تقرير: قاصرات سوريا ضحايا "جرائم إلكترونية"
يمن فيوتشر - اريج- سماح اسمندر: الثلاثاء, 22 أكتوبر, 2024 - 03:15 مساءً
تقرير: قاصرات سوريا ضحايا

قمر فتاة تبلغ 19 عاماً من حلب، يتابع حسابها على فيسبوك أكثر من أربعة آلاف شخص. تحظى صورها بإعجاب المتابعين وتعليقاتهم داخل وخارج سوريا. حتى إنها تعلق بنفسها على بعض صورها: "منورة يا أنا". 
لكنّ الصور التي تنشرها الفتاة -سواء كانت لها أم رفقة صديقاتها- عبر "حسابها"، لم تكن لها أبداً؛ إذ إن الصور تعود لفتاة تدعى سمر (16 عاماً وقتها) من مدينة طرطوس بسوريا، ويبدو أن شخصاً ما قرر انتحال شخصيتها.
"أليست هذه صورك؟ هل لديك حساب آخر يحمل اسماً مختلفاً؟"، تذكر سمر أسئلة صديقتها التي تواصلت معها لتخبرها أن حساباً على فيسبوك يستخدم صورها الشخصية، لكنّه يحمل اسماً مختلفاً. 
تفقدت سمر الحساب المجهول، مشدوهة تحاول فهم ما حدث: "مع من تحدثتْ باسمي؟ ماذا أخبرتهم؟ ماذا أستطيع أن أفعل؟ وعلى الفور؛ طلبت من أصدقائها الإبلاغ عن الصفحة. ورغم تلقيها إشعارات بقبول بلاغها، فإن الحساب لم يغلق.


•عنف عابر للحدود
القصة ذاتها تكررت مع لبنى* (19 عاماً)، إلا أن صاحب الحساب الوهمي تواصل مع دائرة معارفها. تعرضت والدتها لمضايقات من ذلك الحساب الذي يحمل اسمهما وصورها، فتواصلت لبنى -البالغة 16 عاماً حينها- معه وتبين أنه رجل أربعيني يقطن خارج الأراضي السورية.
طلبت منه مراراً التوقف عن مضايقتها، لكنّه تمادى في الأمر، فأنشأ العديد من الحسابات الوهمية باسمها واسم والدتها، وأرسل طلبات الصداقة لأصدقائها وأقاربها، ونشر صوراً شخصية للبنى؛ الأمر الذي دفع الأخيرة لإخبار جميع أصدقائها بأن يقوموا بحملة بلاغات ضد الحسابات الوهمية. لم يكتفِ صاحب تلك الحسابات بذلك؛ بل استهدف صديقاتها على فيسبوك، وأرسل لهن رسائل خادشة للحياء. 
تقول لبنى: "لم نستطع فعل شيء سوى الإبلاغ عن الحسابات الوهمية، فهو يسكن خارج منطقتنا"، أخبرها من حولها أن الإنتربول لا يستطيع حتى الوصول إليه.
 


•أرقام تثير القلق
ما تعرضت له سمر ولبنى، هو شكل شائع من أشكال الاستغلال الإلكتروني التي تواجهه النساء عبر الإنترنت، وغالباً ما يكون مصحوباً بجرائم أخرى؛ مثل الابتزاز الجنسي أو تسريب بيانات وصور شخصية.
في عام 2020، أجرت وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU) التابعة لمجموعة "الإيكونوميست" البريطانية، دراسة لقياس الانتشار العالمي للعنف الرقمي ضد المرأة، أظهرت أن أكثر أشكال العنف الرقمي شيوعاً تشمل التضليل والتشهير (67 في المئة)، والتحرش الإلكتروني (66 في المئة)، وخطاب الكراهية (65 في المئة)، وانتحال الشخصية (63 في المئة).
تشير الدراسة، التي غطت أكثر من إحدى وخمسين دولة، إلى أن ثمانية وثلاثين في المئة من النساء تعرضن للعنف عبر الإنترنت.
في السياق ذاته، أكدت دراسة لفريق "سلامتك" عام 2023؛ أنّ العنف الرقمي يؤثر في غالبية النساء؛ فبين كل عشر نساء واجهت ست منهن عنفاً رقمياً، ذا أشكال مختلفة غالباً.


