تحليل: ماذا يفعل مجلس القيادة الرئاسي؟
يمن فيوتشر - معن دماج الأحد, 24 مارس, 2024 - 11:39 مساءً
تحليل: ماذا يفعل مجلس القيادة الرئاسي؟

مضت سنتان تقريبًا منذ إعلان نقل السلطة من الرئيس هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي برئاسة الرئيس العليمي. ورغم أن المسار العام لإعلان المجلس كان رغبة المملكة العربية السعودية في إنشاء إطار يسمح لها بالمضي قُدمًا في استراتيجية التخارج من اليمن في تسوية تستوعب كل الأطراف بمن فيها الحوثي، الذي دُعي إلى المشاركة في مؤتمر الرياض الأخير، حاله كحال مؤتمر الرياض 2015؛ لكن الجميع كان يعلم غرض المؤتمر، وهو إعادة هيكلة الشرعية اليمنية التي كانت قد وصلت إلى مرحلة الجمود سياسيًا وعسكريًا.
الغرض الثاني كان استيعاب الأطراف العسكرية والسياسية التي تتمتع بقوات عسكرية كبيرة، لكنها لا تتمتع بتمثيل داخل الشرعية، خصوصًا تلك المدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة، المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي، والمقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح، اللذين سيصبحان عضوين في المجلس، مع القول بأن دمج هذه القوات وسواها مثل قوات العمالقة ضمن مسار الشرعية، يعزز الميزان العسكري لها ويمثل تهديدًا ممكنًا للقوات الحوثية التي تقوم حساباتها السياسية والميدانية -الصحيحة حتى الآن- على أن ما يفرق بين خصومها أكثر مما يجمعهم. وقد جاءت الأحداث التالية لإعلان المجلس، خصوصًا في محافظة شبوة، مؤكدة صحة القراءة الحوثية.
بيان نقل السلطة كان واضحًا لجهة الهم الأساسي للسعودية، إعادة تركيب مؤسسات الشرعية بطريقة تسمح لها بالمضي قُدمًا في مشروع الخروج من اليمن وعدم الانخراط المباشر في الحرب، وبالتالي التفرغ لمشاريعها الاقتصادية ورؤية 2030.
غني عن القول أن الخطة السعودية لا تعالج أسباب التعثر الذي أغرق الشرعية والتحالف طوال سبع سنوات ماضية، والذي بالتأكيد لا يجد أسبابه فقط في سوء أداء رئاسة هادي وبؤس سياسات الأطراف اليمنية الفاعلة، خصوصًا الفريق محسن والإصلاح، بل وأساسًا في طبيعة قيادتها للتحالف والتضارب الشديد في الأهداف بينها وبين دولة الإمارات العربية المتحدة. 
رغم أن بيان نقل السلطة وخطابات الرئيس العليمي تتحدث عن استعادة مؤسسات الدولة سلمًا أو حربًا، إلا أن الحرب الوحيدة التي خاضتها القوات التي من المفترض أنها ضمن الشرعية الجديدة كانت حروبًا فيما بينها، بلغت ذروتها في شبوة، 7 أغسطس 2022 (ثلاثة أشهر فقط بعيد إعلان مجلس القيادة الرئاسي)، والتي وضعت المجلس من الناحية العملية في حالة عجز كامل لمدة طويلة بعدها، بينما كانت دائمًا في حالة الدفاع إزاء ضربات وغزوات الحوثي المختلفة، بما فيها نجاح الأخير في منع الحكومة الشرعية بشكل كامل من تصدير النفط منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، في الوقت الذي رفعت فيه كل القيود عن ميناء الحديدة، لتدخل الميزانية الحكومية في أزمة غير مسبوقة، وهي التي كانت تعاني أصلًا من صعوبات مالية واقتصادية هائلة.
رغم المخاطر والتحديات الهائلة التي يفرضها الحوثي وسياسته، كان للصراعات الداخلية بين أطراف المجلس، الأولوية. فبعد أن نجح المجلس الانتقالي في فرض سيطرته في شبوة ولاحقًا في أبين بدون قتال، تعثرت محاولة مد سيطرته إلى وادي حضرموت والمهرة، ما دفع داعمه (الإمارات) تعويضه سياسيًا باستيعاب عضوين في مجلس القيادة الرئاسي تحت قيادته (البُحسني وقائد قوات العمالقة المحرمي) اللذين -إضافة إلى عيدروس الزُّبيدي وطارق صالح- يحظيان بدعم أبو ظبي. رغم ذلك يشوب علاقة صالح بالزبيدي والمجلس الانتقالي الفتور منذ حادثة الاعتداء على مقر سكنه في معاشيق، بعيد شهر واحد فقط على إعلان المجلس، والذي رفض على إثره العودة إلى عدن والاكتفاء بحضور اجتماعات المجلس عبر دائرة إلكترونية باستثناء حضور الاجتماعات في الرياض. لكن السعودية نجحت في تحديد الخطوط الحمراء وفرض منع تجاوزها على الجميع.
قد يقال إن شلل مجلس القيادة الرئاسي يسمح للرئيس العليمي بممارسة سلطات وصلاحيات أكثر عمليًا، وهو الأمر المنطقي نظريًا، ومن الممكن ملاحظة ذلك فعليًا؛ غير أن الرئيس العليمي الذي وجد نفسه مجردًا من أدوات السلطة والقوة الفعلية، وإلى ذلك العضو الوحيد في مجلس القيادة الذي لا يملك قوة عسكرية تدين له بالولاء، إضافة إلى غياب قاعدة حزبية سياسية جدية مؤيدة له، فحزب المؤتمر الشعبي العام الذي ينتمي إليه إضافة إلى طارق صالح وعثمان مجلي لا يجمع تياراته جامع ولدى كل طرف منه سياسته الخاصة وارتباطاته الإقليمية المختلفة والمتناقضة، ولا يبدو أي طرف حائز على شرعية خلافة قاعدة الرئيس السابق علي صالح، وإن كان جزء من هذه القاعدة مشدودًا عاطفيًا إلى ابنه أحمد أو ابن أخيه طارق.
