تقرير: تعديل قانون الأحوال الشخصيّة في العراق: مخاوف من تشريع بيع الطفلات مقابل المهور
يمن فيوتشر - درج- رند الرحيم الإثنين, 02 سبتمبر, 2024 - 11:46 صباحاً
تقرير: تعديل قانون الأحوال الشخصيّة في العراق: مخاوف من تشريع بيع الطفلات مقابل المهور

منذ أواخر تموز/ يوليو، انخرط الجمهور العراقي في معركة حول “تعديل” مقترح لقانون الأحوال الشخصية العراقي القديم. و إذا تم إقرار التعديلات، فإنه سيضرّ بالمرأة والأطفال والأسر، ويضعف التماسك الاجتماعي، ويقوّض سلطة الدولة.

 

تاريخ قانون الأحوال الشخصية العراقي

في عام 1959، تبنى العراق قانون الأحوال الشخصية رقم 188. وقد قدّم القانون الجديد شرعة واحدة تحكم شؤون الأسرة المسلمة (سمح لغير المسلمين باتباع قوانينهم).

صاغ القانون رقم 188 فقهاء وخبراء دستوريون، وراجعه علماء الدين. ولأن الإسلام لا يحتوي على قانون واحد للشريعة الإسلامية، اختار واضعو القانون ما هو الأكثر ملاءمة للمجتمع العراقي المعاصر، والذي من شأنه أن يضمن للنساء والأطفال حقوقاً وحماية أكبر داخل الأسرة، مستفيدين من مدارس الشريعة لدى الطوائف السنية الأربعة والشيعة الإثني عشرية. 

ألغى هذا القانون التعسف في تحديد وضع الأسرة، ووحّد البلاد تحت قانون واحد يحكمها، وطبّق القواعد نفسها بالتساوي على جميع الأسر المسلمة.

ولضمان وحدة الاختصاص القضائي في شؤون الأسرة، كان لا بد من عقد جميع الزيجات أمام قاض داخل نظام المحاكم المدنية، ونصّ على تجريم الزواج خارج المحاكم. وتم تحديد سن الزواج بـ18 عاماً؛ وفرض شروط صارمة على تعدد الزوجات، وإن لم يحضره، كما تضمن مواد تتناول حضانة الأطفال والميراث والنفقة لضمان حقوق الأطفال والنساء. وقد قُدمت تعديلات كثيرة على القانون على مر السنين لمزيد من الحماية والمساواة في شؤون الأسرة.

في صيف عام 2004، وبعد فترة وجيزة من سقوط نظام البعث وقبل التصديق على الدستور الدائم في عام 2005، دعا رجال دين شيعة إلى إلغاء القانون رقم 188 والعودة إلى قوانين الشريعة الإسلامية.

آنذاك، خاضت نساء عراقيات حملة ضد هذه الخطوة الرجعية التي لا تضرّ بهن فحسب، بل أيضاً بالمجتمع ككل. ولم تنجح الضغوط المكثفة التي مارستها النساء العراقيات والرجال الداعمون، بما في ذلك المحامون والقضاة والأكاديميون والكتاب وغيرهم من قادة الرأي، إلا جزئياً. ففي دستور عام 2005، تمكن رجال الدين المتشددون من إدراج لغم في القانون.

تنص المادة 41 من الدستور الجديد على أن “العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون”. 

وفي السنوات اللاحقة، تم الاستناد إلى المادة 41 مراراً وتكراراً لإلغاء القانون 188 واستبداله بقوانين الشريعة المتنوعة للطوائف السنية الأربع والشيعية الاثني عشرية. وفي مناسبات عدة، أثيرت القضية في البرلمان. وفي كل مرة، حشدت الجماعات النسائية والمؤيدون الرجال لهن والناشطون حملة مضادة. وفي كل مرة أيضاً، أسقط البرلمان الاقتراح باعتباره مثيراً للانقسام، ومن غير المرجح أن يفوز بغالبية برلمانية.

 

محاولات إلغاء القانون 188

ومع ذلك، يهيمن على البرلمان الحالي، الذي انتُخب في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، نواب شيعة متشددون يمثلون أحزاباً شيعية وجماعات ميليشياوية. وفي تموز/ يوليو، زعم نواب شيعة محافظون أن القانون 188 يتعارض مع معتقداتهم الدينية والحرية التي يمنحها الدستور، مستشهدين مرة أخرى بالمادة 41. وقد قدموا ما أسموه “تعديلاً” من شأنه، إذا تم تمريره، أن يفرغ القانون 188 من محتواه ويحل محله أحكام الشريعة المتعددة غير المدونة.

بهذا التعديل، سيتم إلغاء دور المحاكم كجهة تنظيمية ومراقبة لرعاية الأسرة. وبموجب جميع فروع الشريعة الإسلامية، بإمكان رجال الدين أن يعقدوا الزيجات من دون تسجيلها في المحاكم. وبالتالي، بدلاً من الاتساق والقدرة على التنبؤ والعالمية التي يتمتع بها القانون 188، يمكن لرجال الدين أن يتولوا زمام رعاية الأسرة. وسيخضع الزوجان، وبخاصة النساء، لتقلبات التفسير من جانب رجال الدين الأفراد. ونتيجة لهذا، فإن الحماية والحقوق الممنوحة حالياً للنساء ستكون هشة ومتآكلة بشدة.

