تكبُر وتتضخم مِحَن المواطن اليمنيّ، الذي يجد نفسه منهكًا من مجاراتها أو عاجزًا عن مجابهتها إن حضرت دفعة واحدة في ظلّ انعدام دور الدولة والمجتمع في حمايته، هكذا أصبح حال الطالب الجامعي في اليمن جراء الضغوطات المادية التي تُفرَض عليه من قبل الجامعة.
حمل فوق آخر
"أشعر وكأن الجامعة تحارب مسيرتي التعليمية"، هكذا يعبر الطالب أحمد عماد (اسم مستعار)، أحد طلبة جامعة تعز، عن معاناته جراء ارتفاع الرسوم الدراسية، رغم تدني الوضع المعيشي وتفاقم الوضع الراهن في البلد.
أحمد عماد، بدأ مشواره الدراسي بعيدًا عن والديه وإخوته؛ بسبب العبء المادي الذي يخشى أن يضيفه حملًا جديدًا فوق ظهر عائلته ذات الدخل الشحيح، فقد سافر من منطقة عيشة- صبر، إلى أوساط مدينة تعز، بحثًا عن عمل يسد نفقات دراسته وعيشه.
أدرك أحمد أنّ ما يخوضه ليس بطلب علم، بل وإن جاز القول فإنّه يخوض حربًا بين عملٍ يتقاضى فيه المال لدراسته وبين الدراسة نفسها، بغض النظر عن شحة الراتب الذي يتقاضاه، "حقًّا لا أستطيع مجاراة دوامي في العمل والتوفيق بين التزاماتي فيه وبين الدوام الدراسي، لذلك أضطر إلى التغيب عن الجامعة، من أسبوع حتى شهر كامل"، قالها بحرقة تصف حجم معاناته.
لا تمتلك اليمن خدمات تُقدَّم فيها قروض، كباقي الدول، للطلبة الذين لا يمكنهم دفع الرسوم الدراسية، لذلك من هم ذوو الدخل المحدود أو ما تحت المتوسط -وهنا يقدر دخل الفرد المتوسط بين 150 و300 دولار- فيجبرون على ترك الدراسة أو تحمل تبعات عمل إلى جانب الدراسة.
تقدّر التكاليف الدراسية في الجامعات الحكومية بحسب نوع النظام الذي يلتحق فيه الطالب، فهناك ثلاثة أنظمة؛ أولها النظام العام، ويعدّ من أصعب الأنظمة، فلا يُقبل فيه إلّا باختبار يقيس مدى قدرة الطالب على مجاراة التخصص واستيعابه له، وتتراوح تكاليفه بين 10 و25 دولارًا للسنة الدراسية الواحدة. وهناك أيضًا النظام الموازي، ونظام النفقة الخاصة، وتكاليفهما تقدر بحسب نوع التخصص، فقد تصل إلى 2000 دولار بالنسبة للتخصصات الطبية، أمّا التخصصات الأخرى فتقدّر بين 80 و500 دولار أمريكي.
يقول أحمد: "ما يزيد حزني أكثر؛ أنّ الكفاءة التعليمية تقل شيئًا فشيئًا؛ بسبب الوضع المتدهور بالبلد، في حين نجد أنّ الرسوم الدراسية تستمر في الارتفاع". وأشار أيضًا: "أنا وزملائي نضطرّ للالتحاق بدورات تدريبية نسدّ بها الفجوات التي تتركها لنا الجامعة".
ومن جانب آخر، تروي نبيهة أحمد، معاناتها تجاه التكاليف الدراسية التي تفرضها الجامعة، طالبة أخرى تصارع مشقّات الدراسة في كفة وضغوط نفقاتها في كفة أخرى، "أصبحتُ عاجزة تمامًا عن إكمال دراستي"، بهذه الكلمات تعبر عن مدى سوء الوضع الذي تعيشه.
العهد القديم
في السابق، لم يكن على الفرد دفع كل تلك المبالغ جراء تلقي التعليم، بل كانت الحكومة اليمنية تتكفل بكل ما يخص الجانب المادي في التعليم، فضلًا عن مختلف المنح التي كانت تقدمها، كالمنح الشاملة والمتوسطة والجزئية، سواء أكانت للطلاب المقيمين أم من خارج البلد، ولكن مع تدهور الوضع في اليمن جراء الحرب الراهنة، صار التعليم سلعة تباع لمن يمتلك ثمنها، حتى في أهون الأمور، كاحتفال تخرج طلبة قسمٍ ما، إذ يتوجب على الطلبة البحث عن رجل أعمال أو من يملك المال ليتبنّى تكاليف الحفل مقابل وضع شعار شركته ونشر اسمه بين أوساط المدعوين.
الاستغلال
تخبرنا نبيهة عن حركة استغلال قامت بها الجامعة: "أخبرتني إدارة الجامعة بأنّهم مستعدون لعمل خصم يُقدّر بأربع مئة ألف، بذلك تصبح تكلفة الدراسة كاملة: مليونًا وتسع مئة وخمسين ألف ريال، ولكن قاموا برفع التكلفة إلى ما يعادل مليونين وأربع مئة ألف ريال".
الجدير بالذكر أنّ هناك استغلالًا يُمارَس عبر توظيف التدهور الحاصل للعملة اليمنية لصالح الجامعة، بفرض رسوم جديدة، متناسية وضع الطالب المعيشي ومدى استطاعته في توفير لقمة عيشه التي بات من الصعب الحصول عليها.