•منتحل الشخصية معروف!
قدرة الأشخاص على إخفاء هوياتهم وخلق هويات متعددة عبر الإنترنت؛ يُسهم في زيادة معدلات العنف الرقمي، وهو ما تؤكده المعالجة النفسية دانيا أبو خشبة بالقول: "العنف الرقمي منتشر بشكل كبير، لصعوبة الكشف عن هوية مرتكبيه، كما أن جهل الشباب والفتيات بوجود ضوابط قانونية يفاقم المشكلة؛ فالكثير من الشباب يتجهون للتحرش الرقمي لإشباع حاجاتهم، معتقدين أن العواقب أخف وطأة".
أحد أوجه انتحال الشخصية، هو إنشاء حساب وهمي للفتاة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بهدف استغلالها أو الإضرار بسمعتها ومصداقيتها. 
مريم (17 عاماً) تعرضت لابتزاز إلكتروني من شاب يكبرها بأربعة أعوام. خلال جلسة عائلية، التقت مريم بأنور* للمرة الأولى. تواصل معها عبر الإنترنت، ثمّ طلب منها الارتباط وقوبل بالرفض. انتقاماً منها، أنشأ أنور حساباً وهمياً لها عبر فيسبوك؛ يحمل اسمها وصورها، وراح يتواصل مع أصدقائها.
حاولت مريم وصديقاتها الإبلاغ عن الحساب عدة مرات، بعد أن قام أنور بإرسال صور لمحادثات قام بها منتحلاً شخصيتها. لم تكن المحادثات إباحية، لكنّه حذرها أن هذه ليست سوى البداية.


•لعب على أوتار الحاجة والضعف
"بنت صغيرة بعمرك وعم تهدد؟ بتعرفي شو بقدر أعمل أنا وعائلتي إذا نشرتِ المحادثات"، هذه إحدى رسائل التهديد التي تلقتها ميرا* ذات مرة من شاب ثلاثيني، ظل يطاردها بكلمات معسولة حتى أوقع بها في فخ الابتزاز. كان يستخدم عبارات ودية مثل: "أنتِ لطيفة وشخص أكبر من عمره"، وفقاً لميرا.
الرسائل التي بدأت بالمديح، سرعان ما تحولت لمحتوى فج. هدّدته ميرا بنشر رسائله على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّه استهزأ بها وبقدرتها على فعل ذلك؛ خاصة أن له أقارب لديهم السلطة الكافية لردعها.
لم تلتفت ميرا لتلك التهديدات، وقامت بحظر المتحرّش، وأخبرت أهلها بما حدث معها. 
الاختصاصية النفسية دانيا أبو خشبة، تشير إلى أن غالبية حالات الابتزاز التي لجأت إليها، كان دافعها الاحتياج العاطفي للفتاة؛ فيستغل الشاب حاجتها للحب والتقدير، ثمّ يتطور الأمر بينهما عاطفياً، ليطلب بعد ذلك منها صوراً وفيديوهات خاصة. بعدها يتمادى الشاب في طلباته الجنسية، مهدداً بفضحها ونشر ما لديه من صور وفيديوهات إن لم ترضخ له؛ مستغلاً خوف الضحية من أهلها وجهلها بالقوانين.

•الضحية تدفع الثمن
تسترجع سمر الأيام العصيبة التي عاشتها: "بكيت عشرة أيام متواصلة، صداع في الرأس، دوخة وقيء، لم أرغب في الحديث مع أحد، ولم أتمكن حتى من الدراسة".
تؤكد الاختصاصية النفسية دانيا أبو خشبة أن حالة من الخوف والحذر تسيطر على مَن يتعرضن للعنف الرقمي؛ تدفعهن دائماً للتفكير بـ "السيناريو الأسوأ"، فتفقد الضحية القدرة على التركيز وتصبح أكثر عصبية وانفعالاً؛ لشعورها بالعار والذنب وتأنيب الضمير. وتضيف دانيا: "في كل الحالات التي تعاملت معها، لم تشعر الضحية بالغضب تجاه الجاني، بقدر ما تشعر به تجاه ذاتها، والمجتمع يعزز هذه المشاعر، كأنّ الخطأ خطأها هي".


•معاقبة الجناة: قلب الطاولة وتهديد الجاني
ينص قانون الجرائم المعلوماتية رقم 20 للعام 2022 على مجموعة من المواد، التي تجرم حالات العنف الرقمي؛ كالمادة الرابعة عشرة التي تناولت جريمة انتحال الشخصية، والمادة السابعة عشرة المتعلقة بإرسال رسائل غير مرغوب فيها، والمادة الحادية والعشرين بشأن انتهاك الخصوصية، وجريمة المساس بالحشمة والحياء في المادة السادسة والعشرين من القانون نفسه. 
نصّ القانون على الحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات وغرامة تتراوح بين ثلاثة ملايين إلى أربعة ملايين ليرة سورية (1194-1592 دولاراً)، بحق كل مَن هدّد بالنشر أو نشر على الشبكة صوراً ثابتة أو متحركة أو محادثات أو تسجيلات صوتية منافية للحشمة أو الحياء، تعود لأحد الأشخاص، حتى لو حصل عليها برضاه، وتشدد العقوبة لتصبح السجن المؤقت من خمس إلى سبع سنوات، وغرامة تتراوح بين أربعة ملايين إلى خمسة ملايين ليرة سورية (نحو 1592-1990 دولاراً) إذا وقع الجرم على قاصر.
تقول المحامية مادلين أوكيان، إن قانون الجرائم المعلوماتية يتقاطع مع قانون العقوبات السوري، الذي يحتاج بدوره إلى تعديلات كثيرة تتعلق بالنساء والقاصرات؛ لأن القانون الحالي يُهمّش النساء. لكنّ قانون الجرائم المعلوماتية نصّ في المادة 33 على تشديد العقوبة؛ إذا كان المجني عليه قاصراً.
وتذكر المحامية أن إحدى موكلاتها تعرضت للعنف الرقمي، وحين قررت اتخاذ مسار قانوني، استجوبها قاضي النيابة بطريقة "مستفزة". وأكدت أوكيان أن التعامل بهذه الطريقة يدفع الضحايا إلى تجنب اللجوء للقضاء.
لم تلجأ أيّ ممن قابلناهن إلى القضاء، واكتفين بتهديد الأشخاص باللجوء إلى القانون. تقول سمر: "كنت خائفة من تقديم شكوى… بدي أفتح على حالي جبهات مخيفة". مضيفة أنها كانت تخشى من ردة فعل صاحب الحساب الوهمي، علاوة على اللوم المُنتظر من أهلها، بسبب نشر صورها على الفيسبوك. 
تواصلت سمر مع صاحبة الحساب، فأخبرتها الأخيرة أنها اعتقدت أن "الصور تعود لممثلة أو ما شابه"، ولم ترَ أيّ مشكلة في استخدامها؛ لكنّ سمر هدّدتها باللجوء إلى القضاء، فحذفت صورها كافة.
انتهى كابوس سمر، إلا أن الحساب نفسه -بحسب سمر- بدأ يستخدم صور فتاة جديدة. حذفت سمر كل صورها، وأغلقت حسابها لفترة، ثمّ عاودت فتحه مجدداً، وخصّصت صورها للأصدقاء فقط، تضيف سمر: "أشعر بأنني خرجت من السجن… تحررت".
 
*كل الفتيات اللواتي قابلناهنّ ظهرن بأسماء مستعارة.


التعليقات