تقرير: ألغام الحوثيين تحصد الأرواح وتدمّر سبل العيش
يمن فيوتشر - "هيومن رايتس ووتش" الخميس, 23 مايو, 2024 - 11:35 صباحاً
تقرير: ألغام الحوثيين تحصد الأرواح وتدمّر سبل العيش

تستمر الألغام التي زرعتها قوات الحوثي وآخرون في اليمن في قتل المدنيين وتتسبب لهم بإصابات خطيرة في المناطق التي توقفت فيها الأعمال العدائية النشطة وتمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم. القانون اليمني و"معاهدة حظر الألغام لعام 1997"، يحظران أي استخدام للألغام الأرضية المضادة للأفراد مهما كانت الظروف.

قالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في "هيومن رايتس ووتش": "استهزأت قوات الحوثي لسنوات بحظر الألغام الأرضية، والمدنيون اليمنيون يدفعون الثمن بما أن هذه الأسلحة تقتل وتجرح دون تمييز. هناك حاجة ملحة إلى تسريع إزالة الألغام الأرضية لإنقاذ الأرواح وتفادي المعاناة غير الضرورية وضمان أن يتمكن الناس من الوصول بأمان إلى منازلهم وسبل عيشهم".

كان للألغام الأرضية غير المزالة أثر كارثي على سكان قرية الشقب التي تقع في مديرية صبر الموادم في الجبال المحيطة بمدينة تعز. يقول عاقل القرية إن من أصل بضعة آلاف من السكان -- لا يوجد إحصاء رسمي منذ 2004 -- قتلت الألغام ستة أشخاص وجرحت 28، خلال السنوات التي تلت مباشرة حصار تعز والمناطق المحيطة في 2015.

زار باحثو "هيومن رايتس ووتش" الشقب في أبريل/نيسان 2024، وقابلوا سبعة من السكان، من ضمنهم أربعة ناجين من الألغام الأرضية، وشخصان فقدا أقارب لهما بسبب الألغام الأرضية، وعاقل قرية الشقب. الناجون الأربعة لديهم جميعا إعاقة دائمة بسبب إصاباتهم. جميع الذين قابلهم الباحثون نزحوا من منازلهم إلى قرية مجاورة.

قابلت "هيومن رايتس ووتش" أيضا مسؤولين في وكالتين وطنيتين تنسقان إزالة الألغام، "المركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام" و"المركز اليمني لتنسيق إزالة الألغام"، وعضوا في "اللجنة الوطنية اليمنية لحقوق الإنسان" وثّق استخدام الألغام الأرضية في المنطقة.

تقع قرية الشقب في وادٍ بين قمتين جبليتين، تسيطر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا على إحداهما (قمة مزعل)، بينما تسيطر قوات الحوثي المسلحة على الثانية (قمة الصالحين)، الخصمان في النزاع اليمني منذ 2014. رغم أن القرية تقع على خط جبهة، توقف معظم القتال الفعلي في الشقب منذ سنوات عدة إلا أن بعض القناصين لا يزالون في المنطقة ويطلقون النار بشكل متقطع على المدنيين، ويقتلونهم في بعض الأحيان. مؤخرا في 23 مارس/آذار، قال السكان إن قناصا من الحوثيين أطلق النار على طفل أثناء عودته من المدرسة وأصابه إصابة خطرة.

نزح معظم سكان الشقب، أغلبهم مزارعون أو رعيان، من أرضهم في بدايات النزاع. بحسب عاقل قرية الشقب، نزحت أكثر من 527 عائلة. مع تراجع الأعمال القتالية النشطة في السنوات القليلة الماضية، قُتل العديد من السكان الذين حاولوا العودة إلى منازلهم للاهتمام بأرض زراعية، أو رعي ماشيتهم، أو أُصيبوا بجروح خطيرة بسبب الألغام المضادة للأفراد، وقُتلت ماشيتهم أيضا. العديد من المصابين لديهم إعاقة دائمة.

قال العديد من السكان، إن قوات الحوثي بدأت منذ 2018 تتسلل إلى أراضيهم ليلا لزرع الألغام في منازلهم ومزارعهم وحولها. بحسب منظمات إزالة الألغام، تعتبر قرية الشقب ملوثة بعدد كبير من الألغام المضادة للأفراد.

قال أحد الذين قابلناهم إنه نزح من منزله في 2016 بسبب القتال. في أغسطس/آب 2022، مع انخفاض حدة القتال، عاد إلى منزله لأخذ بعض القمح الذي كان قد خزّنه هناك. داس على ما وصفه بزجاجة صفراء أمام باب المنزل وانفجرت الزجاجة. خسر هيثم بعض أصابعه جراء الانفجار، وأُصيب بجروح بالغة في رِجله وأجزاء أخرى من جسده وعينيه، وصار لديه إعاقة دائمة وندبات.

صعّبت الألغام أيضا على سكان القرية تأمين الطعام والحفاظ على دخلهم. بحسب "برنامج الأغذية العالمي"، حتى فبراير/شباط 2024، كان 64% من سكان محافظة تعز دون طعام كاف، وتعز هي إحدى أربع محافظات في اليمن تواجه انعدام أمن غذائي "عالي الخطورة ومتدهور". 

قالت امرأة قابلناها، إن لغما أرضيا قتل والدها عندما عاد إلى مزرعته في فبراير/شباط 2021. قالت إنه رغم وقوع المزرعة على الخطوط الأمامية، استمر والدها وعمال زراعيون آخرون في الذهاب إليها لأنها مصدر دخلهم، ولم يكن في المنطقة "غير القناصين". قالت: "اعتاد الذهاب إلى الوادي كل يوم ليفلح الأرض، ولم يخطر في باله أن هناك ألغاما أيضا".

