يتهاوى نظام الحماية الاجتماعية في اليمن بطريقة يتعذر معها تقديم دعم حقيقي للسكان على نحو كاف. وضعت سنوات الصراع الطويلة ملايين اليمنيين تحت وطأة وضع شديد الضراوة، يعانون فيه الفقر والجوع وويلات النزوح، ويرجع تداعي الحماية الاجتماعية إلى عاملين رئيسيين: بُنية مُتشظية تفتقر إلى هيئة حكومية مركزية، واستمرار مشكلة عدم استقرار التمويل؛ ما يدفع اليمن دومًا نحو سلسلة متعاقبة من التداعيات السلبية الوخيمة.
أولاً، يؤدي هذا النظام المتشرذم إلى عوامل قصور في الكفاءة، والتوزيع غير المتكافئ للموارد، وعدم وضوح هياكل المساءلة. فَقد خلفت عقود من الصراع والصعوبات الاقتصادية شبكة معقدة من مواطن الضعف لدى سكان اليمن بحيث لا تفي شبكة الأمان الاجتماعي الحالية باحتياجاته. فَآليات الاستهداف التي عفا عليها الزمن وانعدام الكفاءة في تقييم الاحتياجات تؤدي إلى استبعاد المستفيدين الأكثر استحقاقاً، في حين تعجز أساليب الرصد والتقييم بما تعانيه من تردٍ وضعف عن تتبّع تأثير البرامج ذات الصلة، بل وتعرقل الجهود الرامية إلى تحسينها. فَالبرامج الحالية تعتني بسد الاحتياجات الفورية في المقام الأول، ولا تتضمن حلول أو تدخلات طويلة الأجل لتمكين الأفراد وبناء قدرتهم على الصمود.
ثانياً، يعاني النظام من أزمة مزمنة تتمثل بعدم استقرار التمويل. فَالاعتماد على الدعم الدولي المتذبذب وتحويل الموارد لخدمة برامج أخرى يهدد استدامة برامج الحماية الاجتماعية. فضلا عن ذلك، تبرز أوجه ضعف هيكلية مثل نقص عدد الموظفين، وقصور في إدارة البيانات، وقلة الخبرة داخل المؤسسات والتي تعتبر عوامل تزيد من عرقلة تنفيذ البرامج ذات الصلة. وتفتقر الشراكات مع وكالات الأمم المتحدة إلى الشفافية وتعجز عن إعطاء الأولوية لاحتياجات المستفيدين، ناهيك عن عدم ملاءمتها للواقع الجديد الذي فرضته الحرب.
رُغم كل هذا، لا يزال هناك بارقة أمل. فمن خلال تنفيذ سلسلة من الإصلاحات، يُمكن لليمن بناء نظام حماية اجتماعية مُوحد ومَرن ومستدام. وعلى ضوئه، تشمل التوصيات الأولية ما يلي: إنشاء لجنة استشارية فنية (TAP) لسد الفجوة التي خلفتها اللجنة الاستشارية للحماية الاجتماعية (SPCC) المنقسمة؛ وضع استراتيجية وطنية شاملة للحماية الاجتماعية؛ وتدعيم المؤسسات عبر إجراء تقييمات شفافة وتنفيذ برامج بناء القدرات. بالإضافة إلى ذلك، لا بد من ضمان التزام مالي قوي من الحكومة اليمنية، واستكشاف مصادر تمويل متنوعة، وتعزيز أنظمة التأمين الاجتماعي وشبكات التمويل الأصغر، باعتبارها خطوات حاسمة نحو إنشاء شبكة أمان اجتماعي أكثر فعالية. من خلال معالجة هذه التحديات، سيتمكّن اليمن من إنشاء نظام يدعم حقًا سكانه الأكثر ضعفًا واحتياجًا.