على سبيل المثال، يحظر القانون 188 تعدد الزوجات إلا في ظل ظروف محددة وصريحة، بما في ذلك موافقة الزوجة الأولى والقاضي. وبموجب قوانين الشريعة الإسلامية، لا يُشترط موافقة الزوجة الأولى. والواقع، أن الرجل لا يحتاج إلى الإفصاح عن الزيجات المتسلسلة، وبالتالي خلق الفوضى في شبكات القرابة وتوزيع الميراث.

تسمح الطائفة الشيعية أيضاً بما يسمى “زواج المتعة”، وهو شكل من أشكال الزواج المؤقت الذي يمكن نظرياً أن يتراوح من ساعة إلى سنوات عدة، ما يجعله شكلاً قانونياً من أشكال الدعارة المقنعة. ويعقد هذه الزيجات رجال الدين ولا يتم تسجيلها قانونياً. وفي إطار زواج المتعة، تتلقى المرأة مهراً ولكنها تتمتع بحقوق أقل كثيراً من تلك التي تتمتع بها في الزواج الرسمي. 

لا يعترف القانون 188 بزواج المتعة، ومع ذلك فقد انتشر منذ عام 2003، إذ استغل الرجال النساء الأفقر بسبب الحروب والصراعات الداخلية والنزوح والحاجة الى المال.

وأخيراً، بموجب القانون 188، يجب تقديم طلبات الانفصال والطلاق إلى المحكمة وفقاً لشروط وإجراءات محددة. فيما الطلاق في ظل الشريعة الإسلامية ليست له قواعد ثابتة وموحدة. كما أن حقوق المرأة المطلقة أقل إنصافاً مما هي عليه في ظل القانون الوطني، وعموماً هي تختلف بين الطوائف.

كما سيفقد الأطفال الحماية إذا تم تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، علماً أن حضانة الأطفال شكلت نقطة خلاف لسنوات عدة. 

من جهة أخرى، يمنح القانون 188 للأمهات حضانة الأطفال حتى سن العاشرة، مع إمكانية تمديدها إلى 15 عاماً، حتى لو تزوجت الأم مرة أخرى. بينما في بعض الطوائف، يمنح قانون الشريعة الإسلامية الحضانة للأب عندما يكون الطفل في سن الثانية، ودائماً وعلى الفور إذا تزوجت الأم مرة أخرى.

وأكثر الانتهاكات شهرةً هو تغيير سن الزواج. فالقانون الحالي يحدّد 18 عاماً كحد أدنى لسن الزواج (15 عاماً في حالات استثنائية)، في حين تحدّد الشريعة في الطوائف السنية والشيعية أهلية الزواج عند البلوغ. وقد صرح كبار رجال الدين بأن سن البلوغ للفتيات يبدأ في سن التاسعة. وقد تسبب ذلك في احتجاج واسع على مستوى الوطن، وسط مخاوف من بيع الفتيات الصغيرات مقابل مهور كبيرة من الأسر في المجتمعات الأكثر فقراً، لتسوية النزاعات الأسرية، أو لكسب ود زعماء المجتمع.

تعدّد قوانين الشريعة، في ظل تفسيرات مختلفة وغير مدوّنة وفاضحة أحياناً من رجال الدين داخل الطوائف وعبرها، يعني أن النساء والأطفال سيخضعون لأحكام غير متساوية وتعسفية عبر الطيف الطائفي، كما أن هناك احتمالاً لتعرضهم للإساءة وكفّ يد القانون عن توفير الحماية.

 

تعديل يضرّ بالمجتمع العراقي بكامله

من جهتها، حشدت جماعات حقوق المرأة والناشطون من الرجال والنساء والأكاديميون والباحثون القانونيون، قواهم ضد محاولة إفراغ القانون 188 والعودة إلى قوانين الشريعة الإسلامية. كما نظّموا تظاهرات وأصدروا بيانات وعرائض عدة. كما أظهر استطلاع إلكتروني غير رسمي شمل ما يقرب من 62 ألف عراقي، أن 73.2 في المئة من المستجيبين يعارضون بشدة التعديل.

التعديل المقترح لا يضر بالنساء والأطفال فحسب، بل بالمجتمع ككل، وهو يشكل مؤشراً إلى التراجع المتعمد إلى مرحلة ما قبل الدولة. لا سيما أن التعديل لا يحظى بإجماع وطني، ولم يُطرح لتتم مناقشته على صعيد وطني جامع. 

ثم إن العودة إلى قانون الشريعة الإسلامية من شأنها أن تعرّض الدستور الذي يكرس المساواة بين المواطنين للخطر، وتقوّض سيادة الدولة والقضاء لناحية الحفاظ على قوانين الأمة. كما أنها ستعمل على ترسيخ الطائفية وتفتيت المجتمع العراقي فيما تشتد الحاجة إلى التماسك والتكامل الاجتماعي.

وعلى مستوى أعمق، فإن هذا كله يشكل مؤشراً إلى جهد متواصل، بدوافع سياسية، يبذله المتطرفون الشيعة لتعزيز الهوية الطائفية على حساب الهوية الوطنية، وفرض إرادة الجماعات الشيعية المتشددة وأيديولوجيتها على المجتمع العراقي بكامله.

 


التعليقات