اليمن: غلاء الأسعار وتأخر صرف المرتبات يعرقلان عودة الطلاب إلى المدارس في عدن
يمن فيوتشر - صالح المحوري الجمعة, 13 سبتمبر, 2024 - 10:26 مساءً
اليمن: غلاء الأسعار وتأخر صرف المرتبات يعرقلان عودة الطلاب إلى المدارس في عدن

منذ 3 اسابيع فتحت المدارس أبوابها في مدينة عدن، المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، لكن عديد الطلاب لم يتمكنوا من تسجيل عودتهم حتى الآن؛ بفعل غلاء أسعار المستلزمات الدراسية وتأخر صرف مرتبات العديد من موظفي الدولة.

ومنذ أعوام، مع انطلاق الموسم الدراسي، تتصاعد أسعار الملابس والمستلزمات الدراسية في الأشهر الأولى، نتيجة استمرار انهيار العملة المحلية.

ويواجه أولياء الأمور مشكلة أخرى إثر تأخر صرف مرتبات أغلب موظفي المرافق المدنية والعسكرية بفعل قرار "وزارة المالية" الذي تضمن نقل مرتبات موظفي السلطتين المحلية والمركزية إلى البنوك التجارية والإسلامية قبل حوالي عام.

 

• تحديات ومصاعب في طريق الآباء: 

 لم يتمكن (سالم أحمد)، وهو جندي في قوات الجيش ويعمل حاليًا لصالح أحد شركات الحراسة الأمنية، شرقي مدينة عدن، من إلحاق ولديه بالدراسة رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع منذ انطلاق العام الدراسي الجديد.

وفتحت مدارس التعليم الأساسي والثانوي أبوابها للطلاب في مدينة عدن، والمحافظات المجاورة، لها في الـ18 من أغسطس/آب الفائت، في ظل تراجع الإقبال، يرجح أولياء أمور ومتابعون استمراره وسط الأوضاع المادية الصعبة.

ورغم أن (سالم) تقاضى قبل أيام مرتبه الشهري من وحدته العسكرية الذي يقدر بـ75 ألف ريال يمني، وهو ما يعادل حوالي (30) دولار أمريكي فقط، اضطر إلى دفعه كاملًا لمالك البيت الذي يسكنه؛ حيث يقيم منذ أعوام في منزل شعبي للإيجار في منطقة الممدارة التابعة لمديرية الشيخ عثمان، شرقي العاصمة المؤقتة للبلاد.

وأشار سالم إلى مواجهته تحديًا صعبًا بشأن مرتبه الشهري من القطاع الخاص فهو يسعى إلى عدم تأخير أبنائه عن الدراسة، لكنه أدرك في الوقت نفسه أن مطبخ منزله أوشك أن يكون فارغًا من المواد الغذائية الرئيسية!

"كان الآباء في السابق يفرحون لتسجيل أبنائهم في المدارس أو في حالة تسجيل طالب جديد من العائلة، والآن أصبح قدوم العام الدراسي مشكلة إضافية تواجه أولياء الأمور مع تردي الظروف المعيشية وغلاء الأسعار"، يقول.

وقصة سالم واحدة من مئات القصص المماثلة في مدينة عدن، حيث يعاني آلاف متوسطي وقليلي الدخل من تأمين المواد الغذائية الرئيسية في ظل استمرار انهيار صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية وغلاء الأسعار، في الوقت الذي لم تنجح فيه الجهود الحكومية لضبط أسعار الصرف وغياب الدور الرقابي.

 

• إقبال ضعيف 

يستغل التجار قرب الموسم الدراسي كل عام والإقبال الكبير من قبل المواطنين لرفع أسعار الملابس والمستلزمات الدراسية، لكن دخول الموسم الدراسي خلال الأعوام القليلة الماضية لم يكن السبب الوحيد في رفع أسعار السلع والمستلزمات فيه، إذ أدى استمرار انخفاض سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية إلى ارتفاع متصاعد في أسعار أغلب السلع والمواد الرئيسية خصوصًا السلع ذات الطلب الزائد والمستمر من قبل المواطنين.

ويعزي التجار والباعة رفعهم أسعار السلع خصوصًا في مواسم الدراسة والأعياد، إلى ارتفاع تكاليف الإيجارات ورسوم الجبايات التي يدفعونها للسلطة المحلية في البلديات إلى جانب دفعهم مبالغ أكبر عند عمليات شحن البضائع واستلامها لاحقًا.

(أكرم عبده)، الذي يُدير متجرًا صغيرًا في السوق الرئيسِ بمديرية الشيخ عثمان، شمالي عدن، أفاد المنصة أن إقبال المواطنين لشراء مستلزمات الدراسة انخفض بشكل أكبر عما كان عليه خلال العام الماضي، مشيرًا إلى أن ضغط العمل على متجره من قبل المواطنين لم يتجاوز أسبوعًا واحدًا.