•مقدمة
تخضع نُظُم الحماية الاجتماعية لمجموعة من التعريفات والتفسيرات المتداخلة والمعقدة، وتشمل في جوهرها حزمة من السياسات والبرامج والمبادرات تهدف إلى معالجة مواطن الضعف التي يعانيها الفرد والأسرة، والتي غالبًا ما تنشأ عن الافتقار إلى ضروريات الحياة مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم. وفي حين ينظر معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية إلى الحماية الاجتماعية باعتبارها معنية بالاحتياجات الفردية، بينما تُركز لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) على ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية عبر دورات ومراحل الحياة المختلفة، يمتدّ تأثير نُظُم الحماية الاجتماعية إلى أبعد من ذلك بكثير. فالحماية الاجتماعية تقع في صميم التنمية الشاملة للجميع، وهي السبيل إلى تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، ومن خلالها يمكن أن يتمهد الطريق لعالم خال من الفقر والجوع وعدم المساواة.
على الرغم من أن بعض السياسات والبرامج المحددة قد تختلف باختلاف المكان وتتغير بمرور الوقت، دائمًا ما يعتني مفهوم الحماية الاجتماعية بمجموعة عامة من الأهداف؛ ويتمثل الهدف الأساسي في تمكين الفئات المستضعفة من خلال الحد من الفقر ومواطن الضعف وضمان الوصول إلى الاحتياجات الأساسية. لكن أهميتها تتجاوز مجرد دعم الأفراد والأسر في البقاء على قيد الحياة، حيث تعمل نُظُم الحماية الاجتماعية على تعزيز الإنتاجية والأمن الاقتصادي للأفراد والأسر، من خلال الاستثمار في رأس المال البشري على مستوى الرعاية الصحية وتنمية المهارات. وهذا بدوره يخلق قوة عاملة أكثر إنتاجية ويعزز قدرًا أكبر من المساواة في المجتمع. بل يُمكن للحماية الاجتماعية أن تكون بمثابة نظام شامل، ينسج السياسات والتشريعات والتدخلات لدعم حقوق الإنسان، وضمان تكافؤ الفرص في الوصول إلى تلك الحماية، وإنشاء شبكة أمان اجتماعي. وبهذه الطريقة، يمكن أن تكون الحماية الاجتماعية بمثابة قوة دافعة حيوية لمستقبل أكثر عدلا وإشراقا.
تدعو هذه الورقة إلى إعادة صياغة برامج الحماية الاجتماعية الحالية في اليمن، وتأسيس نظام قوي يحمي من كل ما هو غير إنساني وغير مقبول من صعوبات وانعدام الأمن. وتقترح نهجًا قائمًا على النُظُم يعتمد على التماسك بين البرامج، والتنسيق بين المؤسسات، والأنظمة الإدارية المشتركة، والتخصيص الفعال للموارد المالية لتلبية مختلف الاحتياجات والمخاطر المتنوعة التي تواجهها شرائح مختلفة من السكان، لضمان عدم إقصاء أي فئة مستحقة. وينبغي أن تسترشد الإصلاحات بتحليل شامل واستشرافي يتخذ نهجاً كلياً ويأخذ بعين الاعتبار التركيبة السكانية، والتوقعات الاقتصادية، وديناميكيات الفقر، واتجاهات سوق العمل، وانعدام المساواة بين الجنسين، وأوجه الضعف البيئية. ويجب أن تأخذ استراتيجية الإصلاح في الاعتبار التحديات الحالية والمستقبلية لتطوير تدخلات فعالة، وأن تركز على مهام متعددة، بما في ذلك الحماية والمهام الوقائية والترويجية، وأن يتم تنفيذها بشكل تدريجي من خلال نهج عملي على عدد من المراحل.
•خلفية عامة
السياق الاجتماعي والاقتصادي في اليمن
تسع سنوات من الصراع في اليمن أفرزت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية من صنع البشرعالميًا. كان الأثر الاقتصادي وخيمًا ومدمرا: فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بما يزيد عن 126 مليار دولار أمريكي بين عامي 2015 و2020، وتشير إحصاءات عام 2024 إلى أن أكثر من 18 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية وخدمات الحماية الاجتماعية. يعاني الناس من الآثار المركبة للعنف، والأزمات المالية المستمرة، وتعطل الخدمات العامة، وتقلص متوسط دخل المواطن اليمني بنسبة 70% تقريبًا منذ عام 2014، مما دفع المزيد من السكان نحو أهوال الفقر.
