تحليل: هل يستطيع العالم ايقاف تسرب النفط الضخم في منطقة حرب؟
يمن فيوتشر - Vox- ترجمة: ناهد عبدالعليم السبت, 14 سبتمبر, 2024 - 11:07 مساءً
تحليل: هل يستطيع العالم ايقاف تسرب النفط الضخم في منطقة حرب؟

منذ تعرضها لهجوم من قبل متمردي الحوثي في اليمن قبل ثلاثة أسابيع، تعطلت واشتعلت ناقلة تحمل نحو مليون برميل من النفط الخام في البحر الأحمر. 
الناقلة "إم ڤي سونيون" لا تزال سليمة، ولكن قد لا تظل كذلك لفترة طويلة، وإذا غرقت قد تؤدي إلى واحدة من أكبر تسربات النفط في التاريخ، و تكاد تكون ضعف ما حدث في كارثة إكسون فالديز عام 1989. و سيكون لهذا تأثيراتٍ بيئية واقتصادية هائلة على منطقة تعاني فعليا من الحرب، وتهدد معيشة ومياه الشرب الآمنة لملايين الأشخاص. و من المرجح أن تبدأ قريبًا جهود لانتشال السفينة، ولكنها عملية عالية المخاطر في منطقة نزاع نشطة، والنجاح ليس مضمونًا على الإطلاق.
و قال (إيان رالبي)، الرئيس التنفيذي لشركة الأمن البحري Consilium، لـ Vox: "هذه كارثة كبيرة ممكنة الحدوث، ولا أعتقد أن جميع المعنيين يفهمون تمامًا تحدياتها، أو نتائجها إذا لم يتم التغلب على هذا الوضع. لذا نحن نواجه مشكلة ضخمة، و تعتبر أكثر تأثيرًا و جديّة من أي تسرب نفط آخر."
و قد تعرّضت سفينة النفط ذات العلم اليوناني "سونيون"، التي كانت تحمل نفطًا خامًا من العراق إلى اليونان، للهجوم لأول مرة في 21 أغسطس/ آب من قبل متمردي الحوثيين اليمنيين الذين استخدموا الأسلحة الصغيرة والقذائف، بالإضافة إلى سفينة مُفخخة مُسيّرة. و يزعم الحوثيون، الذين كانوا يهاجمون السفن في البحر الأحمر منذ بداية حرب إسرائيل في غزة، أنهم أطلقوا النار على السفينة بسبب ارتباط مالكها، شركة دلتا تانكرز اليونانية، "بإسرائيل" ولديها سفن أخرى قامت بزيارة موانئ إسرائيلية. كما تعرّضت سفينتان تابعتان لشركة دلتا تانكرز للهجوم في أغسطس/ آب من هذا العام.
وقد تم إنقاذ طاقم السفينة المكون من 23 فلبينيًا وروسيين اثنين بالإضافة إلى أربعة حراس أمنيين خاصين من قبل مدمرة فرنسية في اليوم التالي للهجوم، لكن سونيون نفسها معطلة حاليًا، و راسية بين سواحل إريتريا واليمن.
و  في 27 أغسطس/ آب، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية العميد (بات رايدر) للصحفيين إن محاولة أولية لإنقاذ السفينة قد تم التخلي عنها بعدما حذر  الحوثيون المنقذين. 
و في 29 أغسطس/ آب، وضع الحوثيون متفجرات على متن السفينة وفجروها، ونشروا فيديو لأنفسهم وهم ينفذون العملية. و بعد ذلك بوقت قصير، قالت إيران، الحليف الدولي الرئيسي للحوثيين، إن الجماعة ستسمح بإجراء عملية إنقاذ. و قال أحد كبار قادة الحوثيين (محمد الحوثي)، إنهم سيسمحون بتنفيذ عملية الإنقاذ من أجل منع الضرر البيئي، لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ستكون مسؤولة عن أي تسرب للنفط بسبب دعمهم لإسرائيل.
و بدا أن هذا الوضع في طريقه نحو الحل في بداية شهر سبتمبر/ أيلول، حيث تم إطلاق عملية تخليص سفينة النفط "سونيون" باستخدام قاطرات بحرية تحت حماية سفن بحرية أوروبية. ومع ذلك، في 3 سبتمبر/ أيلول، أعلنت عملية أسبيدس، العملية البحرية للاتحاد الأوروبي في المنطقة، في بيان أن "الشركات الخاصة المسؤولة عن عملية الإنقاذ قد استنتجت أنه لم تتوافر الظروف اللازمة لإجراء عملية القطر وأنه لم يكن المضي قدمًا آمنًا، ويتم الآن البحث عن حلول بديلة من قبل الشركات الخاصة."
