لا زال اليمن يواجه أزمة سياسية وإنسانية وتنموية مستمرة، بعد مرور 10 سنوات على اندلاع النزاع المدني الكامل الذي انطلق بسيطرة قوات الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
و أدت الجولة الأخيرة من صراع غزة وتأثيراتها السلبية مجددًا إلى إضعاف أُفق السلام في اليمن بعد التوصل إلى المصالحة التاريخية بين السعودية وإيران في مارس/ آذار 2023. ومع استمرار النزاع المدني، يجد الشعب اليمني نفسه تواقًا للسلام.
• أمة مشتتة:
بعد عشر سنوات من سيطرة الحوثيين على صنعاء، يقدم اليمن صورة صارخة للانقسام الشمالي الجنوبي.
حيث يسيطر الحوثيون على معظم المناطق الشمالية، بما في ذلك صنعاء وميناء البحر الأحمر الاستراتيجي في الحديدة. وتسيطر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بقيادة مجلس القيادة الرئاسي منذ أبريل/ نيسان 2022، بشكل رئيسي على المناطق الجنوبية والشرقية، مع عدن كعاصمة مؤقتة.
و تظل محافظة مأرب الوسطى ومحافظة تعز الجنوبية الغربية محل صراعٍ حاد. وبالإضافة إلى ذلك، تستغل المنظمات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، عدم الاستقرار، مع وجودها في مناطق نائية من جنوب اليمن.
وحذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة لليمن (هانز جروندبرغ) في يوليو/ تموز من أنه على الرغم من تقليل العنف منذ وقف إطلاق النار في عام 2022، "إلا أن التهديد باندلاع حرب أخرى واسعة النطاق لا يزال قائمًا". و تستمر النزاعات في مناطق مثل الحديدة وتعز في حصد الأرواح، مما يؤكد ذلك على هشاشة الوضع.
و كان العبء الذي يحمله المدنيون اليمنيون كارثيًا، حيث تقدر وكالات الأمم المتحدة أن النزاع قد تسبب بشكل مباشر وغير مباشر في وفاة 377,000 شخص بحلول نهاية عام 2021. و أعلنت الأمم المتحدة أن الوضع في اليمن يعتبر "أكبر أزمة إنسانية في العالم".
وفي الوقت الحالي، يعتمد حوالي 21.6 مليون شخص -ثلثا سكان اليمن- على المساعدات الإنسانية. وبشكل مثير للقلق، يواجه حوالي 2.7 مليون طفل يمني خطر السوء التغذية الحاد، مما يرسم صورة قاتمة لمستقبل البلاد.
• نجاح محدود في جهود السلام:
على مدى العقد الماضي، حققت جهود دولية متعددة لتعزيز السلام في اليمن عن نجاح محدود. و استمر اتفاق وقف إطلاق النار الملحوظ في أبريل/ نيسان 2022 لمدة ستة أشهر قبل أن ينتهي، على الرغم من أن الطرفين حافظا بشكل كبير على "وقف إطلاق النار فعلي" منذ ذلك الحين.
و قال (تانغ جي تشاو)، أستاذ متخصص في سياسة الشرق الأوسط في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن الصراع في اليمن مرتبط بشكل عميق بالجيوسياسة الإقليمية، وأن العلاقة بين السعودية وإيران أثرت بشكل كبير على مسار اليمن.
و ارتفعت الآمال قليلاً عندما توصلت السعودية وإيران إلى تصالح تاريخي في مارس/ آذار 2023، مما أدى إلى حوار مباشر بين السعودية والحوثيين.
و قال (مقبل ناجي)، خبير سياسي مقيم في عدن: "لقد شهدنا بالفعل بعض التأثيرات الإيجابية نتيجة للمصالحة بين السعودية وإيران"، مشيرًا إلى أن الأطراف اليمنية في النزاع بدأت في استكشاف حلول سلمية، "على الرغم من أن هذه المحاولات لم تكن ناجحة بشكل كامل حتى الآن."
ومع ذلك، تم تحجيم هذا التقدم سريعًا باندلاع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
• وجهات نظر غير مؤكدة حول عملية السلام:
مع تصاعد التوترات الإقليمية، تبدو احتماليات عملية السلام في اليمن أكثر تعثرًا. وقد هاجم الحوثيون، معلنين تضامنهم مع فلسطين، سُفنًا بعضها إسرائيلية وبعضها مرتبط بالولايات المتحدة في البحر الأحمر واستهدفوا مدنًا مثل إيلات وتل أبيب. وقد أثارت هذه الأفعال ضرباتٍ جوية أمريكية وأدت إلى إعادة تصنيف الحوثيين باعتبارهم "منظمة إرهابية".
و يعتقد تانغ أنه من غير المرجح أن تحدث انفراجة في عملية السلام في المدى القريب، مؤكدًا على ضرورة استمرار الحوار لمعالجة النزاعات والاختلافات، بغاية التوصل في النهاية إلى المصالحة.
وقد توغل الحوثيون بعمق في المجتمع اليمني، مؤثرين تقريبًا في كل جانب من جوانب الحياة في البلاد، وفقًا لما صرح به ناجي. و هذا الاحتشاد قد زاد من تفاقم الانقسامات بين الحوثيين والشرائح الأخرى من المجتمع اليمني.
و مع دخول النزاع في اليمن إلى عقده الثاني، يظل الطريق نحو السلام غير مؤكد، مع استمرار الديناميات الإقليمية في لعب دور حاسم في تشكيل مستقبل البلاد، حسبما لاحظ المحللون.
و تعقيد الوضع في اليمن يشكل تحديًا هائلًا أمام جهود السلام. و أوضح تانغ: "يعتبر النزاع في اليمن معقد للغاية من الشكاوى و المظالم المحلية والتنافسات الإقليمية والمصالح الدولية. و سيتطلب حل هذا النزاع صبرًا وإبداعًا، وفوق كل شيء، التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف المعنية".