استناداً إلى تقديرات عام 2022، بلغ معدل الفقر في اليمن نسبة مذهلة بواقع 74%، ومن المتوقع أن تتراوح من %62 إلى 74% بحلول عام 2030، ما ينبئ بتفاقم الأزمة في حال استمر الصراع. كانت معدلات البطالة مرتفعة حتى قبل تصاعد الصراع، حيث بلغت 32% عام 2014.وتكافح الأسر لتوفير الطعام، حيث عاني ما يقرب من 60% من السكان من انعدام الأمن الغذائي بحلول مارس/آذار 2022.
ألقي انعدام الأمن الغذائي هذا بظلاله الوخيمة على الواقع الإنساني وأسفر عن عواقب صحية مدمرة طالت ملايين الأطفال والنساء الحوامل ممن يعانون من سوء التغذية الحاد. فضلا عن ذلك، أدى الصراع إلى نزوح 4.56 مليون شخص داخل اليمن، لتتفاقم الأزمة الإنسانية وتزداد تعقيدًا.
انهارت الخدمات العامة في اليمن تحت وطأة الحرب، وأصبحت الضروريات مثل الكهرباء والرعاية الصحية والتعليم حالياً من الكماليات اللايقينيّة بالنسبة لمعظم الناس، ولا يحصل 49% من السكان على ما يكفي من مياه الشرب. كما أن 50% فقط من المستشفيات في اليمن تقدم خدماتها الطبية، بعضها يعمل بشكل كامل والبعض الآخر يعمل جزئيًا، وهذا يجعل السكان عرضة وفريسة للمرض والجوع واليأس. ومما يزيد من وطأة هذه الصعوبات افتقار ما يقرب من 90% من السكان إلى إمدادات الكهرباء العمومية. أصبح مستقبل جيل كامل على المحك، حيث حُرم ما يقرب من 2.7 مليون طفل من حقهم في التعليم.[13] يتجلى هذا التآكل المأساوي للخدمات الحيوية في تراجع مؤشر التنمية البشرية في اليمن، حيث احتلت البلاد المرتبة 160 عام 2014 وتراجعت إلى المرتبة 183 عام 2023، ما يجسد انعكاسًا صارخًا للواقع في اليمن وأثر الصراع المدمر على السكان.
•الحماية الاجتماعية في اليمن
تظل خدمات الحماية الاجتماعية طوق نجاة لعدد لا يحصى من اليمنيين، وتزايدت أهميتها بصورة مطردة على مر السنين. دفعت النزاعات والحروب وما ترتب عليها من عواقب اقتصادية واجتماعية مدمرة شريحة واسعة من السكان إلى حالة من الضعف المتزايد، ويضاف إلى هذا التأثيرات العميقة لتغير المناخ وجائحة كوفيد-19، حيث أدت هذه الأزمات إلى تآكل سبل العيش والقدرة على الوصول إلى الموارد والأسواق والخدمات الأساسية، مما ترك العديد يكافحون من أجل البقاء. في هذا المشهد القاتم، تبرز خدمات الحماية الاجتماعية كشعلة أمل، حيث تقدم الدعم الحيوي لملايين الأشخاص وتعزز قدرتهم على الصمود.
كان نظام الحماية الاجتماعية الشامل والرسمي غائبًا إلى حد كبير بعد توحيد شطري اليمن عام 1990. وفي حين كان التأمين الاجتماعي يغطي موظفي الحكومة وبعض العاملين في القطاع الخاص، اعتمد العدد الأكبر من السكان على آليات الدعم غير المباشرة المُضمنة في ميزانية الدولة، وشملت هذه الآليات دعم السلع الأساسية ومشتقات الوقود والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. وعلى الرغم من المخصصات المالية الكبيرة التي رصدتها الحكومة لهذا الغرض، كان تأثير هذا الدعم محدودًا، فَفي كثير من الأحيان، كانت فرص استفادة الفقراء والأغنياء غير متكافئة – لحساب الفئة الأخيرة غالباً – بسبب أوجه القصور وانعدام الكفاءة المتجذرة. وفي بعض الفترات، كانت إعانات الوقود من بين المنافع الاجتماعية القليلة المتاحة على نطاق واسع في اليمن، لكن بشكل عام، تساهم هذه الإعانات على خفض تكلفة النقل والمياه والغذاء مع دعم الصناعة المحلية.
