وهو الذي دائمًا ما يرفع شعار الجنوب بكل ولكل أبنائه.
يتابع الردفاني حديثه للمنصة: "اللقاء الأخوي سوف ينعكس على الداخل الجنوبي ويقوي شوكته ليظهر أن الجنوب أصبح موحداً أمام كل المؤامرات التي تحاول إدخاله في مهاترات هدفها هدم الاستحقاقات التي بنيت في الجنوب".
وبحسب الردفاني فإن انعقاد اللقاء في الإمارات يمثل دلالة واضحة على أن أبوظبي مازالت اللاعب الأقوى في الجنوب، وتمتلك القدرة والحضور في الداخل.