و في بيان تم تقديمه لـ Vox، ذكر مالك الناقلة، دلتا تانكرز، أنه "يبذل كل ما في وسعه لنقل السفينة (والبضائع). و لأسباب أمنية، لسنا قادرين على التعليق بشكل أكثر تفصيلًا."
و لم تستجب عملية أسبيدس التابعة للاتحاد الأوروبي لطلب التعليق. و حتى الآن، لا يبدو أن الجيش الأمريكي مشارك في جهود إنقاذ السفينة، حيث قالت نائبة المتحدث (سابرينا سينغ) للصحفيين في إحاطة في 5 سبتمبر/ أيلول: "البحرية الأمريكية مستعدة للمساعدة، ولكن في الوقت الحالي، يقال لي إن هذا يتم عن طريق وسائل خاصة."
و ذكرت مجلة التجارة البحرية Maritime Executive أن اليونان - وهي دولة العلم المرفوع في السفينة - كانت في محادثات مع المملكة العربية السعودية بشأن الخيارات، التي يمكن أن تشمل سحب السفينة إلى ميناء سعودي أو بذل الجهود لنقل النفط إلى سفينة أخرى قبل أن تغرق. و في 12 سبتمبر/ أيلول، أفادت رويترز بأن عملية إنقاذ جديدة ستبدأ قريبًا. ومع ذلك، لا يوجد ضمان بأن الحوثيين لن يشنوا هجومًا آخر، ويقول الخبراء إن الشركات المتخصصة في هذه العمليات غير معتادة على القيام بذلك في وسط منطقة الحرب.
و قال (محمد الباشا)، المحلل الأمني اليمني لمجموعة ناڤانتي الاستشارية، لـ Vox: "على الرغم من أن الحوثيين يقدمون الضوء الأخضر لسحب هذه السفينة، إلا أنهم لا يزالون يهاجمون السفن من حولها. لذلك، فالشركات التأمينية ، والشركات الإنقاذية غير مرتاحة، و لا يوجد ثقة بين المجتمع الدولي والحوثيين."
و مع استمرار اشتعال السفينة، قد لا يكون هناك الكثير من الوقت المتبقي. و مثل معظم الناقلات التي تم بناؤها منذ كارثة إكسون فالديز، فإن "سونيون" مزدوجة الجدران ولن تتسرب بسهولة، ويبدو أن خزانات النفط لا تزال سليمة. ولكن اعتمادًا على مدى الضرر الذي تعرضت له بالفعل، وكمية الأوكسجين التي تعرضت لها حمولة النفط، وشدة الحريق، فمن المحتمل أنها مسألة وقت فقط.
وقال رالبي: "لا نعرف مدى بقاء تلك السفينة. إذا لم يتم إخماد الحرائق، فإنها في نهاية المطاف ستغرق".
وفي حال تسربت حمولة سونيون، فمن المحتمل أن تكون من بين أسوأ الكوارث البيئة في العالم. حيث قال (جوليان جريصاتي)، مدير برنامج غرينبيس لشمال أفريقيا والشرق الأوسط، لـ Vox إنه نظرًا لأن البحر الأحمر منطقة مائية مغلقة بشكل رئيسي - مع قناة السويس شمالًا ومضيق باب المندب جنوبًا - فإنه لا يتمتع بنفس مستوى التداول والتخفيف كما في المحيط المفتوح، مما يجعل ذلك احتمالية بقاء النفط في مكانه أكثر.
وقال جريصاتي: "لا يمكن تنظيف تسرب النفط، لكن يمكنك محاولة احتوائه والتخفيف منه، وبالتالي ستكون له تأثيرات وآثار لعقود، و ستكون الصعوبات المترتبة على عملية مثل هذه أكبر بكثير في منطقة قتال نشطة."
و أضاف: "البحر الأحمر يعتبر بالفعل كنز طبيعي، حيث يحتوي على أصناف من الشعاب المرجانية التي تعتبر من أكثر الأصناف قدرة على مقاومة تغير المناخ والتبييض، وبالتالي فهي ثمينة بشكل خاص، لأنها قد تساعد في توفير الحلول للشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم."
والتأثير لن يكون محسوسًا تحت الماء وحسب. بل يمكن أن يؤدي تسرب النفط الكبير إلى تدمير مصايد الأسماك في المنطقة، وهي مكون رئيسي للاقتصاد على جانبي البحر. (قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 2015، كان السمك ثاني أكبر صادرات اليمن بعد النفط والغاز.) 
و يمكن أن يحجب تسرب النفط أيضًا الوصول إلى الموانئ للمساعدات الإنسانية التي يحتاجها اليمن الفقير.