في مارس/ آذار 1995، شرعت الحكومة اليمنية – بدعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي – في برنامج إصلاح اقتصادي ومالي يمتد لخمس سنوات.[16] تضمنت التدابير المتخذة في إطار البرنامج تخفيضات جذرية في دعم السلع الأساسية، وتخفيضات جزئية في دعم الوقود والخدمات الأساسية، إلى جانب تعويم قيمة العملة الوطنية. ورُغم أن الهدف منها كان تحقيق الاستقرار في الأمد البعيد، كانت لهذه التدابير عواقب وخيمة وفورية، حيث واجه العديد من اليمنيين، وخاصة الفئات ذات الدخل المنخفض وموظفي الحكومة، صعوبات اقتصادية كبيرة وارتفعت معدلات الفقر، لتصل إلى 41.8٪ بحلول عام 1998، حيث عانى كثير من الأفراد من الهشاشة الاقتصادية.
مع تنامي قلقها من ارتفاع معدلات الفقر، أنشأت الحكومة أول شبكة أمان اجتماعي رسمية في عام 2000، حيث هدفت تلك المبادرة إلى معالجة الآثار السلبية للإصلاحات الاقتصادية وحماية السكان الأكثر ضعفاً. قدمت شبكة الأمان الاجتماعي المتعددة الأوجه إغاثة مالية فورية من خلال إعانات نقدية مباشرة، مع تحسين حياة الأفراد المستهدفين وخلق الفرص من خلال الاستثمار في البنية الأساسية المادية والاجتماعية في المناطق الفقيرة والمحرومة. جاءت جهود خلق فرص العمل في الصدارة من خلال تنفيذ المشاريع والبرامج، وخاصة تعزيز المبادرات الصغيرة التي تولد الدخل. بصورة ملحوظة، تم التعامل مع التمكين الاقتصادي من خلال تطوير آليات التمويل الأصغر، ودعم القطاعين الزراعي والسمكي، وضمان الوصول العادل إلى الموارد والأسواق وتوفير التمويل للأفراد والفئات المحرومة. كان الهدف من هذا النهج الشامل هو كسر حلقة الفقر وبناء القدرة على الصمود داخل المجتمعات الضعيفة.
تطور نهج اليمن في التعامل مع الفقر عام 2006، حيث تم دمج الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة (2006-2010)، مع تحويل التركيز من العجز في الموارد إلى فهم شامل لأسباب الفقر وخصائصه وتأثيره. وشمل هذا المنظور الجديد التعليم والصحة والإسكان والمشاركة – أي جميع جوانب التنمية البشرية. وعلى نحو مماثل، كان الهدف من البرنامج الانتقالي للاستقرار والتنمية (TPSD) 2012-2014[19] هو توسيع شبكات الأمان الاجتماعي في جميع أنحاء اليمن. ورغم أن فعالية البرنامج الانتقالي لم يتم تقييمها، فإن أهدافه كانت واضحة: الحد من الفقر والبطالة، وقد خطط لتحقيق ذلك من خلال تعزيز البرامج الاجتماعية، وزيادة عدد الأشخاص المستفيدين منها، ومعالجة قضايا مثل التعليم والصحة، ودعم برامج الشباب وتمكين المرأة.
قبل اندلاع الصراع عام 2015، نفذت اليمن برامج مختلفة للحماية الاجتماعية أشرفت عليها مؤسسات وطنية، حيث تناولت هذه البرامج احتياجات متنوعة، ودعمت مختلف الفئات الضعيفة على مستوى البلاد وغطت الحماية الاجتماعية القائمة على الاشتراكات وغير القائمة على الاشتراكات. وفي حين غطى التأمين التكافلي موظفي القطاع العام عبر المعاشات التقاعدية، غطت البرامج غير القائمة على الاشتراكات مبادرات أخرى، أي التحويلات الاجتماعية، والتنمية الاجتماعية، وبرامج الحماية المستهدفة، والمنح، والإنتاج المحلي. وكان العنصر الأخير للحماية هو الحماية الإنسانية.