وأضاف أكرم، قبل حوالي 5 أو 4 أعوام، كان الإقبال على الشراء جيد من قِبل المواطنين قبل أن تبدأ أعدادهم بالانخفاض وصولًا إلى هذا العام الذي "يُعد الأقل من حيث الإقبال والحركة في السوق".

وأشار أكرم، إلى أن أغلب المواطنين اتجهوا إلى مراكز التخفيض الموسمية كـ"السعر المنافس" للحصول على أسعار مناسبة، مؤكدًا على أن الإقبال هناك كان جيدًا مقارنة بمتاجر مديريتي الشيخ عثمان وكريتر التي تراوحت فيها الزيادة على كل سلعة ما بين 2-3 ألف ريال عن أسعارها خلال العام الماضي.

وقال (محمد السيد)، إن زوجته احتفظت بملابس أبنائها الدراسية التي تعود للعام الماضي، كي يرتدوها خلال الموسم الدراسي الجديد؛ نتيجة الظروف المادية الصعبة وغلاء أسعار السلع والمستلزمات الدراسية.

وأضاف محمد، وهو أب لخمسة أولاد وثلاث بنات (5 منهم يدرسون)، أن أبناءه تقبلوا الأمر الذي لم يحدث من قبل، بيد أن لجوء الكثير من زملائهم لملابس ومقتنيات العام الماضي شجعهم على القبول.

ويكشف هذا أحد الجوانب الإيجابية في ظل الأوضاع المادية الصعبة. ففي حين كان صعبًا على الأطفال تقبّل دخول العام الدراسي الجديد بملابس قديمة، بدا الأمر مؤخرًا يأخذ شكلًا طبيعيًا نتيجة تقارب الظروف المادية للمئات من العائلات والأسر في مختلف المحافظات، لكنه في الوقت نفسه يكشف جانبًا سلبيًا وهو أن منطقة المتعسرين ماديًا توسعت خلال الأعوام الأربعة الماضية.

والفئة متوسطة الدخل في عدن، التي تتراوح مرتباتها في الغالب ما بين 100-150 ألف ريال يمني، وهي فئة متوسطة بمقاييس ما قبل الحرب، هي التي ما زالت تكافح وسط مشاكل تأخر المرتبات وغلاء الأسعار، فيما تفوقها معاناة الفئة الأدنى، التي تضم بشكل أكبر المتقاعدين المدنيين والعسكريين ممن تتفاوت مرتباتهم ما بين 30-50 ألف ريال فقط.

وعمليًا فإن مبلغ 100 ألف ريال بات يوازي 50 دولارًا أمريكيًا، وبالكاد يغطي مشتريات مدرسية تشمل ملابس ومستلزمات أخرى لطالبين أو طالبتين في مراكز التخفيض المفترضة وهو ما يمثل تحديًا أمام أولياء الأمور من الفئات التي أصبحت ضمن محدودي الدخل.

 

• آثار التأخير

في النصف الثاني من أغسطس/آب الماضي، بدأ العام الدراسي الجديد لطلاب المرحلتين الأساسية والثانوية في محافظة عدن والمحافظات المجاورة الواقعة ضمن نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًا المندرج تحت غطائها المجلس الانتقالي الجنوبي، بحضور نسبي محدود للطلاب في الأسابيع الأولى وفق أساتذة ومطّلعين.

وبحسب خبر منشور في صفحة وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا، بدأ نحو 2 مليون وخمسمائة ألف طالب وتلميذ عامهم الجديد في المدارس الحكومية والأهلية استنادًا للتقويم الوزاري 2024/2025.

لكن الإعلان الحكومي لا يعكس حقيقة أن المئات من الطلاب في مدينة عدن والمحافظات المجاورة لم يتمكنوا بالفعل من العودة إلى المدارس، إثر الحالة المادية الصعبة.

وغالبا ما يُسفر تأخير العودة إلى المدارس عن آثار سلبية تطال كلًّا من أولياء الأمور والطلاب، إذ يواجه الآباء من ذوي الدخل المتوسط أو المحدود صعوبة في توفير المستلزمات الدراسية، مما قد يضعهم في مواقف محرجة تنعكس نفسيًا على نحو مريع.

وعلى الجانب الآخر، يتأثر الطلاب بشكل مباشر، إذ عادة ما يحتاجون وقتًا أطول للتكيف مع سير العملية التعليمية، خاصة طلاب الصف الأول الذين قد يتطلبون فترة زمنية معينة للاندماج والتأقلم مع زملائهم ودروسهم.


التعليقات