وظفت غرفة الأخبار غير الربحية "ذا نيو هيومانيترين/The New Humanitarian"، صحفية لاجئة لإعداد مشروع تغطية صحفية عميق حول تأثير الحرب المستمرة في اليمن.
لقد تسببت الحرب في اليمن المستمرة منذ تسع سنوات، والتي غالبًا ما توصف بأنّها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، في حدوث انهيار اقتصادي، وجعلت أكثر من نصف السكان - ويبلغ عددهم 18 مليون شخص ومن بينهم نحو 10 ملايين طفل - بحاجة إلى الدعم المُنقذ للحياة، وفقًا لأرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، ولكنّ الحربان في أوكرانيا وغزة حولتا انتباه الجمهور بعيدًا عن اليمن.
وكانت استجابة "ذا نيو هيومانيترين" لتذكير جمهورها بهذه القصة من خلال مشروع الاستماع إلى اليمنيين، التوعوي التشاركي الذي شارك فيه أكثر من 100 يمني/ة - سواء داخل البلاد أو في الشتات الأوسع - كيف تأثرت حياتهم بالحرب.
وقدمت محررة شؤون الشرق الأوسط، آني سليمرود، فكرة المشروع وأدارته، وتعاونت مع الصحفية المستقلة نهى الجنيد، وهي لاجئة يمنية تعيش في هولندا؛ لتنسيق المشروع.
ومن جانبهما، تحدثتا في حلقة بودكاست من Journalism.co.uk عن أهمية منح اليمنيين فرصة لسرد قصصهم في وقت تغيب فيه أصواتهم في وسائل الإعلام الرئيسية، وعن لوجستيات العمل على هكذا مشروع.
وتقول سليمرود: "لقد جعلني المشروع أدرك مدى ما نفتقده كمستهلكين لوسائل الإعلام".
*التفكير في الجمهور*
نُشرت القصص باللغتين الإنجليزية والعربية وصُمم الموقع الإلكتروني خصيصًا ليعمل على الأجهزة المحمولة ذات النطاق الترددي المنخفض والإنترنت البطيء، تلبية للاحتياجات الخاصة لشريحة كبيرة من الجمهور الناطق باللغة العربية. وتفكر سليمرود في الجمهور الناطق باللغة الإنجليزية على أنّه مثل "والدتها": "شخص مهتم بالعالم ولكن ربما لا يمتلك الكثير من الوقت أو الطاقة لتكريسها للاطلاع على تفاصيل صراع مُعقد مثل اليمن، والذي بصراحة نظرًا لعدم ظهوره في الأخبار كثيرًا، ستحتاج بذل جهد كبير لمعرفة معلومات عنه، ولكن ذلك الشخص يهتم بالقصص الشخصية".
ومهد هذا الطريق لشراكة مع شبكة الجزيرة لإعادة صياغة سبع من القصص في هيئة نسخ مصوّرة وتفاعلية، ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي مثل انستجرام.
وكان أحد الجماهير الرئيسية الأخرى هم العاملون في عالم الإغاثة - بداية من عمال الإغاثة ووصولًا إلى المنظمين للاستجابات واسعة النطاق - الذين يُمكنهم توجيه عملهم من خلال نقاط الألم الحقيقية لليمنيين على أرض الواقع.
وتشرح سليمرود: "هناك وسوم قصيرة لكل قصة على الموقع الإلكتروني، لذا؛ إذا كنت تريد رؤية قصص تحتوي على فيديوهات أو صوتيات فقط، أو إذا كنت تريد القراءة عن النزوح، يُمكنك تحديد ذلك، فنحن نحاول أن نجعل الأمر سهلاً قدر الإمكان بالنسبة للأشخاص ليهتموا ويقرأوا".
*دروس في الصحافة التشاركية*
هذا ليس أول مشروع للصحافة التشاركية من "ذا نيو هيومانيترين"، فقد شاركت سليمرود أيضًا في مشروع مماثل يُسمى "واتسآب لبنان؟"، والذي وضع تسلسلًا زمنيًا للأحداث في لبنان ما بين عامي 2019 و2022، وهي فترة الانهيار الاقتصادي في البلاد. وسلط الفريق الضوء على تجارب خمسة شباب وما مروا به في هذه السنوات الثلاث، وهي مسرودة عبر رسائلهم الشخصية على واتسآب.
لقد تضمن المشروع عددًا أقل بكثير من المصادر التي تقدم سرديات عميقة ولكن كان هناك درس واحد مستخلص من المشروع اللبناني ونُقل إلى المشروع اليمني وهو: يحتاج الناس طرقًا مختلفة لمشاركة رسائلهم.
وتقول سليمرود: "لقد فكرنا: (سأنشر دعوة على منصات التواصل الاجتماعي وأرى إذا ما كان الناس يرغبون في مشاركة رسائلهم على واتسآب)، ولكنني تعلمت سريعًا أنّ هذا الأمر لا ينجح، إذ لا يريد كل الأشخاص الاطلاع على رسائلهم على واتسآب لأكثر الأوقات الصادمة في حياتهم".
ولذلك المشروع، طلبت مساعدة منسقة المشاريع اللبنانية، زينب شمعون، وفي هذه المرة، ضمت الجنيد إلى العمل، بعدما التقت بها في مؤتمر إعلامي. وترى سليمرود أنّه لا ينبغي على غرف الأخبار التقليل من أهمية العمل مع الأشخاص الذين يفهمون عن كثب السياقات الداخلية للبلاد.
ومن جانبها، وضعت الجنيد روابط على واتسآب وفيسبوك لتقديم المساهمات، لأنّ هاتين المنصتين شائعتان ومستخدمتان على نطاق واسع في البلاد، وتوفران المرونة لإرسال النصوص، أو الرسائل الصوتية، أو مقاطع الفيديو، أو القصائد، أو الصور.
كما أدركت الحاجة إلى التواصل الاستباقي للحصول على أصوات النساء، وتقول الجنيد إنّ جزيرة سقطرى أو مدينة صعدة، على سبيل المثال، هما منطقتان محافظتان. وتشرح: "لقد كان تحديًا كبيرًا، ولكننّي اجتهدت للحصول على صوت واحد، ولحسن الحظ كانت امرأة ذات قصة رائعة، وهي قصة نجاح أسعدتني حقًا". وأوضحت: "أنا يمنية، ولا أقول هنا إنّ النساء لن يثقن بشخص أجنبي، ولكنّ بالطبع سيكن أكثر انفتاحًا للحديث مع شخص يتحدث لغتهن، ويفهم خلفيتهن، ويكون واحدًا منهن أيضًا".
*التسجيل للمصادر بشكل رسمي*
إنّ نصيحتها الأهم هي عدم الاكتفاء بأن يتحدث إليك مصدر واحد فقط. اسأله إذا كان لديه أصدقاء أو عائلة أو جيران يمكنهم أيضًا التحدث بشكل رسمي، وكانت هذه الطريقة فعالة وأدت إلى مشاركة نساء أقارب أخريات قصصهن.
ومن الأمور التي يرغب الفريق في تحسينها في المرة المقبلة هي الحصول على المزيد من الأصوات من العاملين الأجانب في البلاد، ولكن تردد الكثير منهم في التحدث كي لا يعرضوا وضعهم الوظيفي للخطر.
ونجح الفريق إلى حد كبير في إشراك الشتات اليمني، بفضل كون سليمرود من ولاية ميشيغان في الولايات المتحدة، وهي موطن أكبر جاليات الشتات اليمني في العالم.
وتختتم الجنيد بالقول: "يتوق اليمنيون إلى أن يُسمع صوتهم".