تواصل برامج التأمين الاجتماعي التكافلي في اليمن تقديم الدعم الضروري لفئة من المواطنين، وتغطي القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية وتوفر معاشات تقاعدية وتعويضات في الحالات الطارئة. يوجد في اليمن حاليا أربعة أنظمة منفصلة للمعاشات التقاعدية: نظام لموظفي الخدمة المدنية وموظفي القطاع العام؛ نظام للأفراد العسكريين؛ نظام لأفراد الأمن والشرطة؛ ونظام آخر للعاملين في القطاع الخاص الرسمي.
مع ذلك، لا تلبي هذه الخدمات الاحتياجات العامة؛ وبالرغم من الاشتراكات الإلزامية لأصحاب العمل والعاملين، لم يستفد سوى 2.8 في المائة من السكان في عام 2020، على عكس المتوسط الإقليمي البالغ 30.6 في المائة والمتوسط العالمي البالغ 46.9 في المائة. كما أن تأخُّر إقرار التأمين التكافلي في القطاع الخاص فاقم من مشكلة التغطية المحدودة لمثل هذه التأمنيات؛ حيث بلغ عدد العاملين المؤمن عليهم في القطاع الخاص حوالي 90 ألف عامل فقط بحلول 2016، وهو ما يمثل 3.7 في المائة فقط من القوى العاملة.
بالنسبة للبرامج غير القائمة على الاشتراكات في اليمن، فهي عبارة عن شبكة أمان متعددة الجوانب تمتد إلى ما هو أبعد من التأمين التكافلي، حيث تقدم برامج متنوعة للفئات الضعيفة من السكان. وتشمل البرامج المُستهدِفة في هذا الإطار: صندوق الرعاية الاجتماعية، الذي يقدم الدعم النقدي والعيني المباشر للأيتام والنساء والأفراد ذوي الإعاقة والفقراء.
اعتمد صندوق الرعاية الاجتماعية (الذي أُسس في عام 1996) على النظام البريدي لتقديم المساعدة النقدية إلى 1.5 مليون مستفيد، وفي عام 2014، تم تقديم التحويلات النقدية (تحت إشراف صندوق الرعاية الاجتماعية) إلى 29.1 في المائة من السكان، بزيادة عن نسبة 12.4 في المائة المسجلة عام 2005.[22] وقد أدى اندلاع الصراع في عام 2015 إلى تعطيل هذه الخدمات، وتهديد رفاه الفئات الضعيفة من السكان.
تدخلت اليونيسف لسد الفجوة ابتداءا من عام 2017، بتمويل من برنامج التحويلات النقدية الطارئة (التابع للبنك الدولي). وعبر الاستفادة من الإطار القائم لصندوق الرعاية الاجتماعية، تم تعديل البرنامج لاستيعاب التغيرات في الأوضاع، وتنويع قنوات تسليم المساعدات (التحويلات) النقدية لتشمل البنوك ومؤسسات التمويل الأصغر. وعلى الرغم من العدد الكبير من المستفيدين من المساعدات (التحويلات) النقدية عبر صندوق الرعاية الاجتماعية، كان التأثير محدودا بسبب ضآلة المبالغ التي يقوم الصندوق بتوزيعها، واستهداف فئات غير صحيحة (سواء في دائرة الشرائح المشمولة بالمساعدات أو الشرائح غير المشمولة)، وضعف آلية توزيع أو تسليم المساعدات وآليات معالجة شكاوى المتضررين، إلى جانب ضعف أنظمة الرقابة.
تشمل برامج الحماية المستهدفة في اليمن صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، الذي يدافع عن احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة باستخدام الموارد المتاحة وتعزيز التعاون في هذا الصدد، والدعوة لتيسير التعليم والتدريب وإعادة التأهيل والتمكين الاقتصادي لهذه الفئة. ويقدم صندوق رعاية أسر الشهداء دعماً مماثلاً لأسر الجنود الذين قتلوا أثناء تأديتهم واجبهم الوطني. هذا وقد تم تعليق معظم مدفوعات المعاشات التقاعدية حالياً بسبب استنفاد التمويل، بما في ذلك السندات الحكومية واشتراكات الموظفين/ العاملين.
