تعيش مدينة تعز (جنوب غرب) التي تحتضن أكبر عدد من السكان في اليمن، حصاراً خانقاً تفرضه عليها جماعة الحوثيين منذ أكثر من تسع سنوات. وهي أكثر المدن اليمنية تأثراً بالحرب التي شملت كل جوانب الحياة.
وقسّمت الحرب المدينة جزأين؛ جنوبي تسيطر عليه الحكومة المعترف بها دولياً، وشمالي تسيطر عليه جماعة المسلحة.
يضم الجزء الشمالي "حديقة التعاون" الأكبر في المدينة وحديقة الحيوانات، وحديقة دريم لاند، لكن الحوثيين حوّلوا مساحات شاسعة من هذه الحدائق إلى ثكنات عسكرية وأسواق شعبية. أما الجزء الجنوبي فيضم العدد الأكبر من السكان، لكن ليس فيه حدائق ومتنزهات، ولا يتضمن إلا نادي تعز السياحي، وهو منتجع يضم مسبحاً وقاعات للمناسبات، ويخلو من ألعاب الأطفال عدا ألعاب يدوية بسيطة استحدثتها إدارة النادي أخيراً.
وجرى افتتاح حديقتي "غاردن سيتي" و"هاي لاند" اللتين تضمان ألعاباً في مساحات صغيرة جداً شرقي ووسط المدينة، ويدير كليهما القطاع الخاص.
تقع حديقة "غاردن سيتي" التي كانت تسمى حديقة الوحدة سابقاً في أرض يملكها صندوق النظافة والتحسين في منطقة العرضي شرقي تعز، ويستأجرها حالياً ثلاثة مستثمرين، وتضم بعض ألعاب الأطفال في مساحة ضيّقة جداً ومطعماً وبوفيه صغيرين، وقد أعيد تشغيلها عام 2018.
وفي منطقة الزنقل وسط المدينة، هناك حديقة "هاي لاند" التي تقع على مساحة أرض تابعة للمؤسسة الاقتصادية الحكومية، والتي أجّرت الأرض لمستثمر أنشأ عليها حديقة ألعاب افتتحت عام 2022.
في ظل غياب المتنزهات والحدائق استحدث أبناء تعز أخرى بديلة. ويُعد جبل صبر الذي يحتضن جنوبي المدينة أبرز هذه البدائل، حيث تنتشر على قارعة الطريق استراحات مستحدثة؛ وهي غُرف تطل على المدينة تُستأجَر يوماً واحداً، بقيمة 15 ألف ريال (9.5 دولارات).
إضافة إلى هذه الاستراحات استأجر مستثمر جزءاً من "منتزه الشيخ زايد" الذي تعرض لقصف من طيران التحالف العربي عام 2015، وحوّله إلى استراحة تحتوي على عدد من الغرف وصالة كبيرة للمناسبات، وعدد من ألعاب الأطفال اليدوية. وبات بسبب موقعه المميز وجهة مفضلة لكثير من الأسر، خاصة في مواسم الأعياد.
وأمسى وادي الضباب الذي يقع جنوبي تعز متنفساً لنزهات السكان في الهواء الطلق أيضاً. وتذهب الأسر إلى وادي الضباب وتفترش الطبيعة للاستمتاع بالخضرة والمياه التي تجري في الوادي، وهي تحرص على اصطحاب احتياجاتها من الطعام والشراب لتمضية يوم كامل في كنف الطبيعة والاستمتاع بها.
وتقضي الأسر ساعات النهار في الهواء الطلق حيث يمضغ الرجال القات، بينما يلعب الأطفال في الأراضي الزراعية الخضراء، مستمتعين بالمياه المتدفقة على طول مساحة الوادي.
واستحدثت الأسر الأشد فقراً متنزهات داخل المدينة، وتحديداً أمام جامعة تعز في منطقة حبيل سلمان، حيث استُفيد من عدد من الحقول الخضراء التي تمارس فيها الأسر طقوس المقيل. وجرى توفير عدد من الألعاب للأطفال مقابل أسعار رمزية، ما يعد بديلاً مناسباً للكثير من الأسر في ظل ندرة الحدائق في المدينة، وعدم قدرتها على تلبية احتياجات السكان.
نهاية العام الماضي دشنت السلطة المحلية في محافظة تعز العمل بالمرحلة الأولى من مشروع تأهيل حدائق الجامعة بتكلفة أكثر من 200 ألف دولار بتمويل من البنك الدولي عبر مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع (UNOPS).
وتتضمن المرحلة الأولى من مشروع التأهيل جدراناً ساندة وممرات مشاة ومواقف سيارات وحمامات عامة وأعمال إنارة وزراعة أشجار ومسطحات خضراء على امتداد خمسة آلاف متر مربع وألعاب أطفال.
يقول عمرو المعمري لـ"العربي الجديد": "لا يوجد إلا حديقتان صغيرتان للألعاب في تعز. وإذا ذهبت إليهما مع الأسرة تعود من دون لعب بسبب الزحام، كما أنهما بلا مساحات خضراء للتنزه، لذا نقصد جبل صبر أو وادي الضباب باعتبارهما من الخيارات المتاحة للتنزه، وهما لا يوفران احتياجات التنزه للأسرة لكنهما أفضل المتاح".
يضيف: "ننتظر رفع الحصار عن تعز وفتح الطرقات كي نستطيع الخروج إلى منطقة الحوبان حيث توجد حدائق تعز الكبرى، وهي حديقة التعاون ودريم لاند وحديقة الحيوانات. وفي ظل الحصار باتت تعز بلا متنزهات، كما أن السلطة المحلية لا تنفذ دورها في توفير حدائق ومتنزهات للأهالي".
ويقول نائب مدير نادي تعز السياحي، نبيل الجعفري، لـ"العربي الجديد": "تأثرت الحدائق في تعز كثيراً بسبب الحرب، فحديقة غاردن سيتي توجد في المنطقة الشرقية القريبة من خط التماس مع الحوثيين، ودُمرت دماراً شبه كامل، وتوقفت لمدة ثلاث سنوات بين عامي 2015 و2018. كما حُرم أبناء المدينة من حديقة دريم لاند التي تعتبر أكبر حديقة مساحة وتنظيماً وألعاباً، وذلك بسبب حصار الحوثيين كونها تقع في الحوبان شمالي المدينة التي يسيطر عليها الحوثيون".
وأوضح الجعفري أن "بدائل المواطنين هي توجههم إلى مناطق خارج المدينة مثل وادي الضباب أو جبل صبر، أو توجه البعض إلى عمل ألعاب أطفال يدوية وبسيطة في حارات المدينة. كل هذا بسبب عدم وجود متنفسات حكومية تراعي ظروف أبناء المدينة وأحوالهم في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني في الحدائق الخاصة".