خسر رجل (35 عاما) ساقَيْه بسبب لغم أرضي في يونيو/حزيران 2022، عندما أخذ قطيع الماعز ليرعى في مزرعة في المنطقة. قال: "كنت أُطعِم الماعز في المزرعة نفسها كل يومين أو ثلاثة. هذه أرضي، ولا أحد يعيش فيها. صارت حياتي صعبة للغاية بعد الحادث. كنت أعمل سائقا وفي وظائف أخرى. لم أعد أعمل الآن، لا أفعل غير الجلوس في المنزل". يواجه ذوو الإعاقة في اليمن عقبات في الوصول إلى الخدمات الصحية الجيدة والتعليم وفرص العمل.

قال طفل قابلناه، إن لغما أرضيا قتل والدَيه في 2022. قُتلت والدته عند الباب الأمامي لمنزلهم في فبراير/شباط 2022. قُتل والده بعدها بشهر خلال فلاحة الأرض. قال: "كان يهتم بأرضه يوميا. ثم في أحد الأيام، دخل أرضه صباحا ليفلحها كالعادة، فانفجر [فيه اللغم الأرضي]".

فاقم استخدام الألغام من الانعدام الشديد للأمن الغذائي. قال الرجل الأول: "نملك أراضي زراعية، كنا نزرعها بالقات [والخضار للاستهلاك الشخصي]، ثم نبيعه لجني المال من أجل تغطية حاجاتنا ومصاريفنا. لكن الآن، الأراضي عند الخطوط الأمامية ملوثة، ولم يعُد بإمكاننا الذهاب إليها. الأشخاص الذين ذهبوا إلى هذه الأراضي [والذين أصيبوا بجروح خطيرة أو قُتلوا بسبب الألغام] اضطروا إلى ذلك بسبب حجهم احتياجاتهم والفقر الذي يعيشون فيه".

164 دولة هو عدد الدول الموقعة على معاهدة حظر الألغام لعام 1997، التي تمنع استخدام وإنتاج ونقل وتخزين الألغام المضادة للأفراد، وتطلب إزالتها والدعم للضحايا. يُحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد مهما كانت الظروف لأنها أسلحة عشوائية لا يمكنها التمييز بين المدنيين والمقاتلين.

صادق اليمن على المعاهدة في 1 سبتمبر/أيلول 1998، متعهدا بعدم استخدام الألغام المضادة للأفراد مهما كانت الظروف، وبمنع وقمع الأنشطة المحظورة في المعاهدة. في أبريل/نيسان 2002، رفع اليمن تقريرا إلى الأمين العام لـ"الأمم المتحدة" بأنه أنهى تلف مخزونه من الألغام المضاد للأفراد كما تشترط معاهدة حظر الألغام.

تتابع "هيومن رايتس ووتش" سياسات اليمن وممارساته بخصوص الألغام المضادة للأفراد منذ 1999، ووثقت بعمق العديد من حالات استخدام الحوثيين للألغام المضادة للأفراد في تعز ومحافظات أخرى، بما في ذلك في 2015، 2016، 2017، و2019. أبلغت السلطات الحوثية "هيومن رايتس ووتش" في أبريل/نيسان 2017 بأنها تعتبر المعاهدة ملزِمة. بالإضافة إلى الحظر الذي تفرضه معاهدة حظر الألغام، قد يُلاحق الأفراد المسؤولون عن استخدام أسلحة محظورة أو تنفيذ هجمات عشوائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

أفادت مبادرة "مرصد الألغام البرية" التابعة لـ"الحملة الدولية لحظر الألغام البرية" بأن 582 شخصا على الأقل قُتلوا أو أُصيبوا بجروح بسبب ألغام أرضية أو المتفجرات من مخلفات الحرب في اليمن في 2022، بعد أن كان العدد 528 في 2021.

يشكّل موقع الشقب على الخطوط الأمامية تحديا أمنيا لمنظمات إزالة الألغام، بسبب نشاط القناصين المتقطع. غير أن هيومن رايتس ووتش تكلمت أيضا مع أشخاص من مناطق لم تعُد على الخطوط الأمامية لا يزالون نازحين بسبب وجود الألغام الأرضية

قالت "هيومن رايتس ووتش" إن الحاجة ملحة إلى دعم دولي أقوى لتجهيز موظفي إزالة الألغام ومساعدتهم على مسح المنطقة بشكل منهجي وإزالة الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب في اليمن. يتعين على الحكومة اليمنية والحوثيين، سلطة الأمر الواقع في أجزاء كبيرة من اليمن، والوكالات الدولية أن تقدم التعويض والمساعدة والدعم المناسبين، وفرص العمل إلى المصابين، وعائلات المصابين والقتلى، بالإضافة إلى غيرهم من ضحايا الألغام الأرضية في اليمن. ينبغي أن يشمل الدعم الرعاية الطبية، بما في ذلك الجراحة الترميمية والدعم النفسي، والأطراف الصناعية وغيرها من الأجهزة المساعِدة عند الاقتضاء، وإعادة التأهيل المستمر إذا لزم الأمر.

"هيومن رايتس ووتش" عضو مؤسس في الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية، وحائزة على "جائزة نوبل للسلام لعام 1997" بالمناصفة لجهودها في إبرام معاهدة حظر الألغام.

قالت جعفرنيا: "لن ينتهي الأثر الكارثي للألغام الأرضية في اليمن إن لم تحصل تعبئة كبيرة لإزالة هذه الأسلحة وتدميرها. يواجه الناس في اليمن مستويات كارثية من الجوع ويحتاجون بشدة إلى الوصول إلى أراضيهم الزراعية والمراعي الضرورية، لكن هذه الأراضي هي غالبا ملوثة بالألغام".

 

 


التعليقات