يتم توفير خدمات الحماية الاجتماعية الأخرى من خلال المبادرات المحلية التي أنشأتها الهيئة العامة للزكاة. تلعب الزكاة – وهي نوع من المساهمات الخيرية تُعد إلزامية في الدين الإسلامي – دوراً هاماً في شبكة الأمان الاجتماعي في اليمن. عملياً، هناك قناتان رئيسيتان لتوزيع الزكاة: الأولى عبر الهيئة العامة للزكاة، وهي هيئة حكومية تقوم بجمع مدفوعات الزكاة وتوزعها على المحتاجين، والثانية عبر الشركات التجارية التي توزع الزكاة مباشرة على المحتاجين، وقد تختار بعض من هذه الشركات القيام بذلك من خلال مبادرات مختلفة توفر دعم حيوي لكنها تصل إلى عدد محدود للغاية من الناس وغالبًا ما تركز على مجتمعات ضعيفة محددة وتقدم مساعدات مباشرة، مثل سلال الطعام واللوازم المدرسية. لكن المهم هو أن بعض المبادرات تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد تلبية الاحتياجات الفورية ، حيث قد تطلق مشاريع لتوليد الدخل بهدف تمكين المستفيدين على المدى الطويل. في الوقت الحالي، تفتقر تمويلات الزكاة إلى قواعد تشريعية واضحة أو آليات شفافة لتوزيعها، وبالتالي فإن البرامج الممولة عبر الزكاة لها تأثير محدود.
بالإضافة إلى شبكات الأمان الاجتماعي المذكورة أعلاه، هناك برامج مختلفة للتنمية المجتمعية تساهم في توفير الحماية الاجتماعية. تسعى برامج التنمية المجتمعية إلى تمكين المجتمعات وتعزيز رفاهيتها على المدى الطويل. فمثلاً، يعالج الصندوق الاجتماعي للتنمية الفقر بشكل مباشر من خلال المبادرات الإنمائية المحلية، وتسليح الناس بالمهارات، وخلق فرص العمل، وتوفير فرص العمل المؤقتة. من جهة أخرى، يعمل مشروع الأشغال العامة على سد الفجوات في توفير الخدمات الأساسية، مثل الوصول إلى المياه والصرف الصحي، إلى جانب تعزيز الرفاة الاقتصادي والبيئي في المناطق الفقيرة والمحرومة. توفر هذه البرامج الحيوية إغاثة فورية وتستثمر في بناء مجتمعات قادرة على الصمود ومهيأة للنمو والازدهار على المدى البعيد.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل برامج دعم الإنتاج المحلي و برامج التمويل الأصغر على توفير طوق نجاة للمزارعين والصيادين والنساء والشباب من خلال صندوق دعم وتشجيع الإنتاج الزراعي والسمكي والبرنامج الوطني للأسر المنتجة وتنمية المجتمع. توفر هذه البرامج الدعم المالي والعيني، وتتيح لتلك الفئات الضعيفة الأدوات اللازمة لمساعدتها على النمو والازدهار. أنشأت وزارة الصناعة والتجارة صندوق تنمية المنشآت الصغيرة في عام 2002 لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما ظهرت مؤسسات وبرامج التمويل الأصغر كشريان حياة مهم للعديد من اليمنيين، حيث أن تسهيل الوصول إلى القروض الصغيرة والخدمات المالية يمكّن الأفراد والمجتمعات ويخدم الهدف المتثمل في بناء القدرة على الصمود ومكافحة الفقر وخلق مستقبل أكثر إشراقًا.
تدعم وحدة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر التابعة للصندوق الاجتماعي للتنمية 13 مؤسسة للتمويل الأصغر تدير محفظة جماعية تتجاوز 44 مليار ريال يمني.[30] وقد ارتفع عدد المقترضين النشطين من حوالي 66400 في عام 2010 إلى حوالي 121000 في عام 2014، إلاّ أن اندلاع الصراع عام 2015 أدى إلى تقليص قاعدة العملاء إلى 80800 مقترض نشط بحلول يونيو/ حزيران 2023.
