أظهر استطلاع سريع للآراء أجراه مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بغرض رصد انطباع شريحة من اليمنيين عن عمليات جماعة الحوثيين (حركة أنصار الله) في البحر الأحمر، أن إظهار الدعم لتلك العمليات لا يعكس بالضرورة نظرة إيجابية تجاه الجماعة. في أعقاب أولى الضربات العسكرية الانتقامية التي نفذتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في يناير/كانون الثاني من العام الجاري، وزّع المركز استبيانا على أكثر من 400 مواطن/ة يمني/ة في 11 محافظة، بغرض رصد انطباعهم العام عن عمليات الحوثيين في البحر الأحمر، وتأثيرها (الُمتصور) على وقف الحرب في غزة، وانعكاسات هذا التصعيد على فرص السلام في البلاد. يُعكس الاستطلاع انطباع اليمنيين ونظرتهم إلى أفعال الجماعة ومدى تأثيرها على آفاق السلام في ظل الزخم الإقليمي والعالمي الذي اكتسبه الحوثيون.
سُئل المشاركون عن انطباعهم الأوليّ تجاه الهجمات في البحر الأحمر، حيث عبّر 36 في المئة من المستجيبين في مناطق سيطرة الحوثيين عن شعورهم بالفخر، وأشار 26 في المئة إلى شعورهم بالقلق، بينما أعرب 19 في المئة عن مشاعر متضاربة.
برزت مشاعر الفخر بشكل خاص بين المتواجدين في صنعاء وكذلك في حضرموت، وفق ما أعرب عنه 60 في المئة من المستجيبين في المحافظة (الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً). أظهرت المحافظتان تفاعلا سياسيا قويا مع الأحداث، حيث ذكر نسبة كبيرة من المستجيبين هناك مشاركتهم في احتجاجات تضامنية مؤيدة لفلسطين. من جهة أخرى، أعرب 50 في المئة من المشاركين من محافظة المهرة عن شعورهم بالقلق، رغم كونها المحافظة الأبعد جغرافياً عن البحر الأحمر. بصورة عامة، أعرب 25 في المئة من المستجيبين في مناطق سيطرة الحكومة عن شعورهم بالفخر تجاه عمليات الحوثيين في البحر الأحمر، في حين أعرب 22 في المئة و25 في المئة منهم عن مشاعر قلق ومشاعر متضاربة – على التوالي.
يبدو أن مشاعر الفخر هذه كانت قاسماً مشتركاً مع الجماهير العربية الأوسع ومؤيدي القضية الفلسطينية في مناطق أخرى حول العالم بعد الزخم الذي اكتسبه الحوثيون عقب أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ولعلّ ضعف استجابة وتقاعس الدول العربية عن مواجهة الاعتداءات المتواصلة على سكان غزة ساهم في تعزيز هذه الصورة المتماهية عن الحوثيين والتصوّر بأنهم أحد الأطراف القليلة في العالم العربي التي وقفت ضد الإبادة الجماعية للفلسطينيين المرتكبة على يد إسرائيل. لكن هذه الصورة البطولية في أذهان اليمنيين الذين يعيشون تحت حُكم الجماعة قد تعكس رواية مختلفة، لا سيما وأن دعم القضية الفلسطينية مُتجذر تاريخياً في ثقافة الشعب اليمني منذ عقود مضت ولم تتغير باختلاف الأنظمة السياسية الحاكمة.
تنتهج الجماعة سياسة الكيل بمكيالين، فَرغم أنها تدّعي حمل شعلة الانتفاضة ضد الاضطهاد الممارس بحق الفلسطينيين، إلاّ أنها تحولت إلى سلطة أكثر قمعاً داخل مناطق سيطرتها في ازدواجية معايير واضحة ولّدت شعورا متضاربا لدى العديد من اليمنيين، بحسب ما أكدته نتائج استطلاع الرأي.
برزت تناقضات واضحة بين آراء المشاركين في الاستطلاع حول عمليات البحر الأحمر (الإيجابية والسلبية) ونظرتهم العامة للجماعة نفسها، ففي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، أبدى 35 في المئة من المستجيبين نظرة إيجابية لعمليات البحر الأحمر، إلا أن 8 في المئة فقط حملوا وجهة نظر إيجابية تجاه الحوثيين.
بالمقابل، أعرب 28 في المئة من المستجيبين في مناطق سيطرة الحكومة عن تأييدهم لعمليات البحر الأحمر، لكن 3 في المئة فقط حملوا وجهة نظر إيجابية تجاه الجماعة. أظهر 39 في المئة من المشاركين من المناطق التي تنقسم سيطرتها بين الجماعة والحكومة نظرة أكثر سلبية تجاه الحوثيين، وكذلك الأمر بالنسبة لـ 34 في المئة من المشاركين من المناطق الخاضعة كليا لسيطرة الحكومة.
رغم التأييد الكبير للعمليات في البحر الأحمر، لوحظ أن التصور السائد بين غالبية المستجيبين – أكثر من نصف المشاركين من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ومن مناطق سيطرة الحكومة – هو أن هجمات الحوثيين لن تساعد في إنهاء الحرب في غزة.
ردّا على سؤال حول نظرتهم لتداعيات أزمة البحر الأحمر على فرص السلام في اليمن، أبدى غالبية المشاركين نظرة متشائمة بدّدت شعور التفاؤل الذي عمّ اليمنيين بعد إبرام الهدنة عام 2022، والزخم الذي رافق زيارة وفد حوثي رسمي إلى الرياض في سبتمبر/ أيلول 2023، والإعلان اللاحق عن خارطة طريق بقيادة الأمم المتحدة. أشار 63 في المائة من المستجيبين إلى أنهم كانوا يعلقون الآمال على عملية سلام تنهي الصراع قبل تصاعد حدة التوترات في البحر الأحمر، ووفقا لنتائج الاستطلاع، تلاشى هذا الأمل نتيجة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وما أعقبها من ضربات عسكرية أمريكية – بريطانية على اليمن في بداية العام، حيث أعرب 76 في المئة من المشاركين عن قناعتهم بأن هذا التصعيد سيُعيق عملية السلام.
فضلا عن ذلك، كشف الاستطلاع عن قلق واسع يُخيّم على اليمنيين حول ما يخبئه المستقبل لهم، حيث غلبت المخاوف من انجرار البلاد إلى صراع إقليمي أوسع يشمل قوى دولية على جميع المخاوف المحلية الأخرى – بما في ذلك خطر عودة الحرب داخل اليمن – وتنامي أنشطة المتطرفين، وتجنيد الأطفال في ساحات المعارك، وتشرذم البلاد، وانطلاق أيدي الجماعات المسلحة لتوسيع رقعة مناطق سيطرتهم. مع تصاعد حدة الصراع في غزة واستعداد الحوثيين لمزيد من التصعيد ومواصلة هجماتهم ضد أهداف إسرائيلية – فإن هذا القلق له ما يبرره.