هذا الأمر نفسه يسبب توترًا في علاقة الأخيرين، فأحمد يدرك عن حق أن طارق يأخذ من قاعدة أبيه لا غيرها، وطبعًا يدور كثير من قاعدته التقليدية والتي لم تذهب بشكل كامل مع الحوثي في مناطق سيطرته حول قيادة صادق ابو رأس. لذا أيضًا قد يبدو مفهومًا أن يسعى لبناء قاعدته الخاصة، وخصوصًا قوات عسكرية يحاول بناءها بمساعدة السعودية (قوات درع الوطن - التي تثير حفيظة شركائه في المجلس الرئاسي، خصوصًا الانتقالي)، لكنه لذلك وغيره غير قادر على ممارسة دور القيادة المطلوب في ظروف اليمن الحالية، خصوصًا أن ذلك الدور يحتاج أحيانًا إلى التعارض مع سياسة المملكة العربية السعودية بالقول وبالفعل، وإن كانت داعمته الوحيدة، إلا أنه من دون القدرة على الوقوف ضد مسار التسوية الذي تقوده السعودية منفردة حتى عن شريكتها في التحالف دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي نتيجته الوحيدة مزيد التمكين للحوثي بانتظار استماع قوته للانقضاض على الجميع.
بدون القدرة على ذلك ومن دون خسارة الدعم السعودي في الوقت نفسه فلا يمكن للعليمي أو للمجلس لعب أي دور قيادي، وسيكونون جميعًا ذاهبين في طريق الخسران، بينما يتعاركون ويتنازعون على الهوامش تحت نظر الحوثي، الذي يحد السكين لهم جميعًا. 
سيكون السؤال: ما الممكن عمله لمنع السير في طريق تبدو نتائجه واضحة منذ البداية؟ كيف من الممكن إقناع المجلس الانتقالي بتغيير أولوياته من فك الارتباط إلى مواجهة الخطر المشترك الذي يمثله الحوثي، خصوصًا أن لديه كل الحق في عدم الثقة بشركائه في المجلس وأن مشاريعهم المخالفة تبدو متناقضة ولا يجمعها جامع؟!
في البداية كان تعاطف أصحاب مشروع فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية مع الحوثي ينبع من وجود عدو مشترك. لاحقًا ومع استيلاء الحوثي على العاصمة صنعاء، وحتى بعد تقدمه إلى عدن، بُني تقدير آخر كان يتمحور على أن غرق الشمال تحت حكم جماعة متخلفة تنتمي للعصور الوسطى وتمزق المجتمع وروابطه الاجتماعية يقدم أكبر فرصة لفرض مشروع فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية، وهو أمر له وجاهته فعلًا.
لكن عدم القدرة على إدراك تطور الخطر الحوثي وتنامي قوته وإرادته المعلنة بالاستيلاء على كل اليمن والبقاء في تقديرات العام 2014 أصبحت تشكل خطرًا حقيقيًا ووشيكًا على مشروع المجلس الانتقالي، الذي يحتاج فعلًا للشجاعة في ترتيب أعدائه وأولوياته، إضافة إلى حل مشكلة المشاريع المناطقية داخل الجنوب نفسه، والتي لا يمكن حلها بالتمثيل الشكلي على طريقة علي صالح، الذي رغم العداء السابق لكنه النموذج الذي يسير على هديه خصومه السابقون، رغم فشله لا في بناء الدولة فحسب بل وفي المحافظة على سلطته وحياته.
الآن وبينما تشتعل أزمة البحر الأحمر منذ خمسة أشهر، يكتفي مجلس القيادة الرئاسي بتسجيل المواقف الكلامية المعلنة، مذكرًا القوى الدولية بسوء تقديرها الذي منع الشرعية من طرده من الحديدة وعموم الساحل اليمني على البحر الأحمر، والذي كان من شأنه قلب توازن القوى بشكل كامل في الحرب اليمنية وإفقاد الحوثي أهم مصادره المالية وحصره في الجبال، وعلى ما في هذه المحاججة من وجاهة فإنها لا تفيد ولن تؤدي لأي نتيجة.
ما تحتاجه الشرعية هو التقاط اللحظة السانحة والقيام بفعل يقدمها للعالم كشريك حقيقي، ولكن أساسًا يفرض رؤيتها ومصالحها، لا بقائها على هامش المشاريع الإقليمية والدولية.
دون فعل وتحرك عسكري ميداني حقيقي يغير المعادلات الميدانية والسياسية، لا يمكن أن يكون أقل من التحرك باتجاه إنهاء سيطرة الحوثي على مديريات تعز الغربية وكسر طوق المدينة المحاصرة، والتقدم نحو مديريات إب الغربية، وتحرير مديرية الجوبة، والذي يمكن أن يكون من الجهتين وعبر قوات الجيش والعمالقة. دون فعل عسكري هذه حدوده الدنيا، سيبقى دور المجلس تقديم خدمة كلامية لا تفعل ولا تغير شيئًا، بينما ينتظر مصيره والقوى التي يمثلها في طريق الخسران الذي يرسم له ولليمن.


التعليقات