إلى جانب برامج الحماية الاجتماعية الرسمية هذه، تلقت اليمن دعمًا خارجيًا كبيرًا لسكانها المتجرعين المعاناة. أدت الحرب الجارية إلى تفاقم الحاجة إلى المساعدات، وبالتالي شهدت البرامج الإنسانية طفرة وتم إدماج بعضها في أنظمة الحماية الاجتماعية القائمة. كما تنامى دور وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات المحلية، حيث وفرت شريان حياة لـ 80 في المائة من السكان من خلال المساعدات النقدية وتوفير وظائف مؤقتة وتحسين الخدمات في إطار مبادرات محددة، بما في ذلك مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة جائحة فيروس كورونا التابع للبنك الدولي ومشروع تعزيز المرونة المؤسسية والاقتصادية في اليمن المنفذ من قبل الأمم المتحدة والممول من الاتحاد الأوروبي، والمشاريع المندرجة تحت البرنامج المشترك لدعم سبل العيش المرنة والأمن الغذائي والتكيف المناخي في اليمن، وتوفير الخدمات والمساعدات الغذائية من خلال مبادرات بنك الطعام اليمني وبنك الدواء اليمني بقيادة القطاع الخاص.
الفجوات والتحديات في توفير الحماية الاجتماعية
لا تزال أنظمة الحماية الاجتماعية في اليمن هشة وعرضة للصدمات، وعلى الرغم من الجهود الدؤوبة ونجاحات البرامج المنفذة ذات الصلة، لا تزال هناك فجوات في توفير الحماية الاجتماعية. تفتقر البرامج المشتتة، التي يتم ربطها ببعضها البعض بصورة عشوائية، إلى رؤية موحدة وتترك فجوات كبيرة في تغطية الفئات الأكثر ضعفًا. يقوض هذا النهج المجزأ بشكل كبير فعالية نظام الحماية الاجتماعية، حيث يوفر شبكات أمان محدودة في ظل تنامي الصعوبات والمعاناة. وفيما يلي بعض الفجوات والتحديات التي تم تحديدها:
نظام مشرذم
يشمل نظام الحماية الاجتماعية جهات فاعلة متنوعة من الوزارات الحكومية، بقيادة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إلى جانب الصناديق المتخصصة والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، وحتى القطاع الخاص. وعلى الرغم من هذا التعاون، لا توجد هيئة حكومية مركزية تُعنى بذلك، مما يعيق فعالية النظام. ويؤدي هذا الافتقار إلى إطار موحد إلى تخصيص غير فعال للموارد، وتنفيذ غير مترابط للبرنامج، ومساءلة غير شفافة أو واضحة؛ وبالتالي، يقوض هذا التشرذم بشكل كبير إمكانات النظام في تخفيف معاناة السكان والنهوض بالتنمية. أسفرت الجهود المبذولة لإنشاء إطار موحد عام 2017 عن إنشاء اللجنة الاستشارية للحماية الاجتماعية، والتي نجحت في الجمع بين مختلف الكيانات العامة المعنية بالحماية الاجتماعية وكيانات القطاع الخاص، لكن سرعان ما تفككت اللجنة نتيجة الصراع المستمر. يُعد إنشاء الإطار الموحد أمرًا بالغ الأهمية لتحسين الكفاءة وتعزيز المساواة والمساءلة، حيث من شأنه أن يُفضي بنهاية المطاف إلى نتائج أفضل للفئات الضعيفة من اليمنيين.
•تعمّق مواطن الضعف
أدت البنية التحتية الاقتصادية الضعيفة والفقر المزمن والبطالة المنتشرة على مدار عقود إلى شبكة معقدة من مواطن الضعف داخل اليمن. تؤثر التهديدات المتنوعة على الأفراد في جميع مراحل حياتهم، من سوء التغذية لدى الأطفال وانعدام الأمن الغذائي إلى محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم. وقد تفاقم هذا الوضع الهش بشكل كبير بسبب الصراع الجاري، حيث تشير التقديرات إلى أن ثلاثة أرباع السكان يعيشون الآن في حالة من الفقر، ويواجه الملايين مشاق إضافية مثل النزوح وسوء التغذية والإعاقة وتسريح للعمالة في القطاع الخاص. يتطلب معالجة هذه الاحتياجات الملحة رصد موارد كبيرة ونظام حماية اجتماعية قوي لمساعدة اليمنيين على تجاوز هذه الأزمة وبناء مستقبل أكثر إشراقا.
لقرأة المقال من موقعه الاصلي:
https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/23299