كما يمكن أن يسبب اضطرابًا أكبر في حركة الملاحة عبر البحر الأحمر، الذي انخفضت حركته بالفعل بمقدار ما يقرب من ثلثيها بسبب هجمات الحوثيين، مما يزيد من تكاليف الشحن ويسبب اضطرابات أخرى في سلسلة التوريد العالمية.
والكثير يعتمد أيضًا على موعد وقوع التسرب.
و في الوقت الحالي، تتدفق التيارات السطحية في البحر الأحمر بشكل رئيسي نحو الجنوب باتجاه المحيط الهندي. و في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، ستتحول التيارات وتبدأ بالتدفق نحو الشمال، باتجاه السعودية ومصر. و إحدى المخاوف الرئيسية هي أن يؤدي تسرب النفط إلى تلويث محطات تحلية السواحل التي يعتمد عليها عشرات الملايين من الأشخاص في الدول المحاذية للبحر الأحمر للحصول على المياه العذبة.
و من المفارقات القاسية في هذا الوضع هي أن منطقة البحر الأحمر نجت مؤخرًا فقط من كارثة مماثلة، الـ FSO Safer، وهي ناقلة نفط تعود إلى عصر السبعينيات تم تحويلها من قبل الحكومة اليمنية إلى منصة نفط بحرية، قبالة مدينة الحديدة  في وسط اليمن، ولم يتم صيانتها وتتآكل بسرعة. كانت تحتوي على أكثر من مليون برميل من النفط، تقريبًا نفس الكمية الموجودة في سونيون.
و في حوالي عام 2021، أصبح واضحًا أن السفينة معرضة لخطر الغرق أو الانفجار. و تقديرات المخاطر في ذلك الوقت أشارت إلى أن ذلك يمكن أن يؤثر على سبل عيش ما يصل إلى 1.6 مليون شخص، ويعطل 50% من مصايد الأسماك في اليمن، وأن تكلفة التنظيف وحدها ستزيد عن 20 مليار دولار.
و بعد سنوات من المفاوضات مع الحوثيين، نُظمت أخيرًا عملية مترتبة من قبل الأمم المتحدة لنقل النفط من على السفينة. و تم الانتهاء من العملية في أغسطس/ آب 2023، تقريبًا قبل سنة واحدة تمامًا من بدء أزمة سونيون. و هذه المرة، يمتلك المجتمع الدولي وقتًا أقل بكثير للتصرف.

• لماذا تتوافد الكوارث البيئية إلى البحر الأحمر؟
نأمل أن يكون ما زال هناك وقت لشركات القطاع الخاص والجيوش في المنطقة لتنظيم مهمة إنقاذ -وللحوثيين للسماح لها بالمضي قدمًا- قبل حدوث أسوأ سيناريو. ولكن حتى لو لم تسبب سونيون نفسها بالكارثة، إلا أنها مجرد تذكير واحد بالمخاطر المترتبة على الصراع الذي يقترب من عام واحد في غزة. حيث تعرضت اثنتان من ناقلات النفط لهجمات من الحوثيين، لكنها لم تُعطل في أوائل سبتمبر/ أيلول، حتى مع استمرار احتراق سونيون.
ثم هناك روبيمار، السفينة الأولى التي غرقت بواسطة هجوم حوثي، في مارس/ آذار. على الرغم من أنها كانت تحمل جزءًا فقط من النفط الموجود في سونيون، إلا أن روبيمار تركت أثرًا نفطيًا يمتد على مسافة 18 ميلاً في البحر الأحمر. و المخاوف الأكبر تتعلق بـ 22,000 طن متري من الأسمدة الذي لا تزال في حوض السفينة، والتي، إذا تم إطلاقها تحت الماء، يمكن أن تسبب تكاثراً هائلاً للطحالب قد تدمر الأنواع المحلية وتخلق بقعًا "ميتة" خالية من الأكسجين بشكل محتمل. و يعتقد الخبراء أن الشحنة ستبقى في حوض روبيمار لسنوات، ولكن ليس إلى الأبد، وقد أطلقت منظمة الأمم المتحدة للشحن البحري نداءً للحصول على تمويل لعملية التنظيف.
بالنسبة لـ جريصاتي من غرينبيس، تعد الأزمة تذكيرًا بأنه حتى في أفضل الأوقات، يعتمد الاقتصاد العالمي على "هذه السفن الكبيرة التي تسافر عبر العالم طوال الوقت تحمل مواد سامة جدًا. والتي تعتبر قنبلة موقوتة."
كما أنه أيضًا يجدر التذكير بأنه كلما استمر الصراع المتصاعد في الشرق الأوسط لفترة أطول، كلما زادت المخاطر وأصبح من غير الممكن التنبؤ بها.


التعليقات