أنهى (محمد السعدي) حديثه مع بائع خضروات في أحد الأكشاك الخشبية في مديرية "خور مكسر" شرقي مدينة عدن، غاضبًا من فشل مفاوضاته لدفع مبلغ أقل للكيلو الواحد من البطاطس والبصل والطماطم، قبل أن يضطر لاحقًا لشراء نصف كيلو من كل صنف.
بينما تقدم الأطراف ذات العلاقة مبرراتها لهذا الغلاء، يجد الآلاف من السكان صعوبة في تأمين الخضروات الأساسية لعائلاتهم، في الوقت الذي تجاوزت فيه العملة المحلية، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2024، حاجز الـ2000 ريال أمام الدولار و527 ريال أمام الريال السعودي.
•عزوف وتكاليف
(جميلة عوض) قالت في حديثها مع "يمن فيوتشر": "ارتفاع أسعار الخضروات في الفترة الأخيرة أصبح عبئًا علينا كمواطنين، ولا نعلم ما هي أسبابه؟"
تضيف معبرة عن استغرابها، "إن عرف السبب بطل العجب؛ أقل شيء نريد أن نعرف الأسباب! لكن نذهب لشراء الخضار ونتفاجأ بأن سعر كيلو الطماطم 3000 ريال والبطاطس 2500 ريال، وعندما نسأل يقال لنا كل شيء ارتفع!"
(جميلة) وهي في العقد الخامس من عمرها، أشارت إلى أن السكان كانوا يعانون في السابق من ارتفاع أسعار اللحوم والأسماك والدجاج، وكانوا يعتمدون على الخضار، لكن الآن أصبح حتى ما يمكن الحصول عليه من الخضار لا يستطيعون شراءه، كما قالت بلهجتها العدنية وهي تحاول قطع الطريق للوصول إلى محطة النقل الرئيسية في منطقة السيلة التابعة لمديرية الشيخ عثمان.
وأوضحت أن غياب الرقابة على البائعين والتجار المستوردين للخضار، إلى جانب ضعف الدور الحكومي، انعكس على المواطن الذي يعاني بفعل ضعف القدرة الشرائية نتيجة تدني المرتبات وتأخرها وعدم تغطيتها لأغلب الاحتياجات الضرورية.
وأكدت أنه رغم تقاضيها مرتبًا يقدر بـ150 ألف ريال يمني من عملها في القطاع الخاص، إلا أنها لا تستطيع مجاراة الأوضاع المعيشية والغلاء المصاحب لأغلب السلع والمواد، مما يشير إلى أن من يتقاضون مرتبات أقل يعانون بشكل أكبر.
ودعت جميلة الجهات المختصة إلى الالتفات لحال المواطنين الذين أنهكتهم الظروف المعيشية والغلاء، والعمل على إيجاد حلول عاجلة وتسعيرة مناسبة للخضروات، وتفعيل الدور الرقابي على البائعين والتجار والجهات ذات العلاقة.
تعددت الأسباب والغلاء واحد
قال مدير عام التسويق في وزارة الزراعة والري والثروة السمكية، (محمد ثابت النشيلي)، في حديثه مع "يمن فيوتشر"، إن ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني يُعد من أبرز أسباب ارتفاع أسعار الخضروات. حيث ترتفع أسعار البذور والمبيدات والأسمدة، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج، وبالتالي يرتفع سعر المنتج سواءً كان خضروات أو غيرها.
وأضاف المسؤول الحكومي أن غلاء المحروقات يعد من بين هذه الأسباب، حيث تعتمد معظم الحاصلات البستانية، خاصة الخضار، على ري الآبار التي تُشغل بالمضخات العاملة بالوقود. وهذا يساهم في ارتفاع أسعار الخضروات، خاصة بعد وصول سعر عبوة 20 لتر إلى 30 ألف ريال يمني.
وأشار النشيلي إلى أن تغيير المناخ يؤثر أيضًا على هذا الارتفاع، إذ أدت بعض الفيضانات والسيول إلى جرف عديد المحاصيل الزراعية، مما تسبب بخسائر للمزارعين نتيجة قلة المساحات المزروعة من الخضار. كما يُعد تباعد الطرق وتضررها من الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار الخضروات، وفقًا لمدير عام التسويق.
وأكد النشيلي أن نقاط الجبايات والموازين القانونية وغير القانونية تفرض مبالغ كبيرة على البائعين والموردين، الذين لجأوا لرفع أسعار محاصيلهم لتعويض الخسائر الناتجة عن الجبايات المنتشرة في مناطق عدة من المحافظات الجنوبية.
وبدءًا من الطريق الدولي الساحلي بمديرية أحور في محافظة أبين، مرورًا بمدينة شقرة الساحلية، وصولًا إلى النقاط الأمنية في مناطق حسان ودوفس بزنجبار، ونقطة العلم عند المدخل الشرقي لعدن، تنتشر عشرات نقاط الجبايات غير القانونية التابعة للقوات الحكومية والسلطة المحلية في أبين والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وتتراوح المبالغ المدفوعة عن كل شاحنة بين 200-400 ألف ريال يمني، وقد تصل في بعض الأحيان إلى مبالغ تقدر بـ 700 ألف ريال يمني.
ويختلف المبلغ وفقًا للسعر الذي تفرضه كل نقطة أمنية ونوع الحمولة التي تقلها كل شاحنة.
ولا تقتصر الجبايات على محافظة أبين، إذ تفرض نقاط أمنية تابعة للقوات العسكرية والأمنية في محافظة لحج وأخرى تابعة لمسلحين قبليين جبايات على الشاحنات القادمة من وإلى محافظة عدن.
مؤخرًا، أصدر عضو مجلس القيادة الرئاسي، العميد عبد الرحمن المحرمي (أبو زرعة)، توجيهات بمنع الجبايات في النقاط الأمنية. وليس من المؤكد حتى الآن ما إذا كانت توجيهات المحرمي قد نفذت بالفعل، لكن مصادر عسكرية ومحلية تعتقد أن نفوذ المحرمي وعلاقاته مع القادة العسكريين والأمنيين في محافظتي لحج وأبين قد تساعد في تنفيذ توجيهاته.
ويُعتبر المحرمي القائد العام لقوات العمالقة، التي تضم أكثر من عشرة ألوية يقودها مقاتلون سلفيون ومحليون. وقد شاركت هذه القوات بفعالية في المعارك ضد الحوثيين في جبهات الساحل الغربي للبلاد منذ عام 2016، بالإضافة إلى دورها العسكري والأمني البارز في مديريتي بيحان وعسيلان التابعتين لمحافظة شبوة، والمحاذيتين لمحافظة مأرب.
وفي نوفمبر 2023، أصدر قائد القوات المشتركة التابعة للقوات الحكومية في محافظة أبين، العميد (سند الرهوة)، توجيهات إلى الوحدات العسكرية والأمنية بإيقاف الجبايات. لكن سائقي الشاحنات أفادوا لـ"يمن فيوتشر" بأن الجبايات توقفت بعد القرار لفترة وجيزة ثم عادت مجددًا.
ويشير مدير التسويق في وزارة الزراعة والري والثروة السمكية إلى أن معظم الخضروات تأتي حاليًا من المحافظات الشمالية، حيث يتحكم تجار وموردون في كمية الإنزال من هذه المنتجات، مما يتيح لهم التحكم في الأسعار.
يضيف النشيلي، "هذا الموسم يُعتبر موسم مغلق في المحافظات الجنوبية نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، لكن من المتوقع أن يبدأ المنتج، خاصة الطماطم وبعض المحاصيل الأخرى، في المحافظات الجنوبية اعتبارًا من 20 أكتوبر/تشرين الأول".
وبحسب آخر نشرة لأسعار الخضروات والفواكه الواصلة إلى سوق الجملة في مديرية المنصورة بمحافظة عدن في 4 أكتوبر/تشرين الأول، فإن أسعار الخضروات ترتفع بشكل تصاعدي في ظل غياب الدور الرقابي للمؤسسات الحكومية. وتنشر النشرة، التي تضم كافة أسعار الخضروات والفواكه، بشكل شبه يومي في صفحة المكتب الإعلامي لوزارة الزراعة والري والثروة السمكية، ويرصد "يمن فيوتشر" أسعار الأصناف الأكثر طلبًا والتي تدخل بشكل مستمر في الوجبات اليومية للسكان في مدينة عدن.
وفقًا للنشرة اليومية، فإن سعر سلة البطاطس بحجم 22 كيلو في سوق الجملة المركزي بالمنصورة يتراوح بين 30-35 ألف ريال، ويعود هذا التباين في سعر السلة الواحدة للمنتج نفسه إلى عدم التزام أغلب التجار بالسعر المحدد، واختلاف الأصناف من حيث الجودة والتخزين.
كما بلغ سعر سلة الطماطم بحجم 20 كيلو نحو 50-55 ألف ريال، بينما وصل سعر سلة البصل الأحمر وزن 24 كيلو إلى 36-40 ألف ريال يمني.
لكن أسعار كيلو البطاطا وصلت إلى 2000 ريال في أسواق التجزئة المحلية، بينما سجل سعر كيلو الطماطم 3000 ريال، وبلغ سعر كيلو البصل 2500 ريال. ومع ذلك، فإن هذه الأسعار لا تثبت عند هذا المستوى، إذ تسجل ارتفاعات شبه يومية.
وقال (وليد الشرفي)، وهو تاجر خضروات في السوق المركزي بمديرية المنصورة، لـ"يمن فيوتشر": إن وجود عملتين في البلاد يُعتبر من أبرز الأسباب التي تقف خلف ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه بشكل عام. وهذه الظاهرة تسببت في انعكاسات سلبية على المزارعين والموردين والمواطنين.
وأضاف الشرفي أن اختلاف التعامل بين العملتين في الشمال والجنوب أدى إلى تباين الأسعار. فكل عملة لها ما يقابلها بالدولار أو الريال السعودي، حيث يتم صرف الدولار الأمريكي مقابل العملة المحلية بسعر أقل في الشمال، وبسعر مرتفع في الجنوب. كما أن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية ساهم أيضًا في زيادة تكلفة نقل المنتجات الزراعية بين المحافظات.
وأفاد أن الجبايات المفروضة من النقاط الأمنية على الموردين أو التجار كبيرة، مما يضطر التاجر أو المورد إلى إضافة تلك الجبايات إلى سعر المنتجات الزراعية لتعويض المبالغ المدفوعة. وهذا العبء ينتهي في النهاية إلى كاهل المواطن، الذي يدفع ثمن نتائج الاختلالات وغياب الرقابة.
وبحسب الشرفي، فإن تصدير المنتجات الزراعية إلى الخارج يُساهم في ارتفاع أسعار الخضروات، رغم أن الدولة لم تنفذ سياسة الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض. وأشار في الوقت نفسه إلى أن محافظة أبين هي أكثر المحافظات الجنوبية التي تصدر الخضروات والفواكه إلى الخارج، بفضل طول المساحات المزروعة فيها.
وفي حين تعد أبين المحافظة الأكثر تصديرًا للمنتجات الزراعية إلى الدول المجاورة، فإن الموز والبصل والبطيخ والشمام هي الأصناف الأكثر تصديرًا، والتي تُزرع غالبًا في محافظتي لحج وأبين.
وتابع الشرفي حديثه، "ارتفاع الأسعار بشكل جنوني أثقل كاهل المواطن، مع العلم أن رواتب الموظفين لا تكفي لشراء بعض احتياجاتهم اليومية، إذ أن أسعار الدولار ارتفعت خمس مرات عما كانت عليه عام 2012".
واختتم بالقول، إن "ارتفاع أسعار الخضروات ساعد بعض الباعة على بيع المنتجات الزراعية بسبب الغلاء الفاحش وكثرة المديونية المستحقة لهم نتيجة ارتفاع تكاليف الزراعة والنقل والوقود والجبايات."
•عوامل طبيعية
لكن الخبير والمهندس الزراعي (عبد القادر السميطي) أشار إلى أسباب أخرى ساهمت في ارتفاع أسعار الخضروات، منها عوامل طبيعية أثرت بشكل كبير على الزراعة، مثل التأثير المناخي الذي أدى إلى تضرر عدد من المحاصيل بفعل مياه السيول. كما أشار إلى انتشار عديد الحشرات الضارة بالمحاصيل، خاصة ما يُعرف بدودة "توتا انسلوتا".
وتعتبر الـ"توتا انسلوتا" حشرة غازية مهاجرة ظهرت في المناطق الجنوبية قبل حوالي 3 إلى 4 سنوات، بعد أن كان وجودها محصورًا في المحافظات الشمالية. وتظهر آثار هذه الحشرة على عدد من المحاصيل، حيث تُظهر علامات "سوداء" تدل على إصابة المحصول، ما قد يفسر عدم استخدام مبيدات آمنة، إذ يُحتمل أن تكون هذه المحاصيل قد رُشّت بمبيدات ضارة ومحرمة تلقى رواجًا في السوق، في غياب الجهات الرقابية وحماية المستهلك، بحسب الخبير السميطي.
ويلجأ بعض المزارعين إلى رش المحاصيل بمبيدات هرمونية لزيادة الإنتاج بشكل سريع، لكن هذه المبيدات تُسبب ضررًا للمحاصيل.
وأشار السميطي إلى سبب آخر يتمثل في الغش الذي يقوم به بعض التجار أثناء بيع الأصناف، حيث يضع بعضهم أسماء لأصناف أقل جودة لتُباع في السوق بأسعار مرتفعة تقارب أسعار الأصناف الجيدة.
وتابع السميطي أن بعض التجار يستخدمون لصقات لتغطية الاسم الأصلي للمنتج، لكن هذه الأساليب، على الرغم من أنها غالبًا ما تُكتشف، لا تلقى أي محاسبة أو إجراءات عقابية.
•الإجراءات الحكومية
"تعبّر الوزارة عن عدم رضاها عن ارتفاع الأسعار فوق الحد المتوسط، كما لا ترضى عن انخفاض الأسعار دون المتوسط." ويقول مدير عام التسويق في وزارة الزراعة والري والثروة السمكية، محمد النشيلي، "نحن مهتمون بالمزارع والمستهلك في الوقت نفسه، ونسعى كوزارة إلى استقرار الأسعار. يتمثل دور الوزارة في توفير المعلومات المتعلقة بتكلفة الإنتاج لمحصول معين، وسعره في المزرعة وسعره بالجملة، بالإضافة إلى رفع نشرات سعرية يومية إلى الجهات ذات العلاقة، ومراقبة المنتجات من حيث موسمها ومصادرها وكميتها."
وأضاف أن السلطة المحلية في المحافظة تحدد الدور الأساسي فيما يتعلق بأسعار الخضروات، إلى جانب دور وزارة الصناعة والتجارة في مراقبة الأسعار وتنفيذ القرارات. وأشار إلى أن ارتفاع الأسعار له أسباب متعددة، ولا تتحمل الوزارة وحدها مسؤولية هذا الارتفاع.
وأكد النشيلي أن الوزارة تلعب دورًا كبيرًا في هذا الجانب، حيث وجه الوزير (سالم السقطري) جميع الإدارات والمنظمات والجهات الداعمة بأن تكون المشاريع المستقبلية مشاريع مستدامة لتلبية حاجة أعداد كبيرة من المستفيدين، ومن أهمها حصاد المياه والاستفادة من مياه السيول.
وتسعى الوزارة للاستفادة من المياه عبر إقامة مشاريع مستقبلية تشمل السدود وقنوات السيول، إضافة إلى مشاريع حصاد المياه، إلى جانب مساعٍ للاعتماد على الطاقة الشمسية لتقليل تكلفة الإنتاج، وإنشاء البيوت المحمية التي تعزز الإنتاج في وحدة مساحة صغيرة، وعديد المشاريع الأخرى التي تقوم بهذا الدور.
وأوضح النشيلي أن الوزارة تتابع يوميًا الملاحظات المتعلقة بزيادة أو نقص أسعار الخضار وجميع المنتجات الزراعية. وفي حال وجود نقص في منتج معين وزيادة في سعره، تقوم الوزارة بفتح الاستيراد لتلك المنتجات، كما حدث مؤخرًا مع الطماطم والبصل.
وأكد أن هذه الخطوة تساعد على تغطية الطلبات ورغبات المستهلك من جهة، والحفاظ على السعر المناسب لهذا المنتج من جهة أخرى.
وأضاف، "نحن نراقب باستمرار النشرات السعرية الصادرة من المحافظات للمنتجات الزراعية، سواءً الخضروات أو الفواكه، ونحلل المشاكل وأسبابها ونعمل على معالجتها."
وأشار إلى أن الوزارة تتعاون مع الجهات ذات العلاقة لمراقبة صلاحية المنتجات الزراعية، سواءً من الخضار أو الفواكه، كما تسعى إلى إنشاء مؤسسة حكومية أو خاصة أو جمعيات تتبنى التسويق، مما سيساعد على القضاء على احتكار التجار لهذا المنتج، مع ضمان أن يستلم المزارع مباشرة من المؤسسة ويحصل